عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الدهاء اللغوي في صياغة قرارات مجلس الأمن "2"

الدهاء اللغوي في صياغة قرارات مجلس الأمن "2"

بقلم : سعدون بن حسين الحمداني

إن سلسلة هذه المقالات تخص بالدرجة الأولى القانون الدولي من الناحية اللغوية لقرارات مجلس الامن فقط ولن أتطرق فيها إلى المغزى السياسي أو المساس بصلب وجوهر القرار وموضوعه، وإنما فقط التحليل اللغوي والدهاء في صيغته والمصيدة لأعضاء الدول لمن لا يعرف نظرية التحليل اللغوي؛ لأن كثيرًا من القرارات التي تصاغ قادرة على أن تجعل من السم عسلًا، من خلال التلاعب في الصيغة والمفردة وتركيبة الجملة والأفعال والصفات المركبة وغيرها.



سوف أتطرق بهذا المقال إلى القرار رقم/670/ الصادر من مجلس الأمن الذي اعتمد في 25 سبتمبر1990 (أعتذر عن عدم نشره لطول القرار) ما يحتوي على براعة في الدهاء اللغوي في صياغته لكون القرار كله جملة واحدة تبدأ بالفاعل وهو مجلس الأمن وتنتهي بعد ذلك بالنقطة (عدة صفحات) وهي نهاية الحدث أو الجملة.

إن هذا التحليل لا يمس أبدًا بسيادة الدولتين الشقيقتين (العراق والكويت) ولا ينتقص من جوهر أو صلب القرار، وإنما هو دروس مستنبطة للجميع وخاصة لمندوبي الدول وكيفية التعامل مع كذا قرارات من خلال التحليل لكل بنود القرار ومفرداته.

فنلاحظ بأن الفاعل هو واحد وهو مجلس الأمن، أما الأفعال فهي كثيرة ومترابطة، فبتحليل بسيط لقرار مجلس الأمن المرقم 670 نلاحظ ما يأتي:

* لفظة /إذ/ تكررت (11) مرة، وهو حرف للمفاجأة وظرف لحدث ماض من الزمان ويضاف إلى جملة فعلية لغرض تأكيد الفعل الذي مضى.

أما الأفعال الأخرى فهي كالتالي: يؤكد تكررت (6) مرات، يطلب تكررت (4)، يقرر (4)، يلاحظ (2)، يدين (2)، وهي أفعال واجبة الوقوع والتطبيق على العراق؛ لأنها كلها بدأت بحرف "إذ " لتأكيد الفعل الماضي الذي لم ينفذ.

أما بالنسبة لعلامات الترقيم، الفاصلة (،) تكررت 58 مرة لذلك أعطت للقرار قوته ورصانته والفاصلة المنقوطة (؛) تكررت 13 مرة، ما أعطى للقرار تسلسل الأحداث، أما الأقواس وبقية العلامات فهي بأعداد ليست بالكثيرة.

ومن خلال التحليل اللغوي نلاحظ أن القرارات التي تمت صياغتها كانت سابقة لغوية وسياسية لا مثيل لها في تاريخ مجلس الأمن من حيث البلاغة اللغوية الراقية التي لا يمكن لمندوب أي دولة الاعتراض أو رفض أو تغيير أو إضافة أي فقرة على القرار؛ لأن القرار كله عبارة عن جملة واحدة، جملةً وتفصيلًا، والذي يحتوي على عدة أفعال في صيغة المضارع الواجبة التطبيق ولا توجد أي نقطة تفصل فعلا عن فعل آخر ما لم يترك أي مجال للنقاش أو النقض أو الإلغاء لمندوب العراق وعليه قبول القرار بكافة أفعاله وصفحاته الطويلة؛ لذلك نرى وجود هذا العدد الهائل من الفواصل في القرار الواحد أو الجملة الأمرية الواحدة التي تبدأ بالفاعل وهو مجلس الأمن وبعدها حرف التأكيد أو المفاجأة وهو (إذ) وبعدها الأفعال المضارعة الواجبة التطبيق والتنفيذ.

ونحن نعرف جيدا أن الجملة في كل لغات العالم هي عبارة عن فعل وفاعل ومفعول به، وقد تكون جملة فعلية أو اسمية مركبة أو جملة بسيطة لا يزيد طولها على سطر أو سطرين بالكثير، تفصلها النقطة ليبدأ فعل وحدث جديد، ولكن جملة طولها أربع إلى خمس صفحات أو أكثر تبدأ بفاعل واحد ومتسلسلة الأفعال والأحداث مترابط الحدث بمنطق سياسي معين وبهدف محدد له سابقًا، وأن كل القرارات التي تمت صياغتها كانت سابقة ليس لها مثيل في تاريخ الأمم المتحدة من حيث الصياغة التركيبية للقرار.

من هنا تظهر الحنكة المهنية للدبلوماسي ومندوب الدولة في أروقة الأمم المتحدة والجمعية العمومية ومجلس الأمن وعليه قبل أن يصوت بنعم أو لا، أو يمتنع على التصويت، عليه أن يقرأ بتمعن وتأنٍ، وأن يكون على دراية كبيرة بالصياغات القانونية ويبدأ بتحليل القرار من ناحية (علم المعنى، وعلم الكلمة وأخيرا النحو) وأن يرجع إلى أصل القرار باللغة الإنجليزية بجرد الأفعال وعلامات الترقيم وربط الصفات والجمل المركبة والاسمية والفعلية لمعرفة بيان معنى وجوهر القرار من حيث الإيجابيات أو السلبيات التي تؤثر على التصويت لأن كثيرًا من الأفعال المكتوبة لها مرود وفعل عكسي غير المكتوب، ومثال ذلك فقرة "أ" من القرار 242 الصادر عام  1967 "انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلت في النزاع الأخير"، وقد حذفت "ال" التعريف من كلمة "الأراضي" في النص الإنجليزي بهدف المحافظة على الغموض في تفسير هذا القرار. كذلك أوصى بالرجوع إلى أصل القرار والتأني في التصويت.

المراجع: معجم المعاني الجامع/ مجلس الأمن/ رسالة ماجستير تحليل قرارات مجلس الأمن

 

*دبلوماسي سابق

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز