عمر علم الدين
رسول الله في الميدان بعد 1449 عامًا
بقلم : عمر علم الدين
هل تعلم أن الاحتفال بذكرى مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، هو الأكبر في تاريخ المسلمين وهذا ببساطة لأن عدد المسلمين هو الأكبر هذا العام فقد قارب على الـ2 مليار.. هل تعلم أن الاحتفال بالنبي هو الأضخم هذا العام منذ مولدة من 1449عام ، وهذا ببساطة لأن هناك توسعًا في وسائل الاتصال، تليفزيونات، وإذاعات وصحف ومواقع إلكترونية، يشاهدها ويسمعها المليارات من البشر.. سوشيال ميديا بالأنواع المختلفة كمواقع الإنترنت أو حتى الشبكات الاجتماعية عبر الإنترنت أو المدونات أو تلك التطبيقات الخاصة بالمنتديات"، فأنت إما شاركت التهنئة على الفيس وتحدثت عن ذكرى مولد المصطفى أو تلقيتها عبر الواتس أو شاهدتها على موقع آخر من مواقع التواصل الاجتماعي، ورغم هذا وذاك تراجعت أخلاقنا وتركنا سنته فتفاقمت أزماتنا ولو تعاملنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، كإصلاحي.. لتغيرت الدنيا، فالرسالة النبوية أخلاقية بامتياز، فقد قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، وحتى عندما بلّغ عن ربه بخيرية الأمة لم تكن مطلقة، بل قال: "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ"، وهذه أخلاقيات، ثم جاء بعدها الإيمان بالله.
ولو تصورنا أن النبي بعد مئات السنين من ذكرى مولده، جاء ووقف في ميدان كبير، لينظر كيف وصلنا بعد هذه الأزمان البعيدة، فقيل له يا رسول الله لدينا في المحاكم المصرية 60 مليون قضية، ونحن 100 مليون مواطن، لقال أين أنتم من سنتي في ذكرى مولدي، ألم أقل "ما عَمِلَ ابنُ آدم شيئًا أفضلَ من الصلاة، وصلاحِ ذات البين، وخلقٍ حسن"، ألم أقل: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟" قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ". ألم يكن الصبر نصف الإيمان، ألم يكن الإضرار بالناس كالشرك بالله.. ولو سمع أن معدل الطلاق وصل إلى 40% لقال أين أنتم من سنتي في ذكرى مولدي؟! ألم أوصيكم بالنساء خيرًا، ألم أقل لكم "لا يبغض" مؤمنٌ مؤمنة إن كرِهَ منها خُلُقًا رضي منها آخر، ألم أقل لكم خيركم خيركم لأهله.. فلماذا هذا الصراع والله جعل العلاقة بين الرجل وزوجته مبنية على الستر، فهي الأقرب إليه "هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ".
لوكان بيننا لطالبنا بثورة أخلاقية فقد غابت الرحمة وأصبح الفقير هو من يقهر الفقير، وهو من قال الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاء.. ولو كان بيننا لتعجب من غياب الوفاء فقد أصبحنا في زمن هو موجود طالما وجدت المصلحة، ونسينا وفاء النبي للأنصار، فحينما خشي بعضهم بعد أن انتصر أن يعود لقومه ويتركهم، تبسم - صلى الله عليه وسلم - وقال "أنا منكم، وأنتم مني"، ثم أوصى بهم في مرض موته فقال: "أوصيكم بالأنصار، فإنهم بطانتي وخاصتي، وقد قضوا الذي عليهم، وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم". لوكان بيننا النبي، اليوم، لذهل من حجم حديث كل منا عن الآخر، وهو الذي أمرنا بالستر عن الموجود، فكيف عن المفقود فقال: "يا معشر مَن أسلم بلسانه ولم يفضِ الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيروهم، ولا تتَّبعوا عوراتهم؛ فإنه مَن يتبع عثرات أخيه المسلم يتبع الله عورته، ومَن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله"، ورغم حديثك عن الناس لا تريد أحدًا يتحدث عنك ونسيت أن للناس سوءات ولِلناس أعين وألسن، وقبل أن يغادر النبي ميدانه لتأسى كثيرا على غياب التكافل الاجتماعي، وزيادة نسبة الفقر لتشمل عشرات الملايين، وقال أنسيتم قولي
"مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ"، وعندما سمع عن قوم يضيق بهم الحال يأتي كل واحد منهم بما لديه ويقسموه بينهم فيأكلون جميعا فقال صلى الله عليه وسلم: "هُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ"، لو كان بيننا في ذكرى مولده لطالبنا بالعمل أكثر وأكثر، ولحزن عندما علم أن معدل عمل المواطن العربي لا يتجاوز ساعة يوميًا، وفق الإحصائيات العالمية، وقال أنسيتم قولي: "إن قامتِ الساعةُ وفي يدِ أحدِكم فسيلةً، فإن استطاعَ ألا تقومَ حتى يغرِسَها فليغرِسْها".. فقد مر على النبيِّ وأصحابُه رجل قوي البنيان فقالوا: يا رسولَ اللهِ لو كان هذا في سبيلِ اللهِ؟! فقال: "إنْ كان خرج يسعى على ولدِه صغارًا فهو في سبيلِ اللهِ، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيلِ اللهِ، وإنْ كان خرج يسعى على نفسِه يعفُّها فهو في سبيلِ اللهِ".
لا يمكن لأحد أن يرفض مظاهر الاحتفال بذكرى المولد من حلوى وغيره، ولكن الاحتفال الذي يرضيه هو الاتباع، وهو ما فيه صلاح مجتمعاتنا فقد كان (دائم البشر، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا عياب.. أجود الناس صدرا وأصدق الناس لهجة، وأكرمهم عشيرة، من رآه هابه، ومن خالطه وعرفه حبه، لا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح، لا ينتصر لنفسه قط.. ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما.. كان يخيط ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه ويأكل مع خادمه ويساعده.. وإذا غضب أعرض وإذا فرح غض طرفه.. وكان يزور أصحابه، أفضل الناس عنده أعمهم نصيحة، وأعظمهم لديه منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة.. وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك، لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه. ويسلم مبتدئًا على كل من استقبله.. وسع الناس بسطه وخلقه فصار لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء.. وابتعد عن ثلاث "المراء، والكبر، وما لا يعنيه"، فإذا اقتدينا به وابتعدنا عما لا يعنينا فقد احتفلنا بمولده أعظم احتفال.