عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
عقل الدولة

عقل الدولة

بقلم : أيمن عبد المجيد

الدول كالبشر، لها عقل، وجسد، وروح، وجينات تحمل بصمتها الوراثية، منها سليل التاريخ والحضارات العريقة، ومنها اللقيط، نتاج تفاعلات الحروب والصراعات.



منها القوي الفتي، ومنها المريض الهزيل، منها العاقل الحكيم، الداعم للبناء والسلام والتعمير، ومنها المتهور راعية الإرهاب والتدمير.

مصر من تلك الدول القوية العفية، سليلة الحضارة، تمرض لكنها، سريعًا ما تتعافى، تُعاني فترات الكسل والخمول، لكنها تنهض فتنجز في أعوام ما يفعله غيرها في عقود.

مصر التي انتكست في عام ١٩٦٧، هي مصر التي نهضت من غفوتها، لتأخذ ثأرها في أكتوبر ١٩٧٣.

الشعب لم يتبدل، فهو ذاته الشعب الذي انتصر، بيد أن الحالة النفسية للدولة، هي التي تغيرت، فقد نفض الشعب عن نفسه غبار الكسل، وخلع رداء الهزيمة، وارتدى عباءة العزيمة والتحدي.

الذي تغير هو تعقيل الفكر، فقد أدرك عقل الدولة، أن النصر لا يتحقق بالشعارات والهتافات، بل بالتخطيط والعمل والإنجازات.

مصر دولة ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، دولة لها عقل، منذ ميلادها، وجدت بينما كان العالم مجرد قبائل متصارعة متناحرة متناثرة في البوادي والغابات.

شهدت مصر الدولة القوية الفتية، ميلاد دول العالم، ومراحل طفولتها وتطورها، فكانت أم الدنيا كلها بحق وبحكم التاريخ والجغرافيا.

بالأمس استوقف الرئيس عبد الفتاح السيسي، الدكتور عاصم الجزار، ليلفت الانتباه إلى أن ما يتم إنجازه اليوم من مشروعات عملاقة هو تنفيذ لمخطط تنموي، وضع منذ عام ٢٠١٩، وليس توجيهات رئاسية، فمصر دولة تتحرك وفق خطط.

بينما قال الدكتور مصطفى مدبولي: إن ما تم إنجازه يمثل المرحلة الأولى من الاستراتيجية القومية لتنمية مصر ٢٠٥٢، وهي الاستراتيجية التي استغرق إعدادها ثلاثة أعوام عمل على إنجازها نخبة من علماء مصر، كل في مجال اختصاصه، ووضعت خطة تنفيذها على مرحلتين تستغرقان ٤٠ عامًا، مضيفًا: للأمانة ما تم تحقيقه في الأربع سنوات الماضية، تجاوز مخطط المرحلة الأولى، وقبل الموعد المقرر للانتهاء منها بـ٨ سنوات.

ماذا يعني هذا؟ يعني أن مصر دولة مؤسسات، لها عقل استراتيجي، وجسد وأذرع تنفيذية، تتحرك وفق خطط ورؤية علمية، وليدة احتياجات حقيقية، بيد أن الفضل يرجع للرئيس السيسي، في قدرته على اتخاذ قرار فك أسر تلك الخطط، التي كانت حبيسة الإدراج، وتوفير البيئة السانحة لتحويلها إلى إنجازات على أرض الواقع.

وهذا القرار ليس بالهين، فقد تطلب في البداية بناء جدار ثقة بين القيادة والشعب، لتحمل ضريبة الإصلاحات، والثقة ضرورة لتقبل دفع أثمان العلاجات الجذرية، تأتي من المعرفة والوعي، بجدوى ما يتحقق، وما ينتظر مصر من خير.

ذلك الوعي نتج عن انتهاج سياسة التواصل المباشر مع الشعب، وإن جاز التعبير، جرعات التطعيم المعرفي، ضد فيروسات الإحباط واليأس الساعية للتخريب والتدمير.

فكان الرئيس حريصًا، دائمًا، على الحديث المباشر للمواطنين، ولم يكن الحديث خطابات مسجلة، أو كلمات منمقة، بل رسائل مباشرة، على هامش إنجازات متحققة، يجرى افتتاحها، الخلاصة كانت وما زالت الاستراتيجية قائمة على اكتساب شرعية الإنجاز.

والإنجاز لو تعلمون عظيم، فحجمه لا يُقاس فقط بمداه الزمني، وكلفته الاقتصادية، بل أيضًا بضخامة تلال التحديات، في مقدمتها: مصادر التمويل والمحيط الإقليمي متلاطم الصراعات، وماكينة إنتاج الشائعات التي لا تتوقف، والمؤامرات التي تُحاك لهذا الوطن لاستنزاف قدراته، عبر أفاعي الإرهاب، وقذائف الإعلام الموجه، المستهدفة لدفاعات الروح المعنوية، وحصون الوعي الجمعي.

الإرادة والوعي، ومنحنى التكاليف، كان في مقدمة التحديات، فالدولة لديها موارد ونفقات، لديها التزامات واحتياجات، مثلا لديك مواردك، ونفقاتك، وقائمة أولويات احتياجاتك، وأسرتك، وكلما نمت أسرتك وتقدم أفرادها في العمر، تزايدت الاحتياجات.

تصحيح خريطة النفقات، يحتاج لإرادة وقدرة على اتخاذ قرارات، التعرض لها بمثابة التنزه في حقل ألغام، خشي رؤساء سابقون من الاقتراب منه خشية أن تصيبهم انفجاراته أو شظاياه.

أول تلك الألغام، كان العشوائيات التي تتنامى، كالورم السرطاني، الذي يتطلب سرعة استئصاله، بينما الجراحة تتطلب أموالًا طائلة.

الأموال التي تتطلبها الجراحة، موجودة، بيد أنه يُستنزف الجزء الأكبر منها، في دعم الوقود بالمليارات، التي يذهب معظمها لغير المستحقين، فكان القرار الحازم بتصحيح منظومة الدعم، وتوافرت أموال ذهبت لساكني العشوائيات، ومرضى انتظروا سنوات في القوائم قبل أن تمتد إليهم يد الإنقاذ.

عقل الدولة كان يرتب الحاجات الملحة، والجراحات العاجلة، يبحث في إعادة ترتيب النفقات، بالتزامن مع تعظيم الموارد، فعقل الدولة يختلف عن عقل الفرد، في النظرة الشمولية، والتحركات الاستباقية، والرؤية المستقبلية، وألا تكون دولة فاشلة تعجز عن الإيفاء بالالتزامات.

بالأمس كان افتتاح حزمة مشروعات، تكلفت عشرات المليارات، ما كان لها أن تتوافر لولا إصلاحات اقتصادية حقيقية، وتنامي القدرة الشاملة للدولة سياسيًا، واقتصاديًا، وعسكريًا، وشعبيًا عبر الإرادة واللُحمة والتكاتف خلف قيادة الدولة.

بالأمس وجه الرئيس بميكنة مصنع الرخام في سيناء، وغيره من المشروعات الإنتاجية، لحصر دقيق لموارد والنفقات، لغلق أي ثغرة تُغري بفساد.

طريق شرم الشيخ، فقط، تكلف ٥.٥ مليار جنيه، بخلاف الرصيف البحري بمرسى علم، بطول ٣ آلاف متر، يخدم ناقلات المواد البترولية، و٣٧٠٠ وحدة إسكان اجتماعي بوسط سيناء، وطريق النفق وطريق الجدي، وغيرها مما تم افتتاحه.

المهم في ذلك هو التطور الكبير في عقل الدولة ومتخذ القرار، ففي عام ٢٠٠٧ كنت أجري سلسلة حوارات تحت عنوان: «مصر إلى أين؟ حوارات في الحاضر والمستقبل»، وفي أحدها كان ضيفي الدكتور علي لطفي رئيس وزراء مصر الأسبق، رحمه الله.

سألت الرجل عن إهمال سيناء، فأرجع السبب إلى الأولويات لدى القيادة السياسية، قائلًا: المليارات التي تتطلبها التنمية في سيناء، بالقياس بعدد سكانها، دفع القيادة السياسية لتفضيل تقديمها إلى مشروعات بالمحافظات كثيفة السكان.

بينما بالأمس استمعت للرئيس السيسي، خلال الافتتاح، وهو يعترض على تلك الرؤية، التي تقيس الكلفة بعدد سكان المنطقة، منبهًا إلى بُعد أخطر وأهم، وهو الأمن القومي لمصر، المرتبط بسُدس مساحة مصر، ٦٠ ألف كيلومتر مربع، كانت مهملة في سنوات سابقة، فحدث ما حدث، واليوم تشهد تنمية بإجمالي إنفاق بلغ ٨٠٠ مليار جنيه.

بدأت اطمئن على سيناء، التي جُبتها محققًا من شمالها لوسطها لجنوبها، متفحصًا، روعة المكان، متلمسًا أوجاع الإنسان، مستشرفًا مستقبلها، مستشعرًا أخطارًا تتعاظم مع كل يوم كان يمر، والدولة مهملة لتنميتها.

فعقل الدولة الحكيم، وجد قائدًا عظيمًا، قادرًا على تنفيذ خطتها، لا يتوكأ على المبررات العاجزة، بل يواجه التحديات بحلول وبدائل وآليات، تنقل المشروعات من أدراج مراكز التفكير إلى واقع الإنشاء والتعمير.

 http://[email protected]

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز