عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
هي الحربُ لا كذب

هي الحربُ لا كذب

بقلم : أيمن عبد المجيد

دقت الحرب طبولها، ولم تضع أوزارها بعد، حربٌ ضروس لا هوادة فيها، ولا خيار لمصر غير الانتصار، فما دونه الفناء، فالأعداء يستهدفون تفكيك بنيانها، والله سبحانه كتب لها البقاء، منذ بدء الخليقة وإلى المنتهى، فقد قال في كتابه الكريم: «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين».



الحرب الآن تطورت بما يكفي، ليحقق العدو أهدافه الرئيسية، التدميرية، دون أن يُطلق رصاصة في ميدان، أو يحرك آلة أو معدة حربية من مكانها، ودون أن يفقد جنديًا من جنوده، في مواجهة مع المقاومة الوطنية.

فالحرب الخشنة تلك، التي كان الناس يسمعون فيها دوي المدافع، وأزيز الطائرات، ويشتمون رائحة البارود، ولت لما لها من كلفة مالية وبشرية، يدفعها المحتلون دونما ثقته في أنهم سيحققون أهدافهم الاستعمارية.

ولت الحرب الخشنة، لتحل محلها حروب الجيل الرابع الناعمة، تلك التي تستهدف فقط جمجمة الإنسان، حيث يكمن العقل، لتدمير الوعي العام، وتحويل هؤلاء المقاومين لاستعمار الماضي ببسالة، إلى أدوات تدمير دولهم من الداخل.

الحرب الحديثة، أسلحتها الدعاية السوداء، الشائعات والأكاذيب، التي تستهدف إثارة النعرات الطائفية والمذهبية تارة، والروح المعنوية تارة أخرى، بل وجدران الثقة بين الشعب وقيادته السياسية، أو مؤسساته الصلبة، بغية تآكل الدولة المستهدفة من الداخل.

ذخيرة تلك الحروب الشائعات والأكاذيب، ولها في أجهزة المخابرات معامل تخليق، وفي وسائل الإعلام البديل من "سوشيال ميديا ويوتيوب وتويتر" وغيرها، أسلحة لإطلاقها وترويجها، وتضخيمها وإعادة تدويرها، ففي الفضاء الإلكتروني ملايين المستهدفين.

أقوى الشائعات، هي تلك التي تحوي جزءًا من الحقيقة، بيد أن تلك الحقيقة يتم اجتزاؤها، وبناء عليها إضعافه من الأكاذيب، لخداع المتلقي، وتدمير قناعاته واستبدالها بوعي زائف.

مراحل بناء الوعي، تبدأ بالإدراك، والمعرفة، لبلوغ مرحلة وعي زائف توّلد قناعات محركة لسلوك الإنسان، الهدف من خلق وعي كاذب هو التأثير على سلوكك للإتيان بأفعال تدمر دولتك، والنماذج كثيرة.

نموذج الشائعات التي بثتها أجهزة المخابرات ووسائل الإعلام الأمريكية، ضد العراق في التسعينيات، والتي ولّدت إدراك كاذب بمشكلة مختلقة، بزعم أن هناك خطرًا على العالم، وفي المقدمة دول الجوار العربية، من امتلاك العراق سلاحًا نوويًا، وما تلاها من نشر شائعات كاذبة، في شكل بيانات وتقارير، ثبت أنها وهمية، كان الغرض منها تزييف الوعي العام، وخلق قناعات بأن حكم العراق آنذاك يُمثل خطرًا، وهذا الوعي الزائف تُرجم لسلوك دول وأفراد، فمن العراقيين أنفسهم من ظن أن الغزاة جاءوا لتحريرهم.

لكن أفاق الجميع على دمار دوله، ومحتل جاثم على أنفاسهم، يواصل نهب ثرواتهم، حتى بعد رحيله، مخلفًا خرابًا وبذور فتنة واقتتالًا داخليًا.

في الحروب الحديثة، العقول هي التي تُدير، وهي التي تستهدف، وأبناء الدولة المستهدفة، هم من يتم استخدامهم، لإطلاق قذائف الأكاذيب، واختيار العملاء الذين ينفذون مخططات الأعداء دون معرفة بأنهم مجندون في كثير من الأحيان، بل يظنون أنهم يحسنون صنعًا.

تتم دراسة الشخص المستهدف استخدامه، نفسيًا، وعقليًا، للنفاذ إليه من ثغرة، فهناك من لديه طموح، لا تحققه قدراته، أو مجنون الشهرة، أو عاشق المال، يستدرجونه من حيث تكمن نقطة ضعفه، ليؤدي الدور المحقق لأهدافهم.

الممثل محمد علي، نموذج للشاب، الذي درس تعليمًا متوسطًا، صاحب طموح كبير، يستهدف الشهرة، سعى لها عبر شاشات السينما، عندما تعثر، أنتج فيلمًا لنفسه، أنفق عليه ٢٧ مليون جنيه، جعل من نفسه المُنتج والبطل، بل وضع صورته منفردة على البانر الدعائي للفيلم، وبعد كل ذلك لم يحقق شيئًا من الشهرة المطلوبة.

انطلق من حقيقة، وهي عمله مقاولًا في مشروعات تم إسنادها لشركته من القوات المسلحة، ليستخدم في إضافة جملة الشائعات المعادية، هو ذاته ليس مشكلة، بل الخطر في الآلة الجهنمية المعادية، والأجهزة المخابراتية التي تمولها، التي تستخدمه بوعي أو غير وعي منه، لتحقيق هدفها الرئيسي لاستهداف الجبهة الداخلية وتزييف الوعي، لإعاقة نمو مصر وتقدمها، فقد فشلت كل محاولات خنق الاقتصاد المصري بالطرق التقليدية.

هل تذكرون محاولات تدمير السياحة، المصدر الرئيسي للنقد الأجنبي؟! والحملة المعادية التي استهدفت مصر، ومازالت، عقب سقوط الطائرة الروسية، فالدول التي حاصرت مصر اقتصاديًا وأوقفت رحلات السياحة، لم تُحرك ساكنًا عندما قُتل سفير روسيا في تركيا على الهواء، ولا عندما حاولت قوات من الجيش التركي الإطاحة بأردوغان، ولم توقف الرحلات لفرنسا عندما استهدفها الإرهاب بمقربة من رئيسها الذي كان في الاستاد، لم توقف تلك الدول رحلاتها إلى باريس!

تلك الجهات المُعادية، التي تستهدف مصر، هي ذاتها التي تلقفت فيديوهات الممثل المغمور، وأعادت إنتاجها وتضخيمها، لتصل لفئات أكبر، ففي ذلك ما يحقق هدفها في تزييف الوعي، والتصويب على جدار الثقة الفولاذي بين الشعب وجيشه، في محاولة لخلق رأي عام مزيف للضغط، لتراجع دور الجيش اقتصاديًا.

ذلك الدور الإشرافي، الذي نجح في فترة زمنية قصيرة، في ضبط أداء الشركات المدنية، العاملة في المشروعات القومية، بما ضاعف القدرة على الإنجاز، وقفز بمصر، لتحقق في سنوات معدودة ما لم يتحقق في عقود، سواء في القضاء على العشوائيات ونقل المواطنين لسكن آدمي، أو مشروعات الإسكان، والبنية التحتية، أو تطوير بركة غليون، والقضاء على الهجرة غير الشرعية، أو الصوب الزراعية، وغيرها من المشروعات العملاقة.

كل ذلك البناء، ومصر مُحاصرة، ومصر تحارب الإرهاب، كل تلك التنمية ومصر تنفق المليارات على تأمين حدودها وملاحقة أفاعي الإرهاب الممول، والمدعوم من دول معادية، فما بالنا إذا ما عبرت مصر تحدياتها، قطعًا ستتحول لعملاق إفريقي، وهذا ما رصده الإعداء وأرق مضاجعهم فيسعون وسيحاولون كثيرًا عرقلة مصر، مستخدمين حروب الجيل الرابع، التي تستهدف قلاع الوعي لتدمير الجبهة الداخلية.

لكن المخططات ستفشل دائمًا ببناء دفاعات وعي قوية، وتلاحم الجبهة الداخلية للمصريين، تلك الصخرة التي تحطمت على صلابتها مخططات كثيرة.

نحن في حرب حقيقية، لكنها حرب غير تقليدية، بذخيرة من نوع مختلف، وأسلحة ساحتها الشبكة العنكبوتية، أهدافها الوعي لخلق سلوك موجه فوضوي تدميري، ومواجهته يكون بتقوية دفاعات الوعي الجمعي، لحماية بنيان الدولة، فالقضية استهداف كيان دولة، وليس مسؤولًا أو جزءًا من مؤسسة.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز