علي الفاتح
العدوان التركي على سوريا.. موافقة أمريكية وترحيب روسي
بقلم : علي الفاتح
جريمة أردوغان تُعيد داعش إلى الساحة السورية بمباركة أمريكية روسية ولكن بقواعد جديدة
لم يتصور كثيرون في بداية العدوان التركي على الأراضي السورية، أن تحركات أردوغان أتت بموافقة روسية، لاسيما أن موسكو كانت الحليف الاستراتيجي لنظام الرئيس بشار الأسد طوال سنوات، ومكنته من هزيمة أغلب التنظيمات الإرهابية في معظم الأراضي السورية.
غير أن الأحداث المتلاحقة تكشف يومًا بعد يوم، أن عمليات الجيش التركي داخل الأراضي السورية، تمت بما يتجاوز الموافقة الضمنية، من جانب كل من الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية، وجاءت وفق تفاهمات شرعت أنقرة في صناعتها مع واشنطن وموسكو، قبل إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سحب قواته من شمال شرق سوريا، بفترة ليست بقليلة.
قيام الطرفين الأمريكي والروسي بمنع صدور بيان إدانة من قِبل مجلس الأمن أثناء جلسته المغلقة الخميس الماضي للاعتداءات التركية يكشف بوضوح أنهما ربما رحبا بالخطوة التركية، في سياق حرص كل منهما على أن يبقى أردوغان حليفًا قريبًا منه، بعد أن شهدت الشهور الماضية تجاذبات في العلاقة بين أنقرة وواشنطن بسبب صفقة منظومة الدفاع الصاروخية إس- 400 التي نفذتها الأولى مع موسكو رغم التهديدات الأمريكية.
فمن جانبه رأى ترامب أن موافقته على العملية العسكرية قد تزيل التوتر الذي شاب العلاقة مع النظام التركي خاصة بعد إعلانه الصريح حرمان تركيا من طائرات إف-35، علاوة على أن انسحاب جنوده من سوريا سيجعله ينفذ وعوده الانتخابية بشأن عودة الجنود الأمريكيين إلى وطنهم.
أما فلاديمير بوتين فلم يكن يرفض لحليفه التركي ما وافق عليه ترامب خشية أن يفقد هذا الحليف في سياق صراعه على النفوذ مع الولايات المتحدة وحلف الناتو، كما أن شن تركيا حملة عسكرية على قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، يساعد على تقويض أقوى المجموعات المسلحة التي تشكل حجر عثرة أمام النظام السوري، التي لم يكن ليجرؤ على شن هجماته على القوات الكردية في ظل استمرار بقاء الجيش الأمريكي، علاوة على عدم امتلاكه القدرات العسكرية الكافية لمواجهة تلك القوات بالنظر إلى ما يواجهه من تحد في محافظة إدلب حيث تجمعت مئات الفصائل الإرهابية، والتي تضم ما بين نحو نصف مليون إرهابي مسلح وفق نظام التقديرات.
طوال السنوات الماضية بدا الموقفان الروسي والأمريكي متعارضين بشأن ما يجرى في سوريا، لكن على ما يبدو قد حان موعد تقسيم الكعكة السورية، التي أجبرت الطرفين في نهاية المطاف على الجلوس حول مائدة واحدة، وهذا ما يفسر اتباع مسؤولي الإدارتين استراتيجية التصريحات المتضاربة حول العدوان التركي على الأراضي السورية بل انهما أطلقا تصريحات مشابهة في كثير من الأحيان، فقد حرص كل منهما في بداية الأمر على إعلان تفهمه لحاجة أنقرة لإيجاد منطقة آمنة في شمال شرق سوريا، مع ضرورة أن تضع تركيا في حسبانها بعض الاعتبارات والشروط التي تلائم كل منهما.
فبينما حذر ترامب بتجاوز ما أسماه "الخطوط الحمراء"، وفي مقدمتها عناصر الجيش الأمريكي، اشترط الكرملين الروسي ألا يؤثر العدوان التركي على وحدة الأراضي السورية.
اللافت أن إيران قد تشاركت ذات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وروسيا، حيث أعلنت بوضوح هي الأخرى تفهمها للرغبة التركية في تأمين حدودها الجنوبية.
في سياق هذا الوضع المعقد كان من الطبيعي ألا يخرج النظام السوري ببيان واضح يدين عملية الجيش التركي على أراضي بلاده، مكتفيًا باستخدام وسائل إعلامه المحلية ووكالة أنبائه الرسمية "سانا" عبارة العدوان التركي أثناء نقل أخبار تساقط القذائف التركية على مدن وقرى شمال شرق سوريا، وليس من المتوقع أن يخرج موقف سوري رسمي مخالف لما توافقت عليه كل من روسيا وإيران مع واشنطن وأنقرة.
وقد ترى دمشق في العدوان التركي فرصة لوضع القوات الديمقراطية تحت مزيد من الضغوط لتقبل الدخول معها في اتفاقات مستقبلية يجبرها على القبول بما رفضته في السابق أثناء مفاوضات، يؤكد قادتها خوضها مع نظام الأسد بتنسيق روسي، لاسيما أن موسكو بادرت- فور بداية العدوان التركي- إلى دعوة الجانب الكردي إلى الدخول في مفاوضات مع المسؤولين السوريين.
ربما لم يكن أمام دمشق خيارات أفضل من القبول بالدعم الروسي المباشر لمواجهة عناصر التنظيمات الإرهابية التي تكالبت عليها مع اندلاع أحداث 2011 إلى جانب دعم إيران وميليشياتها المسلحة في المنطقة، وعلى رأسها ميليشيا حزب الله، خاصة مع تدفق العناصر الإرهابية بأعداد هائلة عبر الحدود مع تركيا، وربما كانت تدرك دمشق في تلك الآونة أن التدخلات الروسية والإيرانية ستجعل أراضيها مباحة لتدخلات عسكرية أخرى تركية وأمريكية لكنها وعلى أي حال كانت مضطرة للقبول لتلك الأوضاع خاصة بعد سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على محافظات ومدن كاملة أعلن فيها قيام خلافته المزعومة.
ومع ذلك بقي على النظام السياسي السوري، وقبله النظام العربي بأكمله، البحث عن سبيل جديد لإنقاذ سوريا من مصير التقسيم التي بات أمرًا واقعا، فرغم تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول ضرورة جلاء جميع القوات الأجنبية من الأراضي السورية، وتشديده على رحيل القوات الروسية حال طلب النظام السياسي الشرعي الذي سيتم إرساؤه في دمشق بعد إنهاء التسوية السياسية؛ إلا أن تصريحات بوتين لا تبدو واقعية، ليس فقط بسبب قواعده العسكرية التي أقامها على الأراضي السورية، أو بسبب تدشين إيران أكبر ميناء على سواحل سوريا، وإنما لأن العدوان التركي سيعمل على تكريس حالة التقسيم، واستمرار الأوضاع مشتعلة بين الأطراف السورية المحلية على نحو يحول دون التوصل إلى أي اتفاق سياسي يفضي إلى إجراء انتخابات ديمقراطية تنشئ نظامًا سياسيًا جديدًا يبسط هيمنته على كامل الأراضي السورية.
فمن ناحية أعلن أردوغان توطين مليوني لاجئ في أراضي شمال شرق سوريا، بما يعمل على تغيير تركيبتها السكانية، كما أنه شن عدوانه بمعاونة ما أسماه "الجيش الوطني السوري"، الذي يتكون في الأساس من عدة فصائل إرهابية على رأسها جيش سوريا الحر، الذراع العسكري لجماعة الإخوان، وبفرض أن أردوغان قام بعد انتهاء عمليته العسكرية بإحلال تلك العناصر في المنطقة فمن المؤكد أن حربًا ضروسا ستشتعل بين المكون الكردي وحتى العربي والسرياني والشركسي المتواجد أصلًا في قرى ومدن الشمال الشرقي السوري، والعناصر الإرهابية الجديدة التي قام أردوغان بتوطينها.
إضافة إلى ذلك لم تكن داعش خارج معادلة الصراع خاصة أن أيديها ظهرت مع بداية العدوان التركي، بقيامها في اليوم التالي للعدوان بتفجير سيارة مفخخة في مدينة القامشلي، علاوة على استهداف المدفعية التركية عدة سجون سهلت طبقًا للقوات الكردية هروب بعض عناصر داعش وليس من المنتظر الإبقاء على تلك العناصر داخل السجون، خاصة أن كلا من الولايات المتحدة وروسيا وإيران لم تصدر أي بيانات تحذر أردوغان من الاستمرار في قصف السجون، حتى بعد تأكد هروب بعض عناصر داعش.
علاوة على ذلك من المعروف أن أغلب عناصر داعش كانت تتلقى دعمًا لوجستيًا من النظام التركي طوال السنوات الماضية، بدءًا من فتح ممرات آمنة للعبور إلى الداخل السوري مرورًا بإمدادها بالسلاح والذخيرة والأموال اللازمة، وصولًا إلى تلقي عناصرها العلاج داخل المستشفيات التركية قبل أن تعود مرة أخرى إلى ساحات القتال، بل إن صحفًا أمريكية كشفت تلقي بعض تلك العناصر أموالًا وسلاحًا وخدمات علاجية من جانب إسرائيل، وهو ما يؤكد أن عودة داعش لن تكون أمرًا مزعجًا بالنسبة للأطراف الدولية المتواجدة على الأراضي السورية، وإن كان تواجدها سيكون تحت السيطرة هذه المرة، بمعنى أنه قد يقتصر على أماكن نفوذ ومصالح الروس والأمريكان والأتراك، وبما يعمل على استمرار الأوضاع مضطربة غير مستقرة على كامل الأراضي السورية وهو ما سيعطي للجميع مبررًا للبقاء.
إعادة إحياء داعش برعاية تركية ورضا روسي- أمريكي أقرب السيناريوهات تحققا واقعية، لاسيما أن العالم بأسره كان شاهدًا على قيام تركيا بنقل ما تبقى من تلك العناصر إلى ليبيا بحرًا وجوًا عبر مدينة مصراتة، دون أن يتدخل بشكل حاسم لمنع تلك الجريمة، ولم يصدر أي بيان رسمي بهذا الشأن، باستثناء تلميح الرئيس الروسي في أحد اجتماعاته في إيطاليا قبل نحو ثلاثة أشهر، فيما صمتت الولايات المتحدة تمامًا رغم إعلان ترامب تأييده للمشير خليفة حفتر في المحادثة التليفونية التي أجراها معه بعد مرور أقل من شهر على بداية عملية الكرامة لتحرير العاصمة طرابلس.
تعقد مصالح الدول الكبرى والفاعلة في الإقليم تفرض على الدول العربية مراجعة قواعد تعاملها مع من تصفه بالحليف الاستراتيجي والتاريخي سواءً في واشنطن أو في موسكو، لأن ما يحدث في شمال شرق سوريا يهدد الجميع من المحيط إلى الخليج، فقد لا تمانع روسيا في إعادة نشر وتوزيع عناصر تنظيم داعش وغيره من الجماعات الإرهابية داخل البلدان العربية، تمامًا كما أن الولايات المتحدة تدير صراعها المزعوم مع إيران لوضع منطقة الخليج تحت ضغوط الاضطرابات والتوترات الأمنية، لتعظم مصالحها في المنطقة، ولتدفع إيران لتحقيق بعض أهدافها مقابل تمكينها من الاستمرار والتوسع داخل العراق وسوريا واليمن.
جريمة أردوغان تُعيد داعش إلى الساحة السورية بمباركة أمريكية روسية ولكن بقواعد جديدة
لم يتصور كثيرون في بداية العدوان التركي على الأراضي السورية، أن تحركات أردوغان أتت بموافقة روسية، لاسيما أن موسكو كانت الحليف الاستراتيجي لنظام الرئيس بشار الأسد طوال سنوات، ومكنته من هزيمة أغلب التنظيمات الإرهابية في معظم الأراضي السورية.
غير أن الأحداث المتلاحقة تكشف يومًا بعد يوم، أن عمليات الجيش التركي داخل الأراضي السورية، تمت بما يتجاوز الموافقة الضمنية، من جانب كل من الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية، وجاءت وفق تفاهمات شرعت أنقرة في صناعتها مع واشنطن وموسكو، قبل إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سحب قواته من شمال شرق سوريا، بفترة ليست بقليلة.
قيام الطرفين الأمريكي والروسي بمنع صدور بيان إدانة من قِبل مجلس الأمن أثناء جلسته المغلقة الخميس الماضي للاعتداءات التركية يكشف بوضوح أنهما ربما رحبا بالخطوة التركية، في سياق حرص كل منهما على أن يبقى أردوغان حليفًا قريبًا منه، بعد أن شهدت الشهور الماضية تجاذبات في العلاقة بين أنقرة وواشنطن بسبب صفقة منظومة الدفاع الصاروخية إس- 400 التي نفذتها الأولى مع موسكو رغم التهديدات الأمريكية.
فمن جانبه رأى ترامب أن موافقته على العملية العسكرية قد تزيل التوتر الذي شاب العلاقة مع النظام التركي خاصة بعد إعلانه الصريح حرمان تركيا من طائرات إف-35، علاوة على أن انسحاب جنوده من سوريا سيجعله ينفذ وعوده الانتخابية بشأن عودة الجنود الأمريكيين إلى وطنهم.
أما فلاديمير بوتين فلم يكن يرفض لحليفه التركي ما وافق عليه ترامب خشية أن يفقد هذا الحليف في سياق صراعه على النفوذ مع الولايات المتحدة وحلف الناتو، كما أن شن تركيا حملة عسكرية على قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، يساعد على تقويض أقوى المجموعات المسلحة التي تشكل حجر عثرة أمام النظام السوري، التي لم يكن ليجرؤ على شن هجماته على القوات الكردية في ظل استمرار بقاء الجيش الأمريكي، علاوة على عدم امتلاكه القدرات العسكرية الكافية لمواجهة تلك القوات بالنظر إلى ما يواجهه من تحد في محافظة إدلب حيث تجمعت مئات الفصائل الإرهابية، والتي تضم ما بين نحو نصف مليون إرهابي مسلح وفق نظام التقديرات.
طوال السنوات الماضية بدا الموقفان الروسي والأمريكي متعارضين بشأن ما يجرى في سوريا، لكن على ما يبدو قد حان موعد تقسيم الكعكة السورية، التي أجبرت الطرفين في نهاية المطاف على الجلوس حول مائدة واحدة، وهذا ما يفسر اتباع مسؤولي الإدارتين استراتيجية التصريحات المتضاربة حول العدوان التركي على الأراضي السورية بل انهما أطلقا تصريحات مشابهة في كثير من الأحيان، فقد حرص كل منهما في بداية الأمر على إعلان تفهمه لحاجة أنقرة لإيجاد منطقة آمنة في شمال شرق سوريا، مع ضرورة أن تضع تركيا في حسبانها بعض الاعتبارات والشروط التي تلائم كل منهما.
فبينما حذر ترامب بتجاوز ما أسماه "الخطوط الحمراء"، وفي مقدمتها عناصر الجيش الأمريكي، اشترط الكرملين الروسي ألا يؤثر العدوان التركي على وحدة الأراضي السورية.
اللافت أن إيران قد تشاركت ذات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وروسيا، حيث أعلنت بوضوح هي الأخرى تفهمها للرغبة التركية في تأمين حدودها الجنوبية.
في سياق هذا الوضع المعقد كان من الطبيعي ألا يخرج النظام السوري ببيان واضح يدين عملية الجيش التركي على أراضي بلاده، مكتفيًا باستخدام وسائل إعلامه المحلية ووكالة أنبائه الرسمية "سانا" عبارة العدوان التركي أثناء نقل أخبار تساقط القذائف التركية على مدن وقرى شمال شرق سوريا، وليس من المتوقع أن يخرج موقف سوري رسمي مخالف لما توافقت عليه كل من روسيا وإيران مع واشنطن وأنقرة.
وقد ترى دمشق في العدوان التركي فرصة لوضع القوات الديمقراطية تحت مزيد من الضغوط لتقبل الدخول معها في اتفاقات مستقبلية يجبرها على القبول بما رفضته في السابق أثناء مفاوضات، يؤكد قادتها خوضها مع نظام الأسد بتنسيق روسي، لاسيما أن موسكو بادرت- فور بداية العدوان التركي- إلى دعوة الجانب الكردي إلى الدخول في مفاوضات مع المسؤولين السوريين.
ربما لم يكن أمام دمشق خيارات أفضل من القبول بالدعم الروسي المباشر لمواجهة عناصر التنظيمات الإرهابية التي تكالبت عليها مع اندلاع أحداث 2011 إلى جانب دعم إيران وميليشياتها المسلحة في المنطقة، وعلى رأسها ميليشيا حزب الله، خاصة مع تدفق العناصر الإرهابية بأعداد هائلة عبر الحدود مع تركيا، وربما كانت تدرك دمشق في تلك الآونة أن التدخلات الروسية والإيرانية ستجعل أراضيها مباحة لتدخلات عسكرية أخرى تركية وأمريكية لكنها وعلى أي حال كانت مضطرة للقبول لتلك الأوضاع خاصة بعد سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على محافظات ومدن كاملة أعلن فيها قيام خلافته المزعومة.
ومع ذلك بقي على النظام السياسي السوري، وقبله النظام العربي بأكمله، البحث عن سبيل جديد لإنقاذ سوريا من مصير التقسيم التي بات أمرًا واقعا، فرغم تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول ضرورة جلاء جميع القوات الأجنبية من الأراضي السورية، وتشديده على رحيل القوات الروسية حال طلب النظام السياسي الشرعي الذي سيتم إرساؤه في دمشق بعد إنهاء التسوية السياسية؛ إلا أن تصريحات بوتين لا تبدو واقعية، ليس فقط بسبب قواعده العسكرية التي أقامها على الأراضي السورية، أو بسبب تدشين إيران أكبر ميناء على سواحل سوريا، وإنما لأن العدوان التركي سيعمل على تكريس حالة التقسيم، واستمرار الأوضاع مشتعلة بين الأطراف السورية المحلية على نحو يحول دون التوصل إلى أي اتفاق سياسي يفضي إلى إجراء انتخابات ديمقراطية تنشئ نظامًا سياسيًا جديدًا يبسط هيمنته على كامل الأراضي السورية.
فمن ناحية أعلن أردوغان توطين مليوني لاجئ في أراضي شمال شرق سوريا، بما يعمل على تغيير تركيبتها السكانية، كما أنه شن عدوانه بمعاونة ما أسماه "الجيش الوطني السوري"، الذي يتكون في الأساس من عدة فصائل إرهابية على رأسها جيش سوريا الحر، الذراع العسكري لجماعة الإخوان، وبفرض أن أردوغان قام بعد انتهاء عمليته العسكرية بإحلال تلك العناصر في المنطقة فمن المؤكد أن حربًا ضروسا ستشتعل بين المكون الكردي وحتى العربي والسرياني والشركسي المتواجد أصلًا في قرى ومدن الشمال الشرقي السوري، والعناصر الإرهابية الجديدة التي قام أردوغان بتوطينها.
إضافة إلى ذلك لم تكن داعش خارج معادلة الصراع خاصة أن أيديها ظهرت مع بداية العدوان التركي، بقيامها في اليوم التالي للعدوان بتفجير سيارة مفخخة في مدينة القامشلي، علاوة على استهداف المدفعية التركية عدة سجون سهلت طبقًا للقوات الكردية هروب بعض عناصر داعش وليس من المنتظر الإبقاء على تلك العناصر داخل السجون، خاصة أن كلا من الولايات المتحدة وروسيا وإيران لم تصدر أي بيانات تحذر أردوغان من الاستمرار في قصف السجون، حتى بعد تأكد هروب بعض عناصر داعش.
علاوة على ذلك من المعروف أن أغلب عناصر داعش كانت تتلقى دعمًا لوجستيًا من النظام التركي طوال السنوات الماضية، بدءًا من فتح ممرات آمنة للعبور إلى الداخل السوري مرورًا بإمدادها بالسلاح والذخيرة والأموال اللازمة، وصولًا إلى تلقي عناصرها العلاج داخل المستشفيات التركية قبل أن تعود مرة أخرى إلى ساحات القتال، بل إن صحفًا أمريكية كشفت تلقي بعض تلك العناصر أموالًا وسلاحًا وخدمات علاجية من جانب إسرائيل، وهو ما يؤكد أن عودة داعش لن تكون أمرًا مزعجًا بالنسبة للأطراف الدولية المتواجدة على الأراضي السورية، وإن كان تواجدها سيكون تحت السيطرة هذه المرة، بمعنى أنه قد يقتصر على أماكن نفوذ ومصالح الروس والأمريكان والأتراك، وبما يعمل على استمرار الأوضاع مضطربة غير مستقرة على كامل الأراضي السورية وهو ما سيعطي للجميع مبررًا للبقاء.
إعادة إحياء داعش برعاية تركية ورضا روسي- أمريكي أقرب السيناريوهات تحققا واقعية، لاسيما أن العالم بأسره كان شاهدًا على قيام تركيا بنقل ما تبقى من تلك العناصر إلى ليبيا بحرًا وجوًا عبر مدينة مصراتة، دون أن يتدخل بشكل حاسم لمنع تلك الجريمة، ولم يصدر أي بيان رسمي بهذا الشأن، باستثناء تلميح الرئيس الروسي في أحد اجتماعاته في إيطاليا قبل نحو ثلاثة أشهر، فيما صمتت الولايات المتحدة تمامًا رغم إعلان ترامب تأييده للمشير خليفة حفتر في المحادثة التليفونية التي أجراها معه بعد مرور أقل من شهر على بداية عملية الكرامة لتحرير العاصمة طرابلس.
تعقد مصالح الدول الكبرى والفاعلة في الإقليم تفرض على الدول العربية مراجعة قواعد تعاملها مع من تصفه بالحليف الاستراتيجي والتاريخي سواءً في واشنطن أو في موسكو، لأن ما يحدث في شمال شرق سوريا يهدد الجميع من المحيط إلى الخليج، فقد لا تمانع روسيا في إعادة نشر وتوزيع عناصر تنظيم داعش وغيره من الجماعات الإرهابية داخل البلدان العربية، تمامًا كما أن الولايات المتحدة تدير صراعها المزعوم مع إيران لوضع منطقة الخليج تحت ضغوط الاضطرابات والتوترات الأمنية، لتعظم مصالحها في المنطقة، ولتدفع إيران لتحقيق بعض أهدافها مقابل تمكينها من الاستمرار والتوسع داخل العراق وسوريا واليمن.