عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
ليالى طلعت حرب فى فيينا!

ليالى طلعت حرب فى فيينا!

بقلم : رشاد كامل

فى صيف سنة 1925 قام طلعت حرب بجولة فى عدد من العواصم الأوروبية كان من بينها باريس وفيينا، وفى كل زيارة له كان آلاف المصريين فى تلك العواصم يقيمون له حفلات التكريم، ويدعونه للخطابة فيهم!!



وأثناء زيارته للعاصمة النمساوية فيينا أصر الطلبة المصريون الذين يدرسون فى جامعاتها على إقامة حفل لتكريمه فى فندق «إمبريال» الذى كان يقيم به! وكان هدف الطلبة كما قال أحد الطلبة «سالم عبدالمجيد» هو «التشرف بمعرفته وتلقى نصائحه، فأبَى، فأصروا، فرفض فى لطف وإباء، واشتد الطلبة فى إلحاحهم وصمموا على إقامة الاحتفال، فاضطر طلعت حرب بك أن يرضيهم فقبل الدعوة».

حضر الحفلة معظم المصريين من مصيفين وطلبة وقوبل طلعت حرب بالتهليل والتصفيق، لقد كانت خطبته درسًا جديدًا فى الانتماء والوطنية للمصريين عامة وللطلبة خاصة!

قال طلعت حرب: «أبنائى الطلبة الأعزاء: السلام عليكم سلام مواطن أبَى أن يمر عليكم- وهو فى طريق سياحته يقطع الأقطار ويزور البلدان- دون أن يصافحكم ويسر بما يرى ويسمع عن أحوالكم، ذلك بأنى أعرف كثيرًا من آباء الطلبة وأعرف كثيرًا من الطلبة الذين عادوا من الخارج إلى مصر، وأحس- كما يحس كل مصري- بأن الطلبة المصريين الذين يحصلون العلم فى الخارج هم محط آمال الأمة كلها فى المستقبل القريب، فآباؤكم وأصدقاء آبائكم وأصدقاؤكم، وكل مصرى من مواطنيكم- ينظرون إليكم بعين العطف ويتلمسون أبناءكم، ويسرون كل السرور عندما يعلمون أن واحدًا منكم فاز فى دراسته فوزًا مبينًا، جديرًا بذكاء المصرى وحسن استعداده، أو أنه بلغ فى علم من العلوم أو فن من الفنون كفاءة ممتازة، يعود أثرها عليكم وعلى الوطن العزيز، ولا أقول يعود أثرها على ذويكم، فإن آباءكم يمدونكم بكل ما يستطيعون من مال قد يقتطعونه من أسباب حياتهم، ويمدونكم بكل ما يملكون من مساعدة وعطف أبوى أنتم أدرى به منى، وهم فى هذا كله لا يطمعون إلا فى شيء واحد: هو أن تنجحوا فى الغاية التى من أجلها ابتعدتم عن بلادكم، وقد تكونون أنتم الذين اخترتم إتمام دراستكم فى بلاد الغربة فوافقوا على ما اخترتم إلا ضعفًا منهم بل اعتمادًا على العهود التى قطعتموها قبل قيامكم من مصر، بأنكم تبذلون أقصى جهودكم فى تحصيل العلوم والحصول على درجة ممتازة فيها دالة على هذا الجهد، وهذا هو وحده كل الذى يبغيه آباؤكم غير منتظرين منكم جزاءً ولا شكورًا، وهذا هو وحده باب البر بالوالدين الذى يأمركم به الدين الحنيف، وتأمركم به الأخلاق الحميدة، تكريمًا لهم، وتخفيفًا للمشاق الأدبية أو المادية التى تحملونها أو يتحملونها فى سبيل غربتكم!».

ثم يتناول طلعت حرب شائعة سخيفة بأن الطلبة المصريين يقصدون جامعات النمسا بسبب هبوط عملتها- الكرون- بالنسبة للعملات الأخرى ومن بينها العملة المصرية فيقول:

«هذه الجامعات ما كانت لتقبل أن ينسب إليها الطلبة من أى جنسية كانوا لمجرد أنهم أتوا إليها لرخص عملتها، وأنى بصفتى مصريًا- وأود أن يسمع النمسويون أنفسهم تصريحى هذا- أعلن صراحة عظيم امتنانى للمساعدات النفسية التى لقيها الطلبة المصريون فى الجامعات النمساوية، والمساعدات القيمة التى قوبلوا بها من أساتذتهم، فقد بذلوا لهم كل مجهود لتسهيل دراسة اللغة الألمانية!!».

ويتحدث «طلعت حرب» عن واجب الطلبة تجاه ذلك كله قائلاً: «أنتم أيها الأبناء تقدرون من غير شك هذه المساعدات حق قدرها، وتقدرون ما تستلزمه من عرفان الجميل، وتقدرون أن مظاهر الاعتراف بالجميل، أن تكون سمعتكم فى هذه البلاد جديرة بالإعجاب العام، خاصة إعجاب النمساويين أنفسهم الذين أضافوكم فى بلاهم فأحسنوا ضيافتهم إياكم، وألا يكون من تصرفاتكم ما يؤذى أى فرد من أفرادهم، أو يجرح أى هيئة من هيئاتهم، أو يترك فى نفوسهم أن المصريين أقل مدنية ومعرفة باللياقات الاجتماعية من أهل البلاد أنفسهم.

وليكن شعاركم عدم التدخل فى سياسة البلاد التى تعيشون فيها، وعدم تعضيدكم حزبًا على آخر، أو انتصاركم لفئة على أخرى، فإن واجبات الضيافة كما تعلمون تقضى على الأجنبى أيًا كان- طالبًا أو غير طالب- أن يكون على الحياد التام حيال المسائل السياسية التى تخص الدولة التى يتفيأ الغريب ظلالها».

ولم ينس طلعت حرب أن يتحدث عن الحالة الاقتصادية فى النمسا فيقول: - لا يسعنى أن أمر بهذه البلاد دون أعرب عن شديد إعجابى بأهلها، فقد عانت الأمة النمساوية أشد المتاعب فى الحرب وقاست من الأهوال ما قاست بعد انتهائها- ومع هذا بقيت كما كانت- أمة كريمة النفس شريفة النزعة، فى أنفة على غير كبرياء، وبقى أهلها لا تفارقهم ابتساماتهم الدائمة، وجنوحهم إلى تلقى المصائب بشجاعة أدبية نادرة تنم عليها ما فطرت عليه طباعهم من خفة الروح، وقابليتها للحياة البسامة الفرحة وكرهها للحياة المكتبئة الحزينة، والشعوب بطباعها، والطباع السهلة داعية إلى تسهيل المعقد من الأمور، ودافعة للويل والبثور، مع شمم وشهامة هما سياج كل كرامة.

ولعلكم أبنائى وقد شهد منكم من شهد هذه الحال أو سمع بها، يتخذ منها مثلاً لقوة النفوس على قوة المكروه.. والحمد لله إن تغيرت الحال غير الحال، وأصبحت البلاد النمساوية على غير ما كانت عليه من أربع أو خمس سنين، فقد انتعشت حياتها الاقتصادية والمالية، ودخلت دور النقاهة، وأخذت تخطو خطوات حسنة للأمام، ستعيد لها مجد مركزها القديم على أسس جديدة من الحياة الفتية القوية، يعاون فى تحقيقها همة النمساويين وقوة ابتكارهم ومركزهم العلمى السامى الذى لم تزعزعه أعاصير السياسة والحروب، وجدّهم فى اجتياز العقبات وتقريب الغايات، كما يساعدهم عليه مركز «فيينا كسّرة لبلاد الطونة ومركز النمسا كقلب لبلاد أوروبا الوسطى!

وبطبيعة الحال لم يترك طلعت حرب هذه المناسبة تمر دون أن يتحدث عن تجربة بنك مصر فيقول:

«ولا يفوتني- وأنا أشير إلى حالة النمسا الاقتصادية- أن أذكركم ببنك مصر وأن أنبئكم بأنه قد خطا من جهته فى حياة الأمة المصرية خطوة عظيمة، نرجو أن تكون من أحسن الأسس لبناء الاستقلال الاقتصادى للبلاد، وإذا ذكرتم أن هذا البنك قد تأسس منذ خمسة أعوام (1920) وأن رأس ماله بلغ نصف مليون جنيه وأن فروعه امتدت إلى أنحاء البلاد وأن بناء عمارته قائم وسط البنوك، وأن الودائع والأمانات بلغت نحو أربعة ملايين جنيه وعدد حساباته 13 ألف حساب، وأن صافى أرباحه تدرج من ثلاثة آلاف جنيه فى سنة 1920 إلى 92 ألف جنيه سنة 1924 وأنه اشترك فى تأسيس بعض شركات صناعية منها شركة مطبعة مصر، والشركة المساهمة المصرية لصناعة الورق، وشركة مصر للتمثيل والسينما وشركة مصر للنقل والملاحة وقريبًا تؤسس شركة لغزل ونسج القطن وغيرها من المشروعات التى لا تزال تحت البحث والدرس.

ويمضى طلعت حرب فى خطابه قائلاً:

- إذا ذكرتم كل هذا فاذكروا معه أن البلاد المصرية محتاجة إلى مختلف الأعمال الحرة حتى تنصرف إليها جهود أبنائها، دون أن تقتصر على رغبة التوظف فى خدمة الحكومة!! ولديكم فى النمسا من مظاهر الأعمال الحرة المتنوعة ما يصح أن تتخذوا، مثلاً لاقتباس ما يصلح منه لبلادكم، كل حسب ما يستعد له من أسباب الدراسة.

وإذا ذكرتم بنك مصر فاذكروا أننا لا ندخر جهدًا عن مقابلة الجميل الذى عاملكم به القوم بجميل مثله، هو أننا نفتح ذراعينا بالمحبة ونتبادل معهم المنفعة، واذكروا أن بنك مصر لا يدخر جهدًا فى توثيق عرى العلاقات المالية بين البلدين!

واختتم «طلعت حرب» خطابه قائلاً:

و«قبل أن أختم كلمتى أشكر حضرات الطلبة أصحاب هذه الدعوة على تلطفهم وأشكر حضرات الخطباء وإن أخذتهم على إفراطهم فى المديح والإطراء وتجاوزهم الحد فيهما، فما أنا إلا واحد من نفر من المصريين فكروا فى خدمة بلادهم من جهة الاقتصاد وعقدوا النية على تحقيق أمنيتهم وعملوا بإخلاص حتى وفقوا بمعونة الله تعالى ونجحوا».

ولم ينس طلعت حرب أن يوجه الشكر لكل من ساهم فى إنشاء بنك مصر وأضاف:

- وإن تذكروا نجاح بنك مصر فلا تنسوا ما لاقاه من الأمة رجالها ونسائها وشبانها وشيوخها بلا نظر إلى فارق من الدين أو الرأى السياسى أو الحزبى من تعضيد وإقبال لولاهما ما كان هذا النجاح الباهر فى هذا الوقت القصير، ولا تنسوا أولئك الشبان النجباء الذين هم فخر بنك مصر، والذين دفعوا عن بلادهم فرية عدم صلاح المصريين للقيام بالأعمال المالية، وأريد بهم موظفى بنك مصر.

وما أكثر حكايات طلعت حرب فى بلاد الغرب.

وللحكاية بقية!

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز