عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
لن ينفعك غضبك

لن ينفعك غضبك

بقلم : محسن عبدالستار

العرب عامة والمصريون خاصة، يأخذون الحياة ببساطة وهدوء دون عجلة، حتى عندما تسوء الأمور لديهم، فهم يعرفون أن المقدر هو المقدر، ولن يستطيع أحد تغيير الأمور، إلا الله عز وجل، فبيده مقادير الناس، إذا أراد شيئًا إنما يقول له كن فيكون، ونجد بعضهم يقول: إن ذلك لا يعني الوقوف أمام المصائب دون عمل أي شيء، أو وضع حلول للمشكلات التي يتعرضون لها.



وحين تهب الرياح العنيفة فوق حياتنا، ولا نستطيع إيقافها، نتقبل الأمر المحتوم، ومن ثم نعمل ونجد، لتجاوز تلك الأزمات.

لا تخضعن لمخلوق على طمع.. فإن ذلك وهنٌ منك في الدين

واسترزق الله مما في خزائنه.. فإنما الأمر بين الكاف والنون

يقول المستشرق الأمريكي "ر. ف. بودلي"، الذي عاش بين العرب في الصحراء، وأعجب بعاداتهم وتقاليدهم، وكان ذلك مدخلًا لفهمه لطبيعة العرب، أدرت ظهري نحو العالم الذي عرفته واتجهت إلى شمال إفريقيا، وعشت مع العرب في "الصحراء".. وتعلمت لغة "البدو"، وارتديت زيهم، وأكلت طعامهم، وتبنيت أسلوبهم في الحياة الذي تغير قليلًا خلال العشرين قرنًا الماضية.. أصبحت مالك أغنام، ونمت على الأرض في خيم العرب"، وضرب مثالًا على تقبلهم الأمور ورضاهم بما يحدث لهم من أزمات، بعاصفة رملية عنيفة- هبّت عندما كان في الصحراء- كانت تزمجر وتهدر على مدار ثلاثة أيام بلياليها، وكانت قوية، حتى إنها حملت رمال الصحراء مئات الأميال خارج البحر المتوسط لترسيها في وادي الرون بفرنسا.

وكانت الرياح ساخنة، حتى شعرت وكأن شعري ينسلخ من رأسي، جف حلقي تمامًا واحتقنت عيني وامتلأت أسناني بالغبار، وشعرت بأنني واقف في فرن مصنع زجاج، وكدت أشرف على الجنون، لكن العرب لم يتذمروا، بل قالوا: "إن ذلك مكتوب علينا".. فهي جملة تًقال دائمًا تعبيرًا عن الرضا بالمكتوب.

لكن سرعان ما هدأت الرياح، قفزوا للعمل، وذبحوا جميع الخراف، لأنهم يعلمون أنها ستموت بسرعة، وبذبحها يأملون إنقاذها من الألم، فالرحمة والرفق بالحيوان والمخلوقات الضعيفة من شيمهم وطباعهم، كل ذلك يجري بهدوء، دون قلق أو تذمر أو نواح على خسائرهم الفادحة التي تعرضوا لها.. وفي خضم ذلك قال رئيس القبيلة: "إن الأمر ليس سيئًا للغاية، كدنا نفقد شيئًا كبيرًا، لكن حمدًا لله، بقي لدينا أربعون بالمئة من الخراف، ونستطيع البدء من جديد"، فعلى الرغم مما تعرضوا له فإنهم راضون.

ويضرب بودلي، مثلًا ثانيًا قائلًا: "عندما كنا نجوب الصحراء، فرغ الهواء من إطار السيارة، وكان السائق قد نسي أن يُصلح الإطار الاحتياطي، بقينا بثلاثة إطارات، ثُرت غضبًا وغيظًا، فسألت الرفاق من "العرب"، ما يجب أن نفعله فذكروني أن الغيظ والغضب لن ينفعني في شيء، وهكذا هو حالهم في التغلب على الصعاب، وحل المشكلات التي تواجههم، وقالوا إن تلك مشيئة الله، ولا يمكننا فعل أي شيء، فنبدأ نسير على الإطار الفارغ، لكن ما لبثت أن عادت وتوقفت السيارة، لقد فرغ الوقود منها، لكن رئيس القبيلة اكتفى بالقول: "إن ذلك مكتوب علينا"، وبدلًا من الصياح في وجه السائق، الذي لم يملأ خزان الوقود تمامًا، لبث الجميع صامتين، ومشينا إلى مصيرنا نغني".

إذًا الرضا بالمكتوب، تكون نتيجته الحتمية القوة، والصحة والعافية، التي يبحث عنها الكثيرون منا، وهي الغاية التي نبحث عنها في كل مكان، ونكدُّ ونتعب من أجلها، لكنها توجد داخلنا عن طريق القناعة والرضا بما كتبه الله لنا أو علينا، فهي الفلسفة التي تفيد الكثير منا في تهدئة الأعصاب، أكثر مما تستطيع فعله آلاف العقاقير.

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز