عاجل
الثلاثاء 1 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
حجاب العقل وحجاب الرأس
بقلم
محمد نجم

حجاب العقل وحجاب الرأس

بقلم : محمد نجم

البعض يحيط عقله بحجاب، والبعض الآخر يرتدي حجابًا فوق رأسه.



وهنا يصبح «الحجاب» قضية فكر، وزيا أيضا.

والأولى تتحقق عندما يعجز الإنسان عن فهم ما يتعرض له، ومن الفاعل وما هي أهدافه؟ ويصبح «لقمة سائغة» للأفكار المتطرفة أو الشائعات المغرضة، وهو ما حدث لأعضاء الجماعات الإرهابية ومنها تنظيما القاعدة وداعش.

فقد رفع هؤلاء شعارات دينية خادعة، وسيطروا على أتباعهم بآيات قرآنية أخرجت من سياقها ومناسبتها، وتعسفوا في تفسير النص القرآني والأحاديث النبوية الشريفة.

فانخدع البعض بما سمع وتحول إلى «أداة» للقتل والترويع، وتدمير الزرع والضرع، وهي نتيجة متوقعة لكل من «أحجب» عقله عن التفكير الحُر المنفتح، حيث لا احتكار للحقيقة، ولا تناقض بين القول والفعل.

أما حجاب الرأس.. وهو قضية زي.. فقد انتشر في مصر في السبعينيات والتثمانينيات من القرن الماضي، حين حرصت الكثير من المصريات- خاصة من الطبقات الشعبية والوسطى- على ارتدائه كرمز للتدين!

وقد ساعدت الظروف السياسية والاجتماعية وقتها على انتشاره، حيث نجح الإخوان والسلفيون في استغلال الآثار السلبية لنكسة 67، وما تلى حرب أكتوبر من تغيير التوجهات السياسية وشعور المصريين بغياب الهوية الوطنية وضبابية المستقبل، فرفعوا شعارات «الإسلام هو الحل»، والاقتداء بالسلف الصالح! وساعد على ذلك ما رفعه الرئيس المؤمن (السادات) من شعار دولة «العلم والإيمان»، والانفتاح الاقتصادي، الذي وصفه المرحوم أحمد بهاء الدين بانفتاح «السداح مداح»، حيث أثري البعض منه ثراءً فاحشًا، لم تستطع نساء الطبقات الوسطى والشعبية مجاراة نساء الأغنياء الجدد في مظهرهم: فاستعانوا بالحجاب ثم الخمار!

لقد اختزل هؤلاء وغيرهم من «الدعاة الجدد» التدين في الشكل دون الجوهر، واعتقد البعض ممن أحاطوا عقلهم بحجاب، أن العمة الأفغاني ذات الذيل المتدلي على القفا، والجلباب القصير، مع السروال الطويل، والشبشب «أبو إصبع» مع السواك في الجيب.. هو التدين!

هذا.. مع أن التدين الحقيقي والفطري، هو ما وقر في القلب وصدقه القول والفعل.

لقد حول هؤلاء المتدينون الجدد العبادات إلى طقوس، والشريعة إلى حدود وأحكام، وبصرف النظر عن مقاصدها، واعتبروا العالم عدوًا للإسلام والمسلمين، وقد أثبتت الأيام أنهم طلاب سلطة وليسوا طلاب آخرة، وأنهم استخدموا الدين كوسيلة للوصول إلى الحُكم.

نعم.. لقد استغل هؤلاء المدعون.. التدين الفطري للمصريين وأقنعوهم بضرورة التحجب، ثم النقاب كدليل للعفة ومظهر للتدين.

وبعيدًا عن الجدل الفهمي حول الحجاب والنقاب، فمن المعروف أن «غطاء الرأس» وأيًا كان شكله أو نوعه كان ضرورة «بيئية» في بعض مناطق العالم، كحماية للرأس في المناطق الحارة خاصة البدوية، أو للتدفئة في المناطق الباردة، ولكن هؤلاء من أصحاب التوجهات السياسيـــة المستتـــرة تحـت عباءة الديــن، حولــوا «غطاء الرأس» إلى قضية فكرية وفقهية.

أقول ذلك بعد أن اقتربت من أحفاد رائد التنوير رفاعة الطهطاوي، وبعد أن قرأت الكتب التي أصدروها وخاصة كتاب «تنزيل إلهي ومفاهيم بشرية»، وكتاب «عين.. رؤية وارتواء»، و«نحو حضارة أفضل»، و«الإسلام: كتاب وإنسان» حيث يواصلون رسالة جدهم في التنوير ومن بعده أبيهم رافع محمد رافع (1903- 1970) والذي وصف بالمعلم الصوفي من خلال تقديم رؤية وقراءة جديدة لبعض الآيات القرآنية التي أخرجها البعض من سياقها ومناسبتها واستخدمها في التسلط والسيطرة، لقد أسس الأشقاء الثلاثة «الجمعية المصرية للبحوث الروحية والثقافية» ليواصلوا رسالة والدهم في الدعوة إلى نقاء القلوب وطهارة الروح، ونشر المحبة والسلام والرحمة، وتطهير القلب من الأدران والعقل من التعصب.

والأشقاء الثلاثة هم: د. علي رافع، العالم في علوم الحاسب الآلي على المستوى العربي والدولي، وهو أستاذ بجامعة القاهرة، ود. علياء رافع، الأستاذ بكلية البنات بجامعة عين شمس وهي مؤسس ورئيس مؤسسة بناء الإنسان والتنمية، والإعلامية عائشة رافع، الكاتبة الصحفية وخبيرة التنمية البشرية.

يحاول الأشقاء الثلاثة تجديد الخطاب الديني من خلال الندوات الثقافية والحلقات الدراسية التي يعقدونها بمقر جمعيتهم بمنزل الأسرة في الحلمية الجديدة، والذي أطلق عليه «بيت الفقراء»، أو من خلال الكتب التي يصدرونها متضمنة لقراءتهم الجديدة للآيات القرآنية ودعوتهم التي تستهدف الإنسان صاحب الفطرة النقية عملا برسالة الفطرة التي أظهرها الله لرسوله الكريم في إحدى آيات سورة الروم: «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أكثر النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ».

نعم.. إنهم يقدمون مدخلًا أخلاقيًّا لقراءة تعاليم الدين الإسلامي، مع إبراز سماحة الإسلام ورحمته.

يصفون أنفسهم بأنهم طلاب حقيقة، باحثون عن المفاهيم الثرية المتجددة في النص القرآني وسُنّة رسوله الكريم.

نعم.. لقد استحق أحفاد رائد التنوير رفاعة الطهطاوي أن يوصفوا بـ«بيت العباقرة»، كما أطلق عليهم زميلي وصديقي محمود سالم، لجديتهم وتواضعهم بالرغم من غزارة علمهم وعمق أفكارهم وسماحة دعوتهم.

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز