عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
طلعت حرب ومقالاته الصحفية !

طلعت حرب ومقالاته الصحفية !

بقلم : رشاد كامل

 قبل تأسيس بنك مصر بحوالى ثلاث عشرة سنة فوجئ المصريون بمقال مهم فى جريدة «الجريدة» التى كان مديرها ورئيس تحريرها المفكر «أحمد لطفى السيد»، كان المقال بقلم «محمد طلعت حرب»... فى ذلك العام -1907- كانت مصر تمر بأزمة اقتصادية طاحنة طالت كل بيت فى مصر واكتوى الشعب بنار الغلاء واختفاء عشرات السلع من الأسواق:



وبتاريخ أول أكتوبر سنة 1907 كتب «طلعت حرب» يقول : «نطلب الاستقلال التام، ونطلب أن تكون مصر للمصريين وهذه أمنية كل مصرى، ولكن ما لنا لا نعمل للوصول إليها ؟! وهل يمكننا أن نصل إلى ذلك إلا إذا زاحم طبيبنا الطبيب الأوروبى، ومهندسنا المهندس الأوروبى، والتاجر منا التاجر الأوروبى، والصانع منا الصانع الأوروبى ؟! وماذا يكون حالنا ؟!

ولا «كبريتة» يمكننا صنعها نوقد بها نارنا، ولا إبرة تخيط بها ملبسنا ولا فابريقة ننسج بها غزلنا، ولا مركب أو سفينة نستحضر عليها ما يلزمنا من البلاد الأجنبية ؟! ما بالنا عن كل ذلك لاهون ولا نفكر فيما يجب علينا عمله تمهيدا لاستقلالنا، إن كنا له حقيقة طالبين وفيه راغبين!

أرضينا أن يكون التعليم قاصرا على تخريج مستخدمين للحكومة وأن نكون فى بلادنا غرباء ؟! ولو غضب علينا الأجانب يوما ومنعونا «الملبوس» والمأكول لأمسينا جياعا عرايا..

ويمضى مقال «طلعت حرب» فيكتب بكل وضوح وجرأة قائلا: علينا أن نكون عاملين فى بلادنا على إحياء فكرة التجارة وملكة الصناعة فى ابنائنا ن أن واحدا من المصريين لم يفكر فى عمل قهوة أو لوكاندة على ذلك النمط الأوروبى وبنظامه وترتيبه ونظافته، وأن الكثيرين منا يشترون ما يلزمهم من الأجنبى مفضلين إياه على مواطنيهم، بحجة أن المصرى لا يتقن عمله، أو ليس عنده ما عند الأوروبى من نظافة وتوافر شروط الإتجار، وأرى البنوك ومحلات التجارة والشركات ملأى بالأجانب، وشبابنا إن لم يستخدموا «يشتغلوا» فى الحكومة، لا يبرحون القهاوى والمحلات العامة !

وأرى المصرى منا أبعد ما يكون عن تأسيس شركات زراعية وصناعية وغيرهما، حتى إذا أسس الأجنبى شركة أخذ المصرى يضارب فى أسهمها كأنه مقدور عليه ألا يكون له حظ فى الغنم الحقيقى، وأنه لا يأتى إلا الأدنى من الأمور، وأرى المصرى يقترض المال بالربا ولا يرغب فى تأسيس «بنك» يفك ضيقة وضيق أخيه وقت الحاجة، لأن البنك يشغل رأسماله بالربا، وإذا أودع فى بنك وديعة لا يأخذ عليها فائدة لذلك السبب وهو الذى يدفع الربا أضعافا مضاعفة وقت اقتراضه !

فى اليوم الذى يصبح فيه المصرى عضوا عاملا فى الشركات التى تستنفد ينابيع ثروات البلاد، وله فيها نصيب وافر فى إدارة بنوكها ورأسمالها وله رأى معدود فى جميع المشروعات المالية _ والمال هو أساس كل الأعمال فى هذا العصر وقوام كل مُلك- فى ذلك اليوم يحق للأمة أن تطلب الاستقلال بقوة المال وبقوة العلم الحقيقى».

انتهى أغلب ما جاء بمقال طلعت حرب!

••

لكن ما هى علاقة طلعت حرب بجريدة الجريدة ومديرها الأستاذ «أحمد لطفى السيد» والتى استمرت لعدة سنوات؟

كان هدف «أحمد لطفى السيد» مع مجموعة من زملائه – نخبة ذلك الوقت – تأسيس جريدة حرة مستقلة غير متصلة بسراى الخديو ولا بالوكالة البريطانية وتم تأسيس الشركة بالفعل وتم انتخاب «أحمد لطفى السيد» مديرًا لها ورئيسًا لتحريرها لمدة عشر سنوات، وتم انتخاب جمعية عمومية لشركة «االجريدة» ثم انتخاب أعضاء مجلس الإدارة من 25 عضوا كان من بينهم «طلعت حرب» نفسه !

وصدر العدد الأول من الجريدة يوم 9 مارس سنة 1907 فى ست صفحات يتصدرها المقال الافتتاحى لأحمد لطفى السيد، أما فى مجال الفكر والبحوث الاقتصادية فتولاها «طلعت حرب» وقد تصدى لمحاولة ومؤامرة مد امتياز شركة قناة السويس حتى عام 1968، وانتهى من دراسته بالوثائق والأرقام والحقائق إلى القول «أن المشروع من كل وجهة قلبناه عليها مشروع ضار لا تصح الموافقة عليه، وأن مسألة قناة السويس ليست من المسائل التى تمر بنا كغيرها كل يوم من غير أن نتدبر فيها ونحسب لها حسابها، فجدير بالأمة المصرية أن تهتم بكل شىء يتعلق بها».

لقد حرص طلعت حرب بعد ذلك أن يصدر كتابه المهم «قناة السويس» سنة 1910 وطبعه فى مطبعة الجريدة.

فى مقدمة الكتاب يوضح طلعت حرب دوافعه للكتابة فيقول : «شاع فى أواخر شهر أكتوبر الماضى أن المخابرة دائرة بين الحكومة المصرية وشركة قنال السويس على تمديد أجل الامتياز لمدة اربعين سنة بعد المدة الأولى التى تنتهى فى 17 نوفمبر سنة 1968 فقامت الجرائد وقعدت لهذه الشائعة وطلبت الأمة من الحكومة إعلان حقيقة هذا العرض وألا تمضى الحكومة فى أمره شيئا إلا بعد أخذ رأى الجمعية العمومية فأصغت الحكومة إلى هذا الطلب ونشرت مشروع الاتفاق ومذكرة المستشار المالى – الإنجليزى – التى تعضده.. و.. وعلمنا اخيرا ان كبار رجال الشركة قد حضروا لمصر للمفاوضة فى هذا الأمر، وبذلك اصبحت المسألة فى يد الأمة المصرية وفى عنق نوابها.. و.. و..

ولما كانت مسألة القنال تكاد تكون مجهولة عند الكثيرين وكانت مكاتبنا خالية من كتاب بلغتنا العربية يجمع شتات تاريخ القنال ويفصل الأدوار التى لعبتها يد السياسة فيه وحالته الراهنة قد رأيت أن أجمع فى فصول قليلة بعض تلك الموضوعات التى تهم الأمة معرفتها موضحًا كيف أنشئ القنال وعلاقة مصر به وما كلفها من نفقات وكيف استأثر بفوائده كل العالم ما عداها ومبينا دخل الشركة منه وحالته المالية وما لها وما عليها حتى نهاية سنة 1909، ومن ثم بحثت فى اقتراح مد الامتياز وهل هو فى صالح الشركة فقط أم فى صالح الفريقين «هى والحكومة المصرية» و.. و..

وأخيرًا يقول طلعت حرب فى مقدمته : «لأن غرضى الوحيد أن تكون مسألة القناة معلومة بتفاصيلها مفهومة بحذافيرها وجميع أدوارها مؤيدة بالسندات الرسمية حتى لا تخفى على أحد فيها خافية.

وفشلت المؤامرة وكان كتاب طلعت حرب عن «قناة السويس» قد اصبح حديث الأوساط السياسية والاقتصادية !

••

ولم تتوقف كتابات طلعت حرب الاقتصادية فعندما تقرر عقد المؤتمر المصرى الأول لبحث حالة مصر الاقتصادية والاجتماعية فى أبريل سنة 1911.

أعد طلعت حرب بحثًا مهمًا عن «الربا الفاحش» الذى يعانى منه الفلاحون.

كما تقدم طلعت حرب باقتراح يتضمن سبع نقاط بنك وطنى مصرى وأرسل الاقتراح إلى رئيس اللجنة التنفيذية للمؤتمر «رياض المصرى» والذى قام بدوره بإرسال خطاب له يتضمن تعيينه مع آخرين لدراسة إقامة البنك.

وجاء فى التقرير الختامى للمؤتمر والذى شارك فى صياغته «طلعت حرب» توصية بضرورة إنشاء بنك وطنى مصرى لأن فائدته أن يجعل لمصر صوتا فى سوقها المالية ويدافع عن مصالحها كما تدافع البنوك عن مصالح بلادها وعلى ذلك تقترح اللجنة على المؤتمر أن يقر وجوب إنشاء بنك مصر برؤوس أموال مصرية.

وقرر المؤتمر فى نهاية أعماله إيفاد طلعت حرب للسفر إلى أوروبا لدراسة فكرة وإنشاء البنك بعد عمل دراسة مقارنة عن المصارف الوطنية وكيف تعمل فى الدول الأوروبية، لكن شاءت الأقدار أن يتم تأجيل الاقتراح وذلك لوفاة رئيس المؤتمر المصرى فجأة!!

وبدأت بعض الأقلام تسخر من فكرة المشروع ووفاته المبكرة، لكن «أحمد لطفى السيد» مدير تحرير الجريدة كتب يقول : إن مسألة البنك لم تفشل وإنما وجدت ظروفا صرفت الأمة والحكومة عنها، فهى لم تُحى تماما، ولم تمت نهائيا ولكنها موجودة تنتظر ظرفا مناسبا لنموها.

وانتهز طلعت حرب فكرة تأجيل المشروع وعكف على دراسة الفكرة بالتفصيل لتصدر فى كتابه الشهير «علاج مصر الاقتصادى وإنشاء بنك للمصريين أو بنك الأمة» فى نوفمبر سنة 1911 عن مطبعة الجريدة !!

وظل «طلعت حرب» يدعو للفكرة رغم سخرية البعض حتى تحقق الحلم فى مايو سنة 1920.

وللحكاية بقية

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز