عاجل
الأربعاء 8 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
سفاح أنقرة

سفاح أنقرة

بقلم : هاني عبدالله

أخطاء واشنطن "المقصودة" تمنح أردوغان الضوء الأخضر لغزو سوريا .. وإحياء داعش



 

قبل 5 أيام.. كان أن وصلتْ أخطاء واشنطن (المقصودة) فى إدارة «الملف السورى» إلى ذُروتها.. إذ أصدر «البيت الأبيض»، حينها، بيانًا مثيرًا للتعجب، فى أعقاب اتصال جرَى بين الإرهابى التركى «رجب طيب إردوغان» والرئيس الأمريكى «دونالد ترامب».. وذَكَر البيان إنَّ الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» تحدّث اليوم (6 أكتوبر 2019 م) إلى نظيره التركى هاتفيًّا.. وإنَّ تركيا سوف تتحرك قريبًا فى عملية «بعيدة التخطيط» نحو الشمال السورى(!)

وقال المكتب الإعلامى للبيت الأبيض: إنَّ القوات المسلحة الأمريكية لن تتدخل فى العملية؛ إذ إنها هَزمتْ بالفعل تنظيم «داعش» (!).. وإنه (أى: «داعش») لم يَعُد موجودًا بالمنطقة بشكل مباشر(!)... وإن تركيا أصبحت- الآن- هى المسئولة عن «إرهابيى داعش» داخل المناطق التى تمت السيطرة عليها خلال العامَين الماضيَين(!)

 

1- مغاطات أمريكية :

بصورة أساسية.. يُمكننا ملاحظة أن بيان إدارة «دونالد ترامب»، يوم الأحد الماضى،اعتمد على مغالطتَين (محوريتَين)، لا يُمكن أن نمررهما بسهولة.. إذ كانت «المغالطة الأولى» هى محاولة ترسيخ القضاء (نهائيًّا) على ما يُسمى بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بشمال شرقى سوريا، وهو ما يتنافَى- قطعًا- مع عدد من التخوفات التى رصدتها عدة تقارير دولية بامتداد الأشهُر الثلاثة الماضية.. أمّا «المغالطة الثانية»، فهى إظهار نبرات الثقة فى أن يكون للدولة التركية، تحت قيادة «رجب طيب إردوغان» (وهو أحد داعمى الإرهاب بالمنطقة) أى دور فى مواجهة تنظيم «داعش» بصورة أو بأخرى(!)

فى سياق تلك «المغالطات».. لنا أن نثبت عدة ملاحظات، تُمثّل فى مجملها، خلاصة «ممتدة الأثر» لأكثر من تقرير دولى حول أوضاع تنظيم «داعش» داخل الأراضى السورية؛ رُغْمَ ما ذكره (أكثر من مرّة) الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» حول هزيمته للتنظيم.. إذ تدور تلك التفاصيل حول الآتى:

(أ)- لا يزال «تنظيم داعش»، يعمل داخل الجمهورية العربية السورية، على إنشاء خلايا «سِرّية» على صعيد المحافظات (على غرار ما جرَى بالعراق فى العام 2017م).

(ب)- نجح عدد من قيادات «تنظيم داعش» خلال الأشهُر المنقضية، فى شَق طريقهم نحو منطقة «إدلب»، حيث يتعايشون (نسبيًّا) مع الجماعات المحلية الموالية لـ«تنظيم القاعدة»؛ إذ تضم تلك المنطقة (حاليًا) أكبر التمركزات الخاصة بالعناصر الإرهابية فى العراق والشام.

(ج)- وفقًا لتقرير منتصف يوليو الماضى الصادر عن «مجلس الأمن الدولى» بالأمم المتحدة؛ فإنَّ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يتحرك للتكيُّف وتوحيد صفوفه للعودة مستقبلًا داخل معاقله بالعراق وسوريا.. كما بلغت تلك العملية مرحلة أكثر تقدمًا فى العراق (حيث يقيم أبو بكر البغدادى، مع أغلب قيادات التنظيم فى الوقت الحالى).. كما يوجد آخرون داخل منطقة «دولة الخلافة» (السابقة)، وفى أجزاء من المناطق المجاورة لها مباشرة.. وفى ظِلِّ الظروف الأمنية الصعبة التى يعمل بها التنظيم، فقد أعطى الأولوية لاستمرار عمل شخصياته القيادية والمقاتلين السوريين والعراقيين، وينظر إلى أغلب المقاتلين الأجانب باعتبارهم أشخاصًا يُمكن الاستغناء عنهم، ويُترَكون لتدبير أمورهم.

(د)- رُغم توالى الضربات العسكرية على التنظيم خلال الفترة الماضية، فإنه لا يزال يحتفظ بأعداد كبيرة من المقاتلين (فضلًا عن المؤيدين بالعراق وسوريا).. وهو ما يُشير إلى قدرته على العمل بحُرية فى مواقع عديدة.. خصوصًا بعد شَنّه، أخيرًا، هجمات بالعراق لإظهار قوته وتقويض ثقة الجمهور فى السُّلطات المحلية.

(هـ)- بحسب تقرير «مجلس الأمن» أيضًا، فإنَّ ثمة تقارير تُفيد بأن تنظيم الدولة (داعش) بصدد التحوُّل إلى شبكة تتألف من مركز وأفرع فى ولاياته النائية، فى امتداد منطقى لنهج القيادة المتناثرة (المتباعدة).. فالجماعات المنتسبة الأكثر رسوخًا تضطلع بعناصر من المسئولية عن الجماعات الأقل شأنًا، حيث تتولى نقل الأموال والمساعدة فى الدعاية.. وبمرور الوقت، قد تنخرط تلك الشبكات فى المسائل السياسية المحلية، على غرار ما فعله «تنظيم القاعدة» منذ أمد بعيد، إذ حقق بذلك للجماعة بعض النجاحات.. ولكنه، تسبب لها أيضًا فى بعض المشاكل، مثلما هو الحال فى «إدلب».. أى: المنطقة التى يتدشن بها- أيضًا- عدد من قيادات «داعش» فى الوقت الحالى؛ إذ يُفاد- بحسب تقارير أمنية دولية- بأن أفراد التنظيم الذين دخلوا إلى «إدلب» أخيرًا، وصلوا وهم يحملون مبالغ نقدية تكفى لتغطية نفقاتهم.

(و)- حول النطاق الجغرافى المحيط بـ«إدلب»، تُفيد التقارير الدولية بوجود تفاهُم (غير مكتوب) يتيح لتنظيم الدولة ملاذًا آمنًا فى بعض القرَى التى تسيطر عليها هيئة تحرير الشام التابعة لتنظيم القاعدة (جبهة النصرة، سابقًا)، شريطة ألّا ينخرطوا فى أى نشاط مسلح.

(ز)- مع توزع بعض قادة التنظيم بالجمهورية العربية السورية بمختلف أنحاء الدولة، فإنَّ الجماعة تسعى إلى نقل الأموال إليهم مع إخفاء مواقعهم، وهذه هى الأولوية بالنسبة للموارد المالية المتاحة للتنظيم.. ويُقدَّر أن تنظيم الدولة (داعش) لا يزال يحتفظ بمبلغ يتراوح بين 50 مليون دولار و300 مليون دولار من إيراداته السابقة.

(ح)- وفقًا لتقارير أمريكية (رسمية)، فإنَّ المفتش العام المكلف بالمهمة العسكرية الأمريكية لدحر تنظيم «الدولة الإسلامية»، لاحظ فى أغسطس المنقضى،أن التنظيم «نفّذ عمليات اغتيال وهجمات انتحارية وعمليات خطف وحرق محاصيل» وأنشأ «خلايا منبعثة من جديد فى سوريا».

ومع ذلك.. كان أن تجاهَل «ترامب» كل هذا الكم من المعلومات (الموثقة)؛ ليغامر- كما يبدو!- بترك الساحة أمام تحركات الداعم الأكبر لتنظيمات العنف والإرهاب بالشرق الأوسط (رجب طيب إردوغان).. ورُغم عديد من التحذيرات «المُعلنة» بأن هذا الأمر من شأنه منح تنظيم الدولة (داعش) الفرصة لاستعادة عناصر قوته ونفوذه داخل الأراضى السورية؛ فإنَّ «ترامب» غض الطرف- مرة أخرَى - عن هذا الأمر، ضاربًا بالنصائح الموجهة لإدارته عُرض الحائط (وواضعًا حلفاءه الأكراد موضع الاستهداف من قِبَل الموتور التركى)؟!

 

2- سيناريو قديم:

وسط هذا الكم المتتابع من التحذيرات بمخاطر عودة «تنظيم الدولة» (داعش) إلى الساحة السورية بقوة.. كان من بين تلك التحذيرات ما ساقه قبل أيام (فى سبتمبر الماضى) السفير «جيم جيفرى» المسئول المكلف بقيادة المعركة الدبلوماسية لدحر تنظيم «الدولة الإسلامية».. إذ قال «جيفرى» إن التنظيم «لا يزال موجودًا ويساهم فى انعدام الأمن ويتسبب بمشاكل فى سوريا بطرُق كثيرة ومختلفة».. وهو ما تجاهله، أيضًا، دونالد ترامب(!)

وفى الواقع.. فإنَّ ما قاله «جيفرى» (وتجاهله ترامب) لا بُدّ أن يُعيد إلى أذهاننا تلك الحالة الجدلية التى شهدتها أروقة «بيوت التفكير» الأمريكية، قبل ثلاث سنوات، حول كيفية تعامُل واشنطن مع تنظيم الدولة فى سوريا؛ إذ كان «جيفرى» أحد أطرافها الرئيسيين.

وقتئذٍ.. كتب «ستيفن بيدل» (Stephen D. Biddle)، خبير السياسات الدفاعية، وعضو مجلس العلاقات الخارجية، وأستاذ العلوم السياسية بجامعة «جورج واشنطن»، بالتعاون مع «جاكوب شابيرو» (Jacob N. Shapiro)، أستاذ مساعد العلوم السياسية بجامعة «برنستون»، مقالًا بـ«ذى أتلنتك»، فى نهاية إبريل من العام 2016م، تحت عنوان: [لا يسع أمريكا فعل الكثير فى مواجهة داعش]، روّجا خلاله لضرورة أن تعمل «واشنطن» على (احتواء تنظيم «الدولة الإسلامية»)، بشكل عام، فى سياق الحفاظ على نهجها السياسى تجاه «القضية السورية»(!)

وهو ما دفع «جيفرى»، للرد عليهما بالمكان نفسه، تحت عنوان: [دمِّروا دولة داعش].. وقال «جيفرى»: تكمن المشكلة الأولى فى تحليل «بيدل»، و«شابيرو»، فى كيفية تعريف الكاتبَين لتدمير «تنظيم داعش»؛ إذ أدى ذلك بهما إلى الخلط (مرارًا) بين تدمير «داعش»، والمهمة الهائلة المتمثلة بحل «الحرب الأهلية السورية»، والانقسام بين السُّنة والشيعة فى العراق..

وتابع: لا تعتمد هزيمة «تنظيم داعش» على إيجاد حل لـ«سوريا» (كمشروع اجتماعى/ وتاريخى/ وثقافى/ ودينى/ ونظام حُكم)، [ناهيك عن القيام بالشىء نفسه مع العراق]؛ إذ يتغذّى تنظيم «الدولة الإسلامية» على الصراعات فى كلا البلدين، ويجعل الوضع أسوأ فى كلِّ منهما.. فهل من الممكن هزيمة «تنظيم داعش» كدولة، وكقوة عسكرية، واقتصادية (أى: التعامل مع الجزء الذى يُشكّل تهديدًا حقيقيّا)، من دون الاضطرار إلى حلّ الأزمتين السورية، والعراقية؟.. أو القضاء على «داعش» (كمجموعة من الخلايا الإرهابية)، أو كمصدر «إلهام أيديولوجى»؟

.. وأجاب: بطبيعة الحال.. حتى لو تمّ تدمير «داعش» (كشِبه دولة)، سنستمر فى مواجهة «الحرب الأهلية السورية».. لكننا فى تلك اللحظة، أصبح لدينا تنظيم يطرح تحدياته الخاصة داخل العمق الغربى(!).. وباعتراف الجميع؛ فإنّ تكاليف تدمير تنظيم «الدولة الإسلامية» (كحركة أيديولوجية جهادية)، وفُلولِه المتمردة (أى: ما كان بالعراق قبل العام 2014م)- ناهيك عن «إصلاح» سوريا والعراق- باهظة بدرجة كبيرة.

ونبّه «جيفرى»، إلى أنّ «الولايات المتحدة» تعاملت- على الأقل- فى بعض الأحيان، بشكل فعال مع «مشاكل مستقبلية» مماثلة، من دون حضور «كثيف» لقواتها، بدءًا من شمال العراق بعد حرب الخليج بالعام 1991م، ووصولًا إلى كوسوفو، والسلفادور، وكولومبيا.. فحتى «الوضع الفوضوى»، الذى سيَتبع (مرحلة ما بعد تنظيم «الدولة الإسلامية»)؛ فهو أفضل من (استراتيجية الاحتواء).

وفى الحقيقة (والقول لنا).. لم يكن هذا السجال إلّا انعكاسًا لتوجُّه بعض مؤسسات «صُنع القرار» فى واشنطن، وقتئذٍ.. إذ ذهب بعضُ التقديرات «الاستخبارية الأمريكية» (بحسب المعلومات المُتاحة)، إلى أن الإجهاز بشكل كامل على تنظيم «الدولة الإسلامية» سوف يُكلف «البيت الأبيض» خسارة استراتيجية فى مواجهة نظام «بشار الأسد».. وبالتالى.. كان ثمة تباطؤ ملحوظ، فى تنسيق جهود «واشنطن» مع المجتمع الدولى؛ لمواجهة «تنظيم الدولة» (منذ البداية).. مع السماح له بتوجيه ضربات «نوعية» تنال من قدرات نظام الأسد(!)

.. فهل بتنا أمام إعادة إخراج جديدة لذلك السيناريو القديم؟

 

 

3- الإرهابي المكلف:

وفقًا لعديد من التقارير الإخبارية الأمريكية، فإن ما فعله «ترامب» كان سببًا فى إثارة موجة من الغضب بين صفوف قيادات حزبية: «جمهورية» و«ديمقراطية» على السواء (فضلًا عن بعض قيادات البنتاجون)؛ إذ إن هذا الأمر ربما يدفع بـ«جنون العظمة» لدَى إردوغان فى توجيه ضرباته نحو حلفاء واشنطن (الأكراد)، كما سيعيد هذا الأمر تنظيم الدولة الإسلامية (الذى لطالما تلقى دعمًا مباشرًا من إردوغان، خلال الأعوام المنصرمة) إلى دائرة الضوء مرّة أخرى.

فعندما تترك عناصر تنظيم داعش (التى كانت تحت ناظرى القوات الكردية المدعومة أمريكيّا) فى كفالة راعى الإرهاب ذاته (إردوغان)، وفقًا لنَص بيان البيت الأبيض الصادر يوم الأحد الماضى، فهو جزمًا أمْرٌ كارثى.. فالراعى التركى للإرهاب لا يضع- يقينًا- القضاء على تنظيم الدولة بين قائمة أولوياته، وهو أمْرٌ من شأنه أن يدفع المنطقة بأكملها نحو مزيد من العنف (بعد إعادة توجيه عناصر التطرف مرّة أخرى داخل المنطقة).. كما أن احتمالات استعادة التنظيم لتماسُكه، وإعادة تجميع أشتاته (سريعًا)، بات أقرب الفرضيات الراهنة إلى الواقع.. وهو ما  يعنى أن المنطقة على موعد مع موجة جديدة من العمليات (المُوجَّهة).

وعلى مدار الأيام الثلاثة الماضية، منذ انطلاق أعمال الغزو التركى للأراضى السورية (فى انتهاك واضح لسيادة دولة عربية)، كان أن بدت كثير من الدوافع الوحشية للنظام التركى.. إذ ارتكبت قواته عديدا من جرائم الحرب بشمال سوريا.. وهو ما أسفر عن وقوع ضحايا مدنيين جراء القصف.

كما بدا من تتبع سير العملية العسكرية أن «سفاح أنقرة» يسعى بكل قوة للتمدد جغرافيا داخل الأراضى العربية، لتغيير الطبيعة السكانية للشمال السورى،بعد إحداث مجازر دامية بين السكان الأكراد تحت مزاعم مواجهة حزب العمال الكردستانى «المصنف إرهابيا».

وبحسب مراقبين دوليين، فإن من بين أهداف عملية التغيير السكانى (الديموغرافي) تلك، هى السماح بتوطين نحو 2 مليون لاجئ عربى بالمنطقة الشمالية بسوريا!

 

4- نقطة نظام:

رُغم الغيوم التى تحاصر  مشهد «الغزو التركى» لشمال سوريا، والرفض الدولى (وفى مقدمته مصر)؛ فإن نواقيس النهاية لسياسات «مجنون أنقرة» أصبحت أقوى من أى وقت مضى.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز