عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الخلفاء "السريون" للبغدادي!

الخلفاء "السريون" للبغدادي!

بقلم : هاني عبدالله

من هو "الهاشمي القرشي" الذي أصبح خليفة لـ"أمير الدم"؟!



 

ساعات قليلة.. وتبدأ مجلة «روزاليوسف» مسيرتها نحو العام الـ 95؛ إذ تتم «اليوم» عامها الـ94.. وبامتداد تلك الأعوام كافة لم يكن هناك من هو أكثر إثارة للنقاش الجاد (والحاد أيضًا) مثل «روزاليوسف»(!).. صادقت المجلة - طوال تاريخها - الجميع.. وانتقدت - كذلك - الجميع(!).. إذ لم يكن يحرك «روزاليوسف» فى كل معاركها واشتباكاتها «تيار أيديولوجى» بعينه، بقدر ما كانت تحركها «المسئولية»، و«المشاعر الوطنية».

.. لم تتوقف «روزاليوسف» (منذ نشأتها الأولى)، كثيرًا أمام الأشخاص؛ إذ كانت تهتم بالأحداث.. لم يشغلها «الفاعل» بقدر ما انشغلت بتقويم وتقييم «الفعل».. وربما هذا النهج هو ما جعلها - بامتداد أعوامها التى تجاوزت التسعين - أكثر المطبوعات المصرية تعرضًا للتربص والاستهداف.

فإذا تتبعنا الاتهامات التى وُجهت للمجلة (منذ اليوم الأول لصدورها)، سنجدها عصية على الجمع فى مطبوعة واحدة، بأى حال من الأحوال(!).. إذ عندما تبنَّت «معركة التنوير» وواجهت التطرف والتلاعب الدينى بمشاعر البسطاء، رموها بمعاداة الدين ذاته (!).. وعندما دافعت عن الحرية، رموها بالانحلال(!).. وعندما ساندت «الإصلاح الوطنى»، رموها بالاستسلام للسلطة(!).. وعندما انتقدت عددًا من الممارسات الحكومية، اتهموها بالفوضوية(!).. وعندما اقتحمت «التابوهات» الصحفية، نعتوها بالبحث عن الإثارة(!)

ففى العشرينيات، حاربها كل الزعماء، باستثناء زعيم الوفد «مصطفى النحاس».. وفى الثلاثينيات، غضب عليها مصطفى النحاس(!).. ومن الأربعينيات إلى الخمسينيات، حاربها الملك.. ومن الستينيات وبامتداد 60 عامًا أخرى.. كان أن اكتسبت «روزاليوسف» صداقات وخصومات (بعضها لم يدم كثيرًا).. إذ ما لبث أن صفق لها كلُ هؤلاء، عندما أدركوا - يقينًا - أنَّ «روزاليوسف» لم تُولِّ وجهها سوى شطر [الوطن] وحده.



 

تروى الست «روز» بداية ظهور «مجلة روزاليوسف» للحياة قائلة: [نبتت فكرة المجلة فى محل حلوانى اسمه «كساب».. كان يوجد فى المكان الذى تشغله سينما ديانا، وكنت جالسة ساعة العصر (فى أيام شهر أغسطس 1925م) مع الأصدقاء محمود عزمى وأحمد حسن وإبراهيم خليل (اسمه الحقيقى: سعد الكفراوى)، نتحدث عن الفن.. وتطرق الحديث إلى حاجتنا الشديدة إلى صحافة فنية محترمة ونقد فنى سليم يسهم فى النهوض بالحياة الفنية، ويقف فى وجه موجة المجلات التى تعيش على حساب الفن كالنباتات الطفيلية.. ولمع فى رأسى خاطر وقفت عنده برهة قصيرة، ثم قلت للزملاء بعد هذه البرهة من الصمت: لماذا لا أصدر مجلة فنية!].

.. وكانت الأزمة؛ أنَّ فكرة كتلك طُرحت فى وقت كان المجتمع المصرى (بأغلب أطيافه) لا يعترف بخروج المرأة للعمل؛ فما بالنا لو اقتحمت عالم الصحافة(؟!).. وكانت «صدمة» جديدة لكل من استمعوا لفكرتها، عندما اقترحت أن تحمل المجلة الجديدة اسمها(!).. أى اسم «روزاليوسف»(!)

لكن.. مع الصباح التالى.. كانت بمكتب صديقها «إبراهيم خليل» (أو سعد الكفراوى) بجريدة البلاغ، تملأ استمارة رسمية بطلب ترخيص لإصدار صحيفة فنية (كما أرادت لها فى البداية).. ثم ذهبت لتقديمها بنفسها فى مقر وزارة الداخلية، وسط ذهول بالغ من الموظفين.. وبدت الفكرة أكثر حماسًا عندما بدأت «روز» فى الاتصال بالمحررين الذين سيشتركون معها فى إدارة المجلة.. وكانت البداية مع أقرب أصدقائها «محمد التابعى».

كان محمد التابعى - فى ذلك الوقت - بجانب عمله كموظف بمجلس النواب، يعمل ناقدًا فنيًا لجريدة الأهرام.. ولم يصدق التابعى عندما اتصلت به فاطمة اليوسف تطلب منه العمل معها فى مجلتها الجديدة [روزاليوسف]، إذ ظن أنها تمزح معه(!)

ولم تنتظر «روز» انتهاء إجراءات استخراج ترخيص مزاولة المجلة لنشاطها الصحفى، فأسرعت تُعلن نبأ خروجها فى الصحف والمجلات(!).. وبعد الحصول على التصريح الخاص بمزاولة المجلة لنشاطها كمجلة فنية، بدأ الإعداد لإخراج العدد الأول من «روزاليوسف»؛ إذ خرج إلى النور [يوم الإثنين- 26 أكتوبر 1925م].. وكانت أول مجلة (فنية، أو غير فنية) تحمل اسم صاحبتها، على الإطلاق.

فى شهادته المنشورة بالعدد 1950 من المجلة (فى عيدها الأربعين)، يوضح «سعد الكفراوى» (المعروف بـ «إبراهيم خليل»)، أنه تم تكليفه من السيدة روز باستكمال استخراج الترخيص.. وعندما أوشك العدد الأول على الصدور، كان عدد العاملين محدودًا (نحو أربعة فقط)، هم: زكى طليمات، ومحمد التابعى، وأحمد حسن، وهو.

.. يقول الكفراوى: حينما فكرنا فى إصدار مجلة باسم «الست» لم يكن مع أحد منا مليم واحد.. ولا الست روز نفسها.. فبدأنا جمع الاشتراكات من الناس والأصدقاء، وأصدرنا بهذه الأموال أول عدد.. وظللنا عامين لا نحصل من المجلة على أى أجور.

فى مقاله المنشور بالعدد 1429 (فى العيد الثلاثين للمجلة)، تحت عنوان: (عاصرت مولد روزاليوسف)، يقول المخرج والمنتج «حسين فوزى»:

هل يكون جديدًا على معلومات قراء «روزاليوسف» أننى أحد أبناء هذه «الجامعة الكبرى»؟ .. فلنرجع بالذاكرة:

نعم.. بدروم شارع جلال بالقاهرة.. البدروم المتواضع والجو تسوده رهبة.. لا تبددها إلا همسات تهمس بها السيدة التى تتوسطنا، وهى تؤكد عزمها على أن تصدر صحيفتها، والأستاذ محمد التابعى ورفقته من الرعيل الأول كل منهم ينكب على عمل.. وجمع من الرسامين الشبان يتقدمون إلى السيدة روزاليوسف يعرضون خدماتهم ويقع الاختيار على كاتب هذه السطور، وتتاح لى فرصة الخدمة فى هذا الميدان الكريم.. ويصبح عملى المتواضع فى «روزاليوسف» جزءًا لا يتجزأ من ذكرياتى.. وتمضى السنون، وتمضى معها «روزاليوسف» المجلة أثبت قدمًا وأوعى حافظة.

داخل «جامعة روزاليوسف» (بحسب توصيف المخرج حسين فوزى)، كانت الأزمة الاقتصادية طاحنة(!).. ومع ذلك قررت «الست روز» (ومعها الجميع) الاستمرار تحت أى ظرف، وبأى تكاليف(!).. يقول «إبراهيم خليل» (الكفراوى): بعض الصحفيين الكبار كان يكتب مجانا، والبعض كان يتقاضى منه ستة جنيهات فى الشهر (إذ كان مسئولاً عن خزينة الدار).. ويتابع: فى نهاية سنة 1927م، بدأت الجريدة تدر دخلا بسيطا، وصُرف لكل منا جنيه أو خمسون قرشًا (ثمن السجائر).



 

يقول أمير الصحافة «محمد التابعى»: لم يمضِ على صدورها (أى: روزاليوسف) عامٌ وبعض عامٍ إلا ودخلت فى غمار السياسة، ووقفت فى وجه مجلة الكشكول.. ونجحت «روزاليوسف» نجاحًا فاق كل حد، وانتهت حملتها على الكشكول بتحطيمه تمامًا.. وكان «حزب الأحرار الدستوريين» يعاير «حزب الوفد» فيسميه حزب روزاليوسف، ثم دارت الأيام دورتها، وجاء يوم كسدت فيه سوق جريدة السياسة (لسان حال الأحرار الدستوريين) وكفت عن الظهور.. ويومئذ لم يجد «الأحرار الدستوريون» صحيفة تدافع عنهم وتنشر لهم آراءهم سوى «المجلة»، التى كانوا يعايرون بها الوفد(!)

ومع بداية تحول «روزاليوسف» للسياسة، ارتفع توزيعها ارتفاعًا قياسيًا.. وبلغ توزيعها فى العام 1928م 40 ألف نسخة (وهو رقم يزيد كثيرًا على ما كانت توزعه أكثر الصحف اليومية أو الأسبوعية المماثلة انتشارًا).. لتصبح - بعد هذا - قبلة لاستقطاب عديد من الأقلام الشابة، التى ولدت وتعلمت داخل الدار.. ليصبح - فيما بعد - لكل منهم تجربته الخاصة، وأستاذًا لمدرسة (كان أصلها فى أكاديمية روزاليوسف)!

يحكى «سعد الكفراوى» (أو إبراهيم خليل) أنه فى سنة 1931م، بدأت المجلة تستقر، وأوضاعها المالية تحسنت.. وانضم إليها صحفيون جدد منهم الدكتور سعيد عبده، وحامد عبد العزيز، والرسام رخا.. وكانوا فى ذلك الوقت لا يتقاضون مرتبات ثابتة.. كان رخا مثلاً يحصل على 50 قرشًا ثمنا للصورة الكبيرة، والرسم الصغير ثمنه 25 قرشًا(!).. ويتابع: كنا متطوعين للعمل، إذا ربحت المجلة أو خسرت فإن أحدًا منا لا يتقاضى شيئَا.. وخسارة المجلة كانت تأتى غالبًا نتيجة مصادرتها فقد كان محمد محمود رئيس حزب الأحرار الدستوريين رئيسا للحكومة فى ذلك الوقت.. وكنا نحن مع حزب الوفد.. وفى العام 1943م، ترك التابعى روزاليوسف ليؤسس مجلة «آخر ساعة» ومرتبه لا يزيد على ستة جنيهات(!).. ثم جاء «محمد حسنين هيكل».. وكان حسنين هيكل فى ذلك الوقت يهوى الصحافة أكثر من أى شىء آخر.. وقررت له «الست» 15 جنيهًا مرتبًا شهريًّا.

.. أما «إحسان عبد القدوس» (والقول للكفراوى) فقد كان لا يزال طالبًا بكلية الحقوق، وبدأ يكتب القصص القصيرة فى العام 1936م.. لكن «الست روز»، لم توافق على احترافه الصحافة إلا بعد أن يتم دراسته ويحصل على ليسانس الحقوق، وبمجرد حصوله على الليسانس عيَّنته رئيسًا لتحرير «روزاليوسف» بمرتب شهرى قدره ستة جنيهات!



 

كانت «الست روز» حريصة على عدم إهدار المال، الذى تكسبه المجلة؛ تحسبًا للظروف.. إذ كانت هى «وزير مالية» الدار، فى البداية.. يقول «إبراهيم خليل» (سعد الكفراوى): كانت شنطة الست هى الخزينة.. وعندما استقرت المجلة اشترينا خزانة حديدية.. وكان مفتاحها مع الست.. وذات مرة وقعت حادثة طريفة؛ إذ أبلغها أحد السعاة (وهى فى بيتها) أن الخزنة مفتوحة! .. وجاءت على الفور، فوجدت أنه سرق منها مبلغ ثلاثين جنيهًا.. فأبلغنا البوليس والنيابة.. وجاءوا وأخذوا البصمات الموجودة على الخزنة.. ولشد ما كانت المفاجأة حينما طلعت البصمات هى بصمات الست نفسها. وضحك ضابط البوليس وهو يخبرها بهذا.. وفعلا تذكرت أنها هى التى أخذت الثلاثين جنيهًا من الخزنة. ومن يومها تركت الخزنة لى.

ويتابع: فى الماضى، لم تكن النقود هى كل شىء.. الصحافة كانت هواية وعزيمة ووسيلة لإبداء الرأى.. ومحررو «روزاليوسف» كانوا يأخذون مرتبات قليلة لا تكاد تكفى تكاليف سهرة واحدة أول يوم فى الشهر، ثم يقضون الأيام الباقية فى المجلة مع سندوتشات الفول والطعمية، أو ينتظرون «عزومة» من الست إن أعجبها الشغل.. فروزاليوسف كانت بالنسبة للمحررين هى النادى، وهى السهرة، وهى البيت، وهى القهوة الوحيدة.. لكن.. كان الأكثر تنظيمًا «أحمد بهاء الدين»، ومعه «حسنين هيكل»؛ إذ كانا ينامان فى بيوتهما بالظهيرة، ثم يعودان للعمل ليلاً.

ويتذكر «خليل»: تم تعيين عبد السميع بعد أن ترك «رخا» المجلة مباشرة بخمسة جنيهات فى الشهر.. ثم زاد مرتبه إلى أن وصل ستين جنيها.. أما أحمد بهاء الدين، وسامى داود، وعميد الإمام، فقد كانت مرتباتهم تعتبر أكبر المرتبات، التى عين بها الصحفيون منذ إنشاء المجلة.. إذ كان يتقاضى بهاء 25 جنيهًا (شهريًا).. فقد بدأ بهاء بـ25 جنيهًا وخرج من روزاليوسف بمائة وخمسين جنيهًا.

.. كما بدأت روزاليوسف تنظم جهازا للحسابات ودفاتر وخزانة منذ العام 1950م، حتى العام 1958م (أى قبل تأميم الصحافة).. وكان بها نحو 7 محررين (معينين)، ولهم مرتبات ثابتة.. و5 موظفين بالحسابات.. أما الباقون فكانوا يعملون بالقطعة(!).. وكان أكثر المترددين على الخزنة للسلف «عبد السميع»، و«عبد الغنى أبو العينين».. أما جمال كامل فكان واعيًّا (يحرص على فلوسه).



 

كانت المعادلة الصعبة التى حققتها «روزاليوسف» بامتداد تاريخها، هى قدرتها على الاستمرار (والازدهار) فى ظل ظروف مالية متأزمة.. كانت - دائمًا - حالة خاصة (وسط المطبوعات المصرية) قادرة على التأقلم والإنتاج بأقل التكاليف.

يقول «إحسان عبد القدوس» (فى العيد الـ 55 للمجلة): لا تعتمد «روزاليوسف» على الطباعة الفاخرة.. ولا البيانات الرسمية.. نوعها يعتمد فقط على حرية الرأى.. وهذا ما يؤرجحها من فترة إلى أخرى [...] وهذا لا يعنى العاملين فى روزاليوسف؛ لأن طبيعتها لا تجذب إلا النفوس الحرة والعقليات الحرة.. الناس هم هم.. الظروف هى التى تعطيهم فرصة التألق أو تمنعها عنهم [...] وفى الماضى، كان الصحفى يخرج من «روزاليوسف» فى السن التى تستطيع فيه المجلة أن تلبى احتياجاته المالية.. وأنا نفسى كنت أضطر (وأنا فى روزاليوسف) أن أكتب فى جرائد أخرى، أو أبيع قصة للسينما؛ حتى أستطيع أن أعيش.



 

«إن روزاليوسف لا ينبغى أبدًا أن تُعرِّض بأحد، ولا ينبغى أبدًا أن توجه الشتائم إلى أى مخلوق، ويجب أن تحتفظ المجلة دائمًا بكبريائها».

(من كلمات فاطمة اليوسف)

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز