عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الرئيس السادات يجيب عن أسئلة الماضي والحاضر.. الإرادة والوعي «٢-٣»

الرئيس السادات يجيب عن أسئلة الماضي والحاضر.. الإرادة والوعي «٢-٣»

بقلم : أيمن عبد المجيد

بالأمس تحدثنا عن الإرادة والوعي، مستلهمين من الماضي خبراته، مواجهين الحاضر بتحدياته، أملًا في بلوغ المستقبل بتوقعاته.



طرحنا الأسئلة الصعبة على الرئيس السادات، لم نستدعِه من جنات النعيم التي يقيم فيها، إن شاء الله، فلا نزكيه على الله، بل نحسبه من الشهداء فهم أحياء عند ربهم يرزقون، بل استدعينا خطاب النصر.

توقفنا بالأمس عند رده على الأمنيات والإرادة والعمل، فهل للأمنيات أن تتحقق بلا عمل، فقال:

«إن اعتقادنا دائمًا كان ولا يزال أن التمني بلا إرادة، نوع من أحلام اليقظة، يرفض حبي وولائي لهذا الوطن، أن نقع في سرابه أو في ضبابه».

 

بمناسبة السراب والضباب، شن العدو حربًا نفسية عنيفة، لإفقاد الشعب الثقة بقيادته، وتحطيم إرادته، كيف تعاملت معها، والمظاهرات كانت تخرج ضدك والنكات تتهمك بالتخاذل.. بينما كنت تعمل في صمت؟

الرئيس السادات: «برغم ظواهر عديدة بعضها طبيعي، وبعضها مصطنع من تأثير حرب نفسية وجهت إلينا، فقد كان سؤالي لنفسي ولغيري، في كل يوم يمر: هل القاعدة سليمة؟ وكنت واثقًا أنه ليس في قدرة أي حرب نفسية- مهما كانت ضراوتها- أن تمس صلابة هذه القاعدة، وما دامت القاعدة بخير فإن كل شيء بخير، وغير ذلك لن يكون إلا زوبعة في فنجان كما يقولون».

 

هل هذا يعني أن صلابة القاعدة الشعبية لم تتأثر بالمظاهرات والحرب النفسية؟

الرئيس السادات: «لست أنكر أننا وُوجهنا بمصاعب جمة، مصاعب حقيقية، مصاعب في الخدمات، مصاعب في التموين، مصاعب في الإنتاج، مصاعب في العمل السياسي أيضا.. وكنت أعرف الحقيقة، لكنني لم أكن في موقف يسمح لي بشرحها، كنت أعرف أننا نحاول أن نجعل الحياة مقبولة للناس، وفي الوقت نفسه فإن علينا أن نحتاط لما هو منتظر، وكنت واثقًا أنه سوف يجيء يوم تظهر فيه الحقيقة لغيري، كما كانت ظاهرة لي، وحين تظهر الحقيقة فإن الناس سوف يعرفون، وسوف يقدرون وأحمد الله».

 

من الناس بواقع الغيرة على الوطن، وحزنًا على ضياع سيناء، وتحت قصف قذائف الحرب النفسية، اهتزت ثقتها بالجيش.. كيف رأيته كقائد بعد النكسة؟

الرئيس السادات: «لقد كنت أعرف قواتنا المسلحة، ولم يكن حديثي عنها رجمًا بالغيب ولا تكهنًا، لقد خرجت من صفوف هذه القوات المسلحة، وعشت بنفسي تقاليدها وتشرفت بالخدمة في صفوفها وكنت في ألويتها».

 

ماذا كنت تعرفه ولا يعرفه الواقعون في فخاخ اليأس؟

الرئيس السادات: «إن سجل هذه القوات كان باهرًا، لكن أعداءنا، الاستعمار القديم والجديد والصهيونية العالمية، ركزت ضد هذا السجل تركيزًا مخيفًا، لأنها أرادت أن تُشكك الأمة في درعها وسيفها».

 

قد يقول قائل: ولكن النكسة كانت ماثلة أمام منتقديها وعاصروها.. بماذا ترد عليهم سيادة الرئيس؟

الرئيس السادات: «لم يكن يخامرنا الشك في أن هذه القوات المسلحة، كانت من ضحايا نكسة سنة ١٩٦٧ ولم تكن أبدًا من أسبابها.. كان في استطاعة هذه القوات سنة ١٩٦٧ أن تُحارب بنفس البسالة والصلابة التي تحارب بها اليوم، لو أن قيادتها العسكرية في ذلك الوقت لم تفقد أعصابها بعد ضربة الطيران، التي حذر منها عبد الناصر، أو لو أن تلك القيادة لم تصدر قرارًا بالانسحاب العام من سيناء دون علم عبد الناصر».

 

إذًا الانسحاب تم دون علم الزعيم الراحل عبد الناصر.. وجيشنا لم يحارب ولم يعط فرصة الدفاع عن الأرض، وبالتالي لم نُهزم؟

الرئيس السادات: «إن قواتنا لم تعط الفرصة لتقاتل عام ١٩٦٧، إن هذه القوات لم تُعط الفرصة لتحارب دفاعًا عن الوطن، وعن شرفه وعن ترابه، لم يهزمها عدوها، ولكن أرهقتها الظروف التي لم تعطها الفرصة لتقاتل».

 

كيف تمت معجزة إعادة بناء الجيش بعد النكسة؟

السادات: «إن القوات المسلحة المصرية، قامت بمعجزة على أعلى مقياس عسكري، ولقد شاركت مع جمال عبد الناصر في عملية إعادة بناء القوات المسلحة، ثم شاءت الأقدار أن أتحمل مسؤولية استكمال البناء ومسؤولية القيادة العليا لها، أن القوات المسلحة قامت بمعجزة على أعلى مقياس عسكري، استوعبت العصر كله تدريبًا وسلاحًا بل وعلمًا واقتدارًا، حين أصدرت لها الأمر أن ترد على استفزاز العدو، وأن تكبح جماح غروره، فإنها أثبتت نفسها أن هذه القوات أخذت في يدها، بعد صدور الأمر لها، زمام المبادرة، وحققت مفاجأة للعدو، وأفقدته توازنه بحركاتها السريعة.. إن التاريخ العسكري سوف يتوقف طويلًا أمام عملية يوم ٦ أكتوبر ١٩٧٣».

 

الجيش السوري في الجبهة الشمالية، قاتل ضد الاحتلال الصهيوني بالجولان بالتزامن مع قتال الجيش المصري في سيناء.. ما الرسالة التي توجهها له سيادة الرئيس؟

السادات: «أريد أن أقول لإخوتنا في الجبهة الشمالية، إنكم عاهدتم وكنتم أوفياء للعهد، وصادقتكم وكنتم أشرف الأصدقاء، وقاتلتم وكنتم أشجع المقاتلين.

إنكم حاربتم حرب رجال، وصمدتم صمود الأبطال، ولم يكن في مقدورنا أن نجد رفقة سلاح أكثر مدعاة للطمأنينة والفخر من هذه الرفقة، التي تشرفنا بالقتال فيها معكم ضد عدو واحد لنا، هو عدو أمتنا العربية كلها».

 

لماذا يستهدف المستعمرون منطقتنا العربية على مر التاريخ في الماضي والحاضر.. ووفق التوقعات ستظل مستهدفة في المستقبل؟

السادات: «التضحيات، والوعي، والإيمان غير المحدود، بالقدرة على بناء مستقبل أفضل، فلم يكن هناك أحلك من تلك السنوات، التي تجرع فيها شعب مصر، مرارة النكسة، وضياع الأرض، بل لم يكن هناك أقوى من تلك الحرب النفسية، التي استهدفت شعب مصر، لإقناعه بأن الكيان الصهيوني لا يقهر، وأن اجتياز خط برليف المنيع، مغامرة انتحارية محكوم عليها بالفشل».

 

لماذا منطقتنا العربية دائمًا مستهدفة؟

السادات: «لأن المنطقة التي نعيش فيها بدورها الاستراتيجي والحضاري في القلب من العالم، وفي الصميم من حركته».

 

الأمن القومي العربي في خطر.. والضمير العربي ممزق.. متى يستيقظ العرب؟

السادات: «كان رأيي أن الأمم لا تستطيع أن تكشف نفسها أو جوهرها، إلا من خلال ممارسة الصراع، وبمقدار ما يكون التحدي كبيرًا، تكون يقظة الأمة واكتشافها قدراتها كبيرة، لست أنكر وجود خلافات اجتماعية وفكرية، فذلك مسار حركة التاريخ، لكنني في الوقت نفسه، كنت أعرف أن الأمم العظيمة عندما تواجه تحدياتها الكبرى، فإنها قادرة على أن تحدد لنفسها أولوياتها بوضوح لا يقبل الشك، كنت مؤمنًا بسلامة وصلابة دعوة القومية العربية، وكنت مدركًا للتفاعلات المختلفة، التي تحرك مسيرة أمة واحدة».

تلك الكلمات الموزونة بميزان الذهب، النابعة من أقسى اختبار خاضته مصر في تاريخها الحديث، قالها الرئيس الشهيد محمد أنور السادات، بينما أعين العالم كله، بلا مبالغة، تنظر إليه وهو يلقي خطاب النصر، تحت قبة البرلمان المصري، ١٦ أكتوبر ١٩٧٣، بعد ١١ يومًا من بدء حرب الكرامة، التي حطمت أسطورة الصهاينة.

خطاب فيه إجابات لكثير من الأسئلة، التي تطرق الأذهان الآن، ونحن نواجه نفس الحرب بأسلحتها الحديثة، فالدعاية السوداء، التي استهدفت كسر إرادة المصريين، عقب نكسة ١٩٦٧، لكسر إرادة المصريين وإثنائها عن إعادة بناء الجيش، والاستعداد لمعركة التحرير، كانت تبني أكاذيبها على انسحاب الجيش، وهدم الثقة في قدرته.

 

وها هو الرئيس السادات في خطاب النصر قال: إن الجيش لم يحارب.. وعبد الناصر لم يعطه أمر الانسحاب.. لكن هل توقفت حرب الدعاية السوداء بعد نصر أكتوبر؟!

لا بل لم تنته، بل اتخذت أساليب جديدة، مع قراره الحاسم بعقد اتفاقية السلام، التي حررت سيناء كاملة، فالحرب كانت قرارًا سياسيًا بامتياز، لصفع الأمريكان، ومن يدعم إسرائيل لإفاقتهم على واقع جديد على الأرض، تلك الحرب استعادت فقط ١٥ كيلومترًا من سيناء، وفرضت واقع القوة ليليها الاتفاقية.

بيد أن أفاعي الحرب النفسية، زيفوا الصورة الذهنية لدى بعض المغيبين، واتهموا بطل الحرب والسلام بالخيانة، وكان الهدف هو عزل مصر عن محيطها العربي، وإحداث شروخ عميقة، تحول دون تحقيق السادات لهدفه الأكبر، وهو تحرير كامل الأرض العربية المحتلة، في مقدمتها الجولان، والعودة في فلسطين لحدود ٦٧.

وبعد كل هذه السنوات من الحرب النفسية، ما زالت الجولان محتلة، وفلسطين تطالب بحدود ٦٧، لكن السادات رحل ورحلت معه اللحظات الملائمة للقرار والفعل التاريخي، فالرجل قال عن تلك اللحظات الحاسمة، موجهًا حديثه لشعب مصر:

«عاهدت الله وعاهدتكم على ألا أتأخر عن لحظة أجدها ملائمة، ولا أتقدم عنها لا أغامر ولا أتلكأ، وكانت الحسابات مضنية، والمسؤولية فادحة، لكنني أدركت كما قلت لكم وللأمة مرارًا وتكرارًا، إن ذلك قدري، وأني حملته على كتفي، عاهدت الله وعاهدتكم وحاولت مخلصًا أن أفي بالوعد، ملتمسًا عون الله، وطالبًا ثقتكم وثقة الأمة، وإني لأحمد الله».

ونحن نحمد الله أن رزقنا زعيمًا مثل السادات، اتخذ القرارات المصيرية المناسبة في الأوقات المناسبة، وفي لحظات عصيبة، في وقت يعجز فيه الآلاف من منتقديه عن اتخاذ قرارات أسرية بسيطة.

وللحديث بقية غدًا.. إن شاء الله.

 

أقرا أيضا : الإرادة والوعي.. ٤٦ عامًا من الحرب والمقاومة «١-٣»

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز