12:00 ص - الخميس 7 نوفمبر 2019
يُعتبر القرآن الكريم بما يحويه من إعجاز بلاغي ولغوي، مدرسة ينهل من معينها علماء اللغة العربية وخاصة في صياغة الجمل الرصينة، المؤثرة، الهادفة ذات المغزى والمعنى عكس ما هو مكتوب.
قال تعالى: "فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا" (سورة الكهف الآية 11)، هنا كلمة الضرب ليس بالمعنى المتعارف عليه وهو الضرب وإنما بمعنى النوم العميق أو السبات الطويل (أي سددنا آذانهم عن نفوذ الأصوات إليها).
وكذلك قال تعالى: "فَانطلقا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا" (سورة الكهف الآية 77 )، وهنا كلمة أقامه ليس بمعنى أن يقيم الشيء وإنما يقصد فيه هدم الشيء وهو عكس المكتوب (ذكر عن ابن عباس) أن كلمة فَأَقَامَهُ يقصد بها: هدمه ثم قعد يبنيه.
في بداية هذه السلسلة من المقالات التي تخص القانون الدولي من الناحية اللغوية فقط، لابد لنا وأن نتطرق ونعرج بصورة مختصرة على هيكلية الأمم المتحدة (تأسست عام 1945) ومجالسه وأعضائه ولجانه وكيفية اتخاذ القرارات، حيث إن المقالات القادمة سوف تكون حول التحليل والدهاء اللغوي في صياغة قرارات مجلس الأمن الدولي ومدى تأثيرها على سياسة الدول والعالم بصورة عامة.
إن قرارات مجلس الأمن ذات مغزى سياسي ومنطق فلسفي ولغوي، وأهدافه الحفاظ على السلم الدولي، وحل النزاعات، وفرض احترام القانون الدولي للوصول إلى هدف معين من قبل الجهة المستفيدة من إصدار هذا القرار أو ذاك.
إن جميع مقالاتي لن أتطرق فيها عن المغزى السياسي أو المساس بصلب وجوهر القرار وموضوعه، وإنما فقط أتطرق إلى التحليل اللغوي والدهاء في صيغته والمصيدة لمن لا يعرف نظرية التحليل اللغوي سواء (اللغة العربية أم اللغة الإنجليزية) وإن لم يكن دبلوماسيا محنكا وله خبرة طويلة ومتمرسا في هذا المجال بحيث يستطيع أن يعرف المغزى الحقيقي للقرار؛ لأن كثيرًا من القرارات التي تصاغ قادرة على أن تجعل من السم عسلًا وذلك من خلال التلاعب في الصيغة والمفردة وتركيبة الجملة والأفعال والصفات المركبة وغيرها، كما تلعب (علامات الترقيم) دورًا مهمًا في سياق الجمل وفهمها وترابط الأفعال والأحداث وانتهائها ومنها (./،/ ؛/: /’ / - / "/ - ).
مجلس الأمن هو الذراع الأقوى للأمم المتحدة، والأداة الأبرز لتطبيق القانون الدولي، من أهدافه الحفاظ على السلم الدولي، وحل النزاعات، وفرض احترام القانون الدولي، أنشئ مجلس الأمن وفقًا للمادة 23 من ميثاق الأمم المتحدة بغرض الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، وهو الجهاز الوحيد الذي له سلطة اتخاذ قرارات تلتزم بتنفيذها الدول الأعضاء بموجب الميثاق، أما أجهزة الأمم المتحدة الأخرى فهي تقدم توصيات إلى الحكومات.
عضوية المجلس: يتكون مجلس الأمن من 15 عضوًا من أعضاء الأمم المتحدة ينقسمون إلى خمسة أعضاء دائمين وعشرة أعضاء يتم انتخابهم بواسطة الجمعية العامة لمدة سنتين، ولا يجوز إعادة انتخاب أحدهم مباشرة لمدة أخرى، ويوجد ممثل دائم عن كل عضو في مقر الأمم المتحدة طوال الوقت لتحقيق مبدأ "الاستمرارية" الذي يعد المحرك الرئيسي لإدارة مجلس الأمن.
والدول الأعضاء الدائمة
1.الولايات المتحدة 2.روسيا الاتحادية 3.المملكة المتحدة 4.الصين 5.فرنسا
وتتناوب الدول الأعضاء على رئاسة المجلس شهريًا وفقًا للترتيب الأبجدي الإنجليزي لأسمائها، ولكل عضو منها صوت واحد. والأعضاء غير الدائمين ينتخبون وفقا لقدرتهم على الحفاظ على السلام والأمن الدوليين ويراعى في انتخابهم التوزيع الجغرافي العادل بالشكل التالي:
1- خمسة مقاعد للدول الإفريقية والآسيوية. 2- مقعدان لدول أمريكا اللاتينية. 3- مقعدان لدول غرب أوروبا والدول الأخرى. 4- مقعد لدول أوروبا الشرقية.
اتخاذ القرارات: يتطلب اتخاذ القرارات المتعلقة بالمسائل الإجرائية موافقة تسعة أعضاء من الخمسة عشر عضوًا، أما المسائل الموضوعية فتتخذ القرارات بشأنها عقب تأييد تسعة أصوات تضم الخمسة الدائمين وتمتنع عن التصويت الدول التي تكون طرفا في النزاع. وتتمتع الدول الكبرى وفقا لقاعدة (إجماع الدول الكبرى) بحق النقض (الفيتو) الذي يلاقي معارضة شديدة من الدول الصغيرة. وفي حال اتخاذ المجلس قرارا بالمنع أو الإنفاذ ضد دولة عضو، تعلق الجمعية العامة عضوية تلك الدولة وامتيازاتها، وفي حال تكرارها الخروج عن مبادئ الميثاق يجوز للجمعية العامة إلغاء عضويتها وفقا لتوصية المجلس. ويحق للدول الأعضاء في الأمم المتحدة وليس في مجلس الأمن المشاركة في مناقشات المجلس دون حق التصويت، ويضع المجلس شروط مشاركة الدول غير الأعضاء في الأمم المتحدة والتي تكون طرفا في النزاع.
المراجع/ *تفسير الطبري / *وابن عباس