عاجل
الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
طلعت حرب بقلم الموسيقار محمد عبدالوهاب!

طلعت حرب بقلم الموسيقار محمد عبدالوهاب!

بقلم : رشاد كامل

لم يكن «طلعت حرب» رغم شواغله وهمومه الاقتصادية بعيدًا عن أهل المغنى والموسيقى، وكان يكن إعجابًا وتقديرًا بلا حدود للموسيقار الكبير «محمد عبدالوهاب» ونفس الشىء  بالنسبة لسيدة الغناء «أم كلثوم»!!



ومن فرط إعجابه بها قرر أن يقوم بإنتاج فيلم مشترك بينهما، وبعد عدة جلسات بين الأقطاب الثلاثة (طلعت حرب وأم كلثوم وعبدالوهاب) تبخر حلم طلعت حرب بسبب خلاف فنى بين أم كلثوم وعبدالوهاب!!

ومحمد عبدالوهاب هو الذى غنى لبنك مصر فى عيد ميلاده الخامس عشر قائلا:

يابنك مصر دا عيدك

عيد الوطن والمال

يا ابن مصر الوفى

لك فى القلوب تمثال

روح الكفاح فى الحياة

خلقت رجال أعمال.. إلخ

لكن يبقى رأى «محمد عبدالوهاب» فى طلعت حرب جديرًا بالمعرفة والقراءة، ربما كان فيه درس للأجيال الجديدة، وفى السطور القادمة نص رأى الموسيقار محمد عبدالوهاب، الذى كشف عنه الشاعر الكبير الأستاذ «فاروق جويدة» فى كتابه البديع «عبدالوهاب وأوراقه الخاصة جدا» المنشور فى أكتوبر سنة 1993.

يحكى فاروق جويدة عن ظروف وملابسات العلاقة مع «عبدالوهاب» التى امتدت لأكثر من عشرين عامًا، وبعد رحيله فوجئ فاروق جويدة بالسيدة «نهلة القدسى» زوجة «عبدالوهاب» تعطيه أوراق عبدالوهاب الخاصة التى كان يكتب فيها خواطره، وكانت تلك رغبة عبدالوهاب نفسه.

وتسلم فاروق جويدة أكثر من ستمائة ورقة بعضها فى كراريس قديمة وقصاصات صغيرة ونوت موسيقية وأوراق فنادق، وقضى «فاروق جويدة» عامًا كاملًا مع هذه الأوراق وآراء وخواطر عبدالوهاب فى كل شىء البشر والحياة والسياسة والفن التى هى خلاصة عمره الثرى.

••

«طلعت حرب رائد الصناعة المصرية» كان هذا هو العنوان الذى اختاره الموسيقار «عبدالوهاب» لكلماته عن طلعت حرب حيث كتب يقول:

«طلعت حرب» هو أول من وضع الأسس الاقتصادية للصناعة فى مصر، وهو أول من أنشأ بنك مصر، وكان لا يوجد فى مصر إلا بنوك أجنبية وكان المصريون لا يودعون أموالهم إلا فى بنوك أجنبية.

وكان لشخصية طلعت حرب البارزة الفضل فى نجاح كل عمل قام به، كان الرجل صادقا لايكذب.. شجاعًا.. ذكيا.. عاقلا.. دعكته الخبرة وأصقلته التجارب وكان تكوينه الخلقى وسلوكه يبعث على الاحترام والشرف.

وقد قال لى زوج ابنته «محمد رشدى» بالحرف الواحد: أنا متزوج ابنة طلعت حرب من عشرين سنة وللآن عندما أقابل طلعت حرب أخاف مقابلته وأخشاها كأنى سآراه لأول مرة!

وعندما كنت أزوره فى مكتبه بالصدفة فى البنك ويعرض عليه تقرير أو خطاب آلاحظ أنه لا يقرأه كما يقرأ الناس من اليمين إلى الشمال أى كل سطر بسطر، بل كان ينظر إليه من أعلى إلى أسفل وفى لحظات يكون قد وعى كل ما احتواه الخطاب أو التقرير.

وكان نافذ البصيرة بدرجة إنى كنت أتصور أنه وهو جالس فى مكتبه ينظر أمامه على حائط الغرفة إنه نفذ ببصره مخترقا الحائط ورأى الموظفين فى البنك وماذا يفعلون!!

وقد استغل بذكائه الروح الوطنية التى بعثها «سعد زغلول» فى الأمة المصرية وأنشأ بنك مصر مستغلا حماس المصريين نحو كل عمل مصرى.

ولم ينتسب طلعت حرب إلى أى حزب، كما لم يصادق أبدا أحدا من البارزين فى الأحزاب السياسية حتى لا يأخذ حزب آخر هذه الصداقة ذريعة للنيل من مشاريعه!

وكان مصريًا صميمًا مع أنه تربى فى بيوت الأرستقراطية المصرية البعيدة عن المصرية!

ويمضى موسيقار الأجيال «محمد عبدالوهاب» قائلا:

وكنت أزوره مع «شوقى» - أمير الشعراء - فى الغرفة المخصصة له فى مسرح الأزبكية - وهو الذى أقام هذا المسرح - كنت أذهب مع «شوقى» فى التاسعة مساء لزيارة طلعت حرب، وهذه الغرفة كان يتناول فيها العشاء ليلا مع أصدقائه الخاصين جدا، وكان لا يحب إلا الأكل الشعبى مثل الفول المدمس والطعمية والعجة والجرجير والكرات!!

وكنا كثيرا نتناول العشاء معه وهو كباب من عند الحاتى، وكان يحلى بالبسبوسة أو بالحمصية والسمسمية أى حلاوة المولد.

وينتقل الموسيقار «عبدالوهاب» إلى جانب آخر من جوانب شخصية «طلعت حرب» وكما لمسها عن قرب فيقول:

«كان طلعت حرب» يكره الكذب كرها شديدا، وأذكر أنه فى الحرب العالمية الثانية خاف الناس على أموالهم بسبب قرب الألمان من الإسكندرية وسحبوا أموالهم من البنوك، وكنت وقتها أودع فى بنك مصر كل ثروتى وكانت أربعين ألف جنيه!!

وانتهزت فرصة سفر طلعت حرب للإسكندرية وذهبت إلى البنك وسحبت الأربعين ألف جنيه وأحضرت قماشا طويلا ووضعت النقود «رزما رزما» وخيطت عليها شبه حزام وأحضرت أخى الشيخ «حسن» وألبسته هذا الحزام واشترطت عليه بألا يركب تاكسي!! وإذا أراد الانتقال إلى أى مكان أرسل له سيارتى ونصحته ألا يقلع الحزام أبدا وينام به.. ويصلى به!

وبعد ثلاثة أيام كلمنى الشيخ «حسن» وقال لي: يا محمد أنا حاموت من فلوسك، لا عارف أصلى، ولا عارف أنام، ولا عارف أخرج.. تعال يا أخى وخلصنى من المصيبة دي!

وبعد أسبوع كلمنى «سيد كامل» سكرتير بنك مصر وقال لي: إن الباشا يريد رؤيتك!

فذهبت إلى البنك معتقدا أن الباشا سيكلفنى بعمل فنى فى افتتاح مشروع من مشاريعه، وكان قد سبق لى أن غنيت فى افتتاح البنك وأغنية فى افتتاح بواخر الحج.

فذهبت ودخلت على طلعت حرب وكان مشغولا بإمضاء بعض الأوراق وبعد قليل نظر إليّ وقال لي: يا محمد قلت له: أفندم يا باشا!

قال: أنت فى اليوم الفلانى الساعة كذا حضرت وسحبت أموالك من هنا أين هي!!

وفى لحظة تذكرت أنه يكره الكذب، وإننى لو كذبت فلن أراه إلى الأبد، فقلت: إن النقود عندي! فقال: ولماذا سحبت النقود؟! قلت: علمت بأن الألمان إذا دخلوا القاهرة سيسطون على أموالنا!

فقال لي: محمد بكرة الفلوس ترجع البنك! قلت حاضر يا باشا وفعلا أعدتها للبنك فى اليوم التالى.

وحكاية أخرى يرويها الأستاذ «عبدالوهاب» فى أوراقه الخاصة قائلا:

ذات شتاء كان طلعت حرب باشا يستجم فى حلوان يستمتع بدفئها ونظافة جوها، وفى هذه الفترة توثقت صلته بأحمد سالم الممثل المعروف وعينه مديرا لاستديو مصر، وكان هذا المنصب فى ذلك الوقت مهما ويتطلع إليه من هم أكفأ من أحمد سالم، وكان أحمد سالم يذهب كل صباح إلى حلوان فى الثامنة صباحا ويفطر مع الباشا ثم يذهب إلى الاستوديو فى الحادية عشرة حتى المساء!

وفى يوم من الأيام وهو يتناول الإفطار مع الباشا قال له الباشا:

- أحمد بكرة وأنت جاى الصبح هات معاك فول مدمس من عند أبوظريفة (وكان أبوظريفة أشهر من يبيع الفول) قال له أحمد: حاضر يا باشا!!

وثانى يوم حضر أحمد سالم ونسى أن يحضر معه الفول! ودخل على الباشا وقال له: صباح الخير ياباشا، فبادره الباشا سائلا: أحضرت الفول يا أحمد؟! قال: أيوه يا باشا، ثم تسلل إلى خارج الغرفة وأعطى جنيهات لأحد الخدم وقال له بسرعة اشترى فول من أقرب دكان!! ورجع أحمد إلى الباشا وقال له الباشا، أين الفول؟!

فقال «بيوضبوه يا باشا»!!

وانتظر خمس دقائق ثم عشرا ثم ربع ساعة  والباشا يسأل عن فول «أبوظريفة» وأخيرا حضر الفطور وبه الفول ثم ذاق الباشا الفول فلم يجد فيه جودة فول أبوظريفة التى يعرفها، فقال لأحمد: الفول ده من أبوظريفة؟!

فقال أحمد: أيوه يا باشا!! ثم تبين للباشا بعد يوم أن أحمد سالم كذب عليه وأحضر الفول من حلوان وليس من عند أبوظريفة، وبعد يومين كان أحمد سالم مطرودا من استوديو مصر، وحاول أحمد بكل الوسائل أن يسترد ثقة طلعت حرب فلم يفلح!!

ويعلق الأستاذ «عبدالوهاب» على تلك الواقعة قائلا:

تذكرت هذا الذى جرى بين «طلعت حرب» وأحمد سالم وكراهية طلعت حرب للكذب وأنا أقرأ حكمة لسيدنا «على بن أبى طالب» كرم الله وجهه يقول فيها:

- الكذاب والميت سواء، وذلك لأن فضل الحى على الميت هو الثقة به فإذا ضاعت هذه الثقة فهو ميت.

وأخيرا يختتم «عبدالوهاب» كلماته قائلا:

ولقد رأيت طلعت حرب فى المحلة الكبرى يحضر مجلس إدارة لشركة النسيج وكان فيها مدحت يكن وعلى ماهر، لقد رأيتهما يجلسان أمام مدرس يأمرهما ويوافقان رغم أنه كان زميلا لهما».

وللحكاية بقية!

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز