عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
لا تتحدث عن الجيش.. أنت لا تعرف شيئًا

لا تتحدث عن الجيش.. أنت لا تعرف شيئًا

بقلم : د. فاطمة سيد أحمد

قبل أن يقوم أحد بتشمير يديه، متوهمًا أنه ينقض على الجيش وقياداته وأنه ينتقص من قدره عند المجتمع المدنى، عندما يذكر أنه يقوم بمشاريع بناء وتعمير، كان يجب عليه بنظرة سريعة أن يستعرض المناطق والأحياء السكنية ليعرف أن معظمها  قام حول الثكنات العسكرية، بعد أن تواجدت فى مناطق كانت تعتبر نائية وغير معمورة لينشر الأمن ويأتى الشعب ليسكن بجانبهم يستأنس بهم، هذا ليس كلامًا بل هو بحث رسالة الدكتوراه خاصتى وكان موضوعها (التفاعل الاجتماعى بين المجتمع العسكرى والمجتمع المدنى) دراسة أنثروبولوجية فى منطقتى رأس التين والعامرية بالإسكندرية، وقد اخترت هاتين المنطقتين؛ لأن بالأولى قاعدة عسكرية بحرية، وهى القاعدة الأم للقوات البحرية والثانية بها وحدات للمنطقة الشمالية العسكرية.




ولقد قمت بعمل بحثى فى الدكتوراه عن هذا الموضوع كان فى فترة المشير أبوغزالة وقد بدأ فى التعمير وإنشاء مشاريع بعد أن أسس جهاز الخدمة الوطنية وقتها كانت هناك نعرة من الإخوة اليساريين والإخوان، مثل الآن تمامًا ولكن وسائل الإعلام كانت محدودة؛ ولذا الانتشار لأفعالهم كان محدودًا، حيث كانوا يرددون (أن الجيش بيبنى مساكن لضباطه وأفراده ومشاريع ينافس فيها المدنيين) كلامهم لم يتغير عبر السنين، ولكنى أردت التعرف بشكل بحث علمى هل الشعب المصرى متضرر من تواجد العسكريين؟ فكانت النتيجة فى المنطقتين محل الدراسة بالعكس فى بحرى أو رأس التين كان الوضع طبيعيًا للغاية؛ فالجنود والضباط الأغلبية منهم من أبناء الحى وتوارثوها أبًا عن جد، فالبحرية وكل ما تقوم به امتداد لهم، مرحبين به تمامًا ومتفاعلين معه للغاية.


أما بالنسبة للعامرية فكان الوضع مختلفًا إلى حد ما فإن المناطق العسكرية هناك لم تكن محددة كانت أكثرها ميادين تدريب مفتوحة تجرى بها التدريبات ثم تعود القوات إلى ثكناتها فى منطقة مصطفى كامل استعدادًا لحرب 73 وبها  أيضًا بدو رُحّل  يتجولون حتى ليبيا، ما عدا بعض المناطق القديمة مثل (الدخيلة والمكس) والتى تندرج إداريًا مع مناطق وادى القمر والعجمى وكينج مريوط والعامرية  تحت مسمى «حى العامرية»، عندما تقلد المشير أبوغزالة منصب وزير دفاع وبعد مناوشات القذافى فى أوخر حقبة الرئيس السادات كان يجب أن يكون هناك تمركز للقوات المصرية فى مناطق قريبة لسرعة تحركها للمد والمعاونة للمنطقة الغربية، وهنا بدأت المنطقة الشمالية ترسم حدود مناطقها العسكرية التى كانت من قبل ميادين مفتوحة، وما إن شرعت  فى ذلك حتى جاء بعض البدو يدّعون أن تلك الأراضى ملك لهم وقد طالبهم الجيش بإظهار صكوك الملكية فكانت لدى القليل منهم وهم الملاك الحقيقيون ومنحوا تعويضًا عنها، فى حين كان الباقى يدعى الملكية، ومع ذلك أنشأ الجيش مساكن ومنح جميع البدو علاوة على الوافدين من الوجه البحرى والذين كانوا يعملون بالقرى التى أنشأها السادات مثل النهضة والبنجر والعراق وغيرها وقد أطلقوا الأهالى على هذه المساكن (قبيلة المساكن) نسبة إلى النسبة الأكبر من البدو الذين كانوا يقطنون بها وألفوا حياة المسكن وتركوا الترحال وعملوا بتجارة المواشى ومهن أخرى ووجهوا أولادهم للتعليم، بعد أن قام الجيش بإنشاء الكثير منها لخدمة أبناء المنطقة، فى حين أن بعض البدو سارع فى وضع يده بمناطق بالعجمى وكينج مريوط وباعوها واغتنوا حتى صار بعضهم نوابًا فى مجلس الشعب فى تلك الفترة وما بعدها وحتى الآن.


ولكن عندما كنت ألقى سؤالًا للمدنيين «هل أنتم متضررون من التواجد العسكرى؟» وكان ذلك فى أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات الفترة الزمنية لإجراء بحثى، كانت الإجابة تأتى من الأغلبية بأنهم يحسون بالأمان ولكن السلع التموينية لا تكفيهم هم والعسكريون وخاصة «الخبز» حيث يأتى الجندى المكلف بالتعيينات ويطلب كميات هائلة لتكفى الوحدة وفى بعض الأحيان يطلب السماح له بأخذ طلبه سريعًا متحججًا بأن لديهم فى الوحدة (زيارة قائد)، ولأن أهالى العامرية لم يألفوا  التعامل مع العسكريين فى هذا الوقت فكانت لديهم شكوى من أن المجمعات الاستهلاكية أيضًا يقتسمها معهم العسكريون وكان هذا عكس تمامًا منطقة بحرى الذين عندما يَرَوْن جنديًا يأتى ليحضر العيش فإنهم يجعلونه قبلهم بأريحية تامة.


 المهم أن رسالتى كانت تخضع للمراجعة فى المخابرات الحربية لأنى كنت أقوم بتوجيه نفس الأسئلة إلى العسكريين أيضًا داخل وحداتهم ولذا لزم المراجعة، كان رئيس قسم المعلومات بالمخابرات الحربية وقتذاك (العقيد خيرى) والذى أخذ ما قاله أهالى العامرية فى ملحوظة وعرضها على رئيس المخابرات الحربية -وقتذاك- (اللواء عمر سليمان) ليقوم بدوره لرفعها على وجه السرعة إلى المشير أبوغزالة الذى يأمر بسرعة إنشاء مخبز آلى فى منطقة العامرية لخدمة المدنيين والعسكريين على السواء وأيضًا قيام جهاز مشروعات الخدمة الوطنية بعمل منافذ بيع المواد الاستهلاكية جنبًا إلى جنب مع مجمعات وزارة التموين وقتها،  وعندما ذهبت فى نهاية بحثى لكتابة التوصيات بالرسالة وجدت أهالى العامرية يشيدون بما فعله الجيش ويدعون له بدوام القوة والبناء.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز