عاجل
الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
"أكتوبر".. حدوتة مصر الخالدة

"أكتوبر".. حدوتة مصر الخالدة

بقلم : محمود حبسة

يبقى يوم السادس من أكتوبر عام 1973 الذي تهل علينا ذكراه العطرة أحد الأيام الكبار في تاريخ مصر إن لم يكن أفضلها على الإطلاق، يبقى شاهدا على صحة الحديث الشريف "إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا فذلك الجند خير أجناد الأرض"، وهو الحديث الذي ذكره عمرو بن العاص في خطبة له عند فتح مصر نقلا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الحديث الذي صححته دار الإفتاء المصرية وحاول البعض الآخر من الكارهين لمصر إضعافه، والسؤال ولم لا؟ فمن غير المصريين دافع عن الإسلام ودياره ضد الصليبيين والتتار؟ ومن غير المصريين حقق نصرا مؤزرا على اليهود والصهاينة ومن يؤازرهم ويمدهم بكل أنواع وأحدث أنواع السلاح؟ من غير المقاتل المصري استطاع أن يحطم أسطورة الجيش الذي لا يقهر وينهي إلى الأبد أحلامهم في التوسع والهيمنة على المنطقة بأثرها كما تقول كتبهم وكما يزعم حاخاماتهم؟ من غير المصريين حاربوا وانتصروا وهم صيام كما حارب أجدادهم من العرب وهم صيام في معركة بدر وكان لهم النصر؟ من حارب دفاعا عن الدين وعن الأرض وعن العرض وعن الشرف كما حارب المصريون وقبلهم المسلمون الأوائل؟ من استطاع أن يتحدى المعوقات والصعاب التي كانت كلها تقول لا للحرب، فالحرب في عين جالوت أو حطين أو سيناء تعني الخسارة وتعني الهلاك؟



يبقى يوم السادس من أكتوبر عام 1973 شاهدا ودليلا على هذه النوعية من المقاتلين المصريين ضباط وجنود هؤلاء الرجال الشرفاء الذين عاهدوا الله وصدقوا فيما عاهدوا الله عليه، رجال عاهدوا الله على أن تكون كلمة الله هي العليا وعلى أن يكون الموت في سبيل الله أسمى أمانيهم، رجال يندر مثلهم في أي مجتمع، الدفاع عن الوطن وعن العرض والشرف وعن عزة المصريين وكرامتهم هو غايتهم، لا يعتدون على حقوق وممتلكات الغير ولا يفرطون في حقا لوطنهم، جسدوا معنى التضحية في أسمى وأجل صورها، لا خيار ثالثا لهم إما النصر أو الشهادة، نوعية من المقاتلين لا يعرفون لليأس والإحباط طريقا فكان النصر حليفهم دوما وعلى مر التاريخ.

يبقى يوم السادس من أكتوبر شاهدا على هؤلاء الرجال وعلى مدى وطنيتهم ومدى عشقهم لهذا الوطن وإخلاصهم له، يبقى يوما شاهدا على التضحية والفداء من أجل الوطن بأجود ما يملك الإنسان وهو الروح يجود بها ثمنا رخيصا حتى لا يدنس تراب الوطن عدو، رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا، رجال أعادوا لمصر عزها وشرفها فهي عندهم أغلى وأثمن الأوطان هي الوطن الذي لا بديل عنه، وهي الأرض وهي العرض والشرف والموت دفاعا عنها شهادة في سبيل الله، رجال يؤمنون بأن الدفاع عن الوطن من المقدسات ومن الضرورات والواجبات التي يفرضها الإسلام العظيم، وهو فرض كفاية وقد يتحول إلى فرض عين على كل مصري مسلم إذا تعرضت القوات المسلحة لمكروه، رجال أشداء على الكفار رحماء فيما بينهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا.

كثيرة ومتعددة هي الزوايا التي يمكن أن ننظر من خلالها لنصر أكتوبر العظيم لعل أولها هو عامل الثقة بالله وحسن التوكل عليه، فشعار الله أكبر تلك الصيحة الخالدة التي خرجت مدوية من حنجرة كل ضابط وجندي مصري في حرب أكتوبر زلزلت الأرض تحت أقدام إسرائيل أسقطت حصون جيشها ومراكز قياداته قبل أن تسقطها نيران الطائرات والمدفعية المصرية، ألقت الرعب في نفوس مواطنيها وجنودها في آن واحد قبل أن يصيبهم الرعب من مشهد عشرات الآلاف من المقاتلين المصريين وهم يزحفون كالوحوش البرية نحو الأرض المصرية ليطهروها من دنس الأعداء، والسؤال كيف يتحول فلاح بسيط إلى صائد للدبابات؟ كيف عبر المصريون قناة السويس أكبر مانع صناعي رغم تهديدات العدو بتحويلها إلى كتلة نار؟

 كيف أزالوا الساتر الترابي وحطموا حصون خط برليف المنيع؟ بل كيف كان القرار رغم التخاذل والتآمر الاقليمي والدولي؟ قصص ومعجزات تبرهن أن أصحابها تحولوا بفضل إيمانهم بالله وثقتهم في نصره وعشقهم لوطنهم واستعدادهم للذود عنه إلى أصحاب خوارق، كيف يتلاقى الدم المسلم مع الدم المسيحي يلغي كل الفوارق ليروي أرض سيناء في أنشودة واحدة مازالت تشدوا بها أرض الفيروز إلى يومنا هذا، لذا سيبقى السادس من أكتوبر شاهدا على هذا التلاحم بين الجيش والشعب والذي كان واحدا من أهم أسرار حرب أكتوبر المجيدة وأحد أهم مفاتيح النصر فيها.

يبقى السادس من أكتوبر أنشودة مصر وحدوتها الخالدة التي ترويها للعالم أجمع عن العسكرية المصرية التي كانت وما زالت وستبقى مدرسة الوطنية على مر العصور ومصنع الرجال، جيل بعد جيل يتوارث فيها الجندي المصري والمقاتل المصري جينات الفداء والتضحية دفاعا عن الوطن وعن الدين بكل غال ونفيس، جينات حب الوطن والدفاع عنه مهمها كان الثمن ومهما كانت الصعاب والتضحيات، جينات العزة والكرامة لشعب لا يرضى إلا أن يعيش حرا أبيا هو نبت هذه الأرض الطيبة، رجال من أصلاب رجال شرفاء لم يكونوا أبدا مرتزقة في جيوش الآخرين ولم يكونوا عبيدا عند الآخرين بل أحرار من أصلاب أحرار، ولذلك سيبقى الجيش المصري سند هذه الأمة من بعد الله عز وجل وهو عزها وفخرها وحصنها المنيع.

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز