عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
طلعت حرب وحلم الطيران !

طلعت حرب وحلم الطيران !

بقلم : رشاد كامل

كانت سعادة «طلعت حرب» بالشاب «محمد صدقى» أول طيار مصرى  لا حدود لها، ومما زاد من سعادته  أن هذا الشاب كان موظفًا فى بنك مصر وكان والده على معرفة وثيقة بطلعت حرب.



 اقيمت عشرات الاحتفالات لمحمد صدقى حضرها كبار رجال الدولة والأحزاب، وكان أهمها حفلة نادى التجارة التى أقيمت بمسرح الأزبكية وتم اختيار طلعت حرب ليكون رئيس شرف اللجنة التى قامت بتكريم الطيار الشاب «محمد صدقى».

وفى بداية خطبة طلعت حرب كشف عن الكثير من الجوانب المهمة فى حياة «محمد صدقى»، لكنه كان يدخر مفاجأة أخرى أفصح عنها بمناسبة هذا التكريم !..  قال طلعت حرب : «إننا إذا احتفلنا اليوم بصدقى فإنما نحتفل به تكريما لشخصه ولصفات البطولة التى انطوت عليها نفسه، ونحتفل به لأن ما قام به يعتبر رمزًا جليلاً على اقتدار  المصرى فى مغالبة الصعاب والتغلب عليها  ومطارحة المجد بثمن الحياة للفوز به فى سبيل الوطن.. كنا قبل وصوله نشعر بنقص  فى استكمال أدواتنا القومية لا لعجز عن استكمالها ولكن لأسباب قهرية، وكنا نشعر بأن الأمم الأخرى اسبق منا فى ميادين الطيران، ونحن أحق بأن نجاريها فى استعمال الهواء كما تستعمله هى سواء بسواء، وكان يزيد المنا بهذا النقص أن الطيران واسطة  بريئة للنقل  التجارى يتقدم بسرعة هائلة، ونحن مع  هذا محرومون من حق الانتفاع بهذه الواسطة فى جونا الصافى، حتى ومحرومون من تحضير أبنائنا فى مطارات لنا خاصة !.. أما وقد وصل إلينا «صدقى» فإن وصوله يعتبر فوزا للمصريين ودليلا ناهضًَا على إمكان تكوين أمثاله من الطيارين المصريين وباعثاً منشطًا  على تذليل الصعاب  لإنشاء أسراب من الطيارات المصرية لتسهيل النقل الجوى أسوة بما تقوم به الأمم الأخرى !!

 ومصر بما حباها الله من جو معتدل قد تكون اصلح بلاد الأرض للتدريب على الطيران ولاستخدام الطيارات فى حاجاتها الداخلية ولأداء الوساطة للغير فى نقل ما يراد نقله من جهة إلى أخرى باعتبارها نقطة ارتكاز ممتازة بين الشرق والغرب بل بين الحضر والبيداء !!

بعد ذلك أخذ طلعت حرب يوجه الشكر والتحية للحاضرين وكذلك كل المسئولين فى الدولة فقال :

 « ارجو أن تسمحوا لى بأن اشكر حضراتكم على تفضلكم بحضور هذا الاجتماع للاحتفال بأول طيار مصرى لمس بطائرته ارض مصر المقدسة وأتشرف بأن أعلن من هذه المنصة عظيم ولائنا وجزيل تشكراتنا لحضرة صاحب الجلالة الملك المعظم – الملك  فؤاد – حفظه الله على رعايته لطيارنا المصرى بجميع صنوف الرعاية الأدبية !

 كما اشكر حضرات اصحاب الدولة والمعالى الوزراء على تشجيعهم إياه منذ إعلانه عن رحلته، ونشكر جميع المطارات التى مر بها على ما قدمت له من ضروب المساعدة والمجاملة، ونشكر الحكومة على قرارها منح مكافأة مالية صادق عليها المجلس النيابى  فى الحال مصادقة تنم عن حُسن التقدير.

 أما الذين تفضلوا فأرادوا أن يعربوا عن شعورهم بتذكار مادى سواء بتقديم الزهور أو الكاسات الفضية أو بالاكتتاب بالمال فإننا نشكرهم على ما قدموا..  ونحن إذ رجونا طيارنا المصرى الجرىء أن يقبل هذا الشيك الذى هو نتيجة للاكتتاب العام، فنحن لا نقدمه له لأن عمله قابل للتقدير بالمال أو أن عمله مقصود به المال، فإن الذى تقوم نفسه الرياضية على الخلق الكريم يؤثر حب الغير على حب نفسه، ونفس طيارنا من هذا القبيل، ولكننا نقدم إليه هذا الشيك  كرمز مادى صغير لاعتراف الأمة المصرية بما نال من سبق الفضل فى ميدان من ميادين الحياة  الجديدة، وبما فتح لنا فيها من آمال كانت إلى الآن عاصمة الفتوح، فليتقدم بتسلمه إعلانا منا له بالشكر  الوافر والاعتراف بالجميل»..  وقام طلعت حرب  بتسليم الشيك إلى محمد صدقى وكُتب على الشيك عبارة تقول : «ادفعوا لأمر حضرة «محمد صدقى» أول طيار مصرى ألف جنيه تقديرًا من مواطنيه لبسالته وتذكارا لرحلته من برلين إلى القاهرة». ثم توقيع طلعت حرب نفسه على الشيك.

 وعاد طلعت حرب يستأنف خطبته المهمة والرائعة قائلا : «إن صدقى مثل للرجولة والاعتماد على النفس ومغالبة الصعاب واقتحام الأخطار والفوز بالغايات  النبيلة، وأشرف الغايات وأنبلها قصدا ما بُنيت على نكران الذات وإيثار الغير على حب النفس وتقديم النفع العام على النفع الخاص، والتذرع بالكفاية وحسن التدبير والصبر الجميل فى تشييد العوامل الفعالة فى ترقية المجموع ورفعة الوطن..  وسلام على الأبطال العاملين على ترقية المجموع ورفعة الوطن، سلام عليك يا «صدقى» وسلام على جميع الأبطال من ابناء هذا الوادى الذين سيحذون حذوك ويسلكون سبيلك فيأتون بالعجب العجاب، فى إذلال الهواء، فى سبيل السلم العام وصالح الوطن».. وفى نفس الخطبة حرص «طلعت حرب» على توجيه التحيات لمحاولات بعض المصريين فى مجال الطيران فقال : «وسلام على طيارنا  الثانى «أحمد بك حسنين» الذى تشايعه قلوبنا فى رحلته ولئن صادفته صدمة تهشمت فيها طيارته فإننا نبتهل إلى الله  تعالى شكرا على سلامته، ونعتقد أن  بطولته التى ساقته إلى اجتياز مجاهل الصحراء هى نفسها التى تقوى عزيمته وتهيئ له فى المستقبل أسبابا كثيرة للنجاح فى هذا المضمار.. واليوم قد يقطع طيارونا المسافات فى أوقات طويلة، وغدا يقطعونها فى أسرع ما يستطيع أن يقطعها طيار فى العالم..  كذلك ننتهز هذه الفرصة لنذكر بالثناء  مجهود كل مصرى حاول أن يقوم حتى الآن بأى عمل مفيد فى سبيل الطيران، فنذكر سعادة «حسن أنيس باشا» الذى كان أول مصرى على ما نذكر تدرب على الطيران فى الخارج وحاول أن يجيء إلى مصر منذ أربعة أو خمسة أعوام دون أن يُصرح له وقتئذ بالدخول فيها عن طريق الجو ونذكر حضرة «محمد رشد» أفندى الموفد فى بعثة الطيران فى إنجلترا والذى سمعنا أنه أتم تدريبه على أحسن حال، كما نذكر  بالثناء المستطاب على حضرة الدكتور «الكردانى» الذى كانت الحكومة قد أوفدته للتخصص نظريا فى الطيران، فعاد استاذًا فى مدرسة الهندسة الملكية فوضع كتابًا عن «بسائط الطيران» الذى هو أول كتاب من نوعه فى اللغة العربية»..  ويختتم «طلعت حرب» خطبته بكلمات بالغة الأهمية والدلالة قائلا : «هؤلاء وأمثالهم ممن عسى أن تبعث بهم الحكومة المصرية ليتخصصوا فى الطيران عمليًا ونظريًا هم نواة صالحة  لتكوين قوة تجارية للطيران مؤسسة على البطولة والتجربة والعلم والعرفان.. هذه هى أمنية أشعر أنها تخالج صدوركم جميعا وأنها ستلقى من ولاة الأمر فينا كل تعضيد جدى يشكرون عليه. والله يوفقهم ويوفقنا جميعا إلى ما فيه خير البلاد والسلام على حضراتكم مشكورين محمودين على عواطفكم الوطنية المستنيرة».. 

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، تفاصيل  أخرى يرويها «د. عبداللطيف محمد الصباغ» فى كتابه المهم «الطيران المدنى فى مصر» «دراسة فى تاريخ مؤسسة مصر للطيران» فيقول : «أحدث نجاح الطيار «صدقى» فى الوصول من ألمانيا إلى مصر بطائرته الخاصة مع بداية عام 1930 اثرًا بالغًا فى تفجير قضية إنشاء  شركة طيران مصرية، فقد حضر حفل تكريم الطيار «صدقى» لفيف من كبار الشخصيات يهمنا منهم طلعت حرب رائد الاقتصاد الوطنى آنذاك، الذى ألقى خطابا بهذه المناسبة جاء فيه :«إن وصول الطيار صدقى يعتبر دليلا على إمكانية تكوين أمثاله من الطيارين المصريين، وباعثا منشطا على تذليل  العقبات لإنشاء سرب من الطائرات المصرية لتسهيل النقل الجوى أسوة بالبلاد الأخرى».. ولاشك أن هذا الحدث قد ترك فى نفس «طلعت حرب» اثرًا عمق فكرة تبنيه لمشروع إنشاء شركة طيران وطنية..  أخذت بريطانيا بزمام المبادرة فى الدعوة لإنشاء شركة طيران مصرية وقد تزامن تفكيرها مع وصول الطيار «صدقى» من أوروبا فاقترحت وزارة الطيران البريطانية على شركة «هستون إير ورك» أن تعرض على بنك مصر إقامة شركة لتدريب الطيارين وبناء المطارات وتوفير خدمات الطيران»

وللحكاية بقية !

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز