رحيل .. بلا وداع
بقلم : د. داليا مجدى عبدالغنى
أصعب ما يحدث في العلاقات الإنسانية الجميلة، أن تنتهي بين أطرافها بلا وداع، والسبب أن أحد الأطراف يكون قد أتى بسلوكيات، تُجبر الطرف الآخر على الرحيل، دون أن ينطق بكلمة وداع واحدة.
والغريب أن هذه العلاقات غالبًا ما تكون من أقوى العلاقات الإنسانية، لدرجة أن كليهما كان يشعر أن الحياة لا يُمكن أن تستقيم، أو تستمر، بدون الطرف الآخر، ولكن رغم كل ذلك، يضطر أحدهما أن يرحل بلا وداع.
فكيف يتسنى له أن يُودع إنسانًا، قد تسبب في إيلامه أشد الآلام، ماذا سيقول له، أرى وجهك بخير، وهل هو بالفعل يُريد أن يراه مرة أخرى ؟! أم سيقول إلى اللقاء، ولكن كيف وهو ينوي ألا يلتقيه إلى الأبد، أم سيقول وداعًا، فهذه هي الكلمة الوحيدة التي لا يجب أن تُقال، فهي إحساس أكثر منها لفظ ومعنى.
وهنا يأتي الطرف الذي لم يتم وداعه، ويُلقي بتبعة اللوم على الطرف الآخر، مُتهمًا إياه بالغدر والخروج من حياته، بدون أسباب واضحة، ومُبررات مُستساغة، وينسى أو ربما يتناسى سُلوكياته التي أجبرت الآخر على أن يُؤْثر الرحيل على البقاء والوداع، على اللوم والعتاب.
فيا ليت كل إنسان يُفكر ألف مرة في تبعات سُلوكياته وأفعاله على من يُهمه وجودهم في حياته؛ حتى لا يخسرهم إلى الأبد، بسبب كلمة أو موقف أو تصرف، لأن الجرح إذا أصبح غائرًا، قتل معه كل الأحاسيس الجميلة والمشاعر النبيلة، وآثر صاحبه أن يترك الملعب بكل ما أحرزه من نجاحات ومُكتسبات، فالرحيل هنا يكون هو الملاذ والمأوى، الذي لا مفر منه.
فإذا صادفت في يوم ما شخصًا عزيزًا عليك، قد رحل دون أن يُودعك، فقبل أن تلومه بينك وبين نفسك، وتشكيه للآخرين، ارجع بذاكرتك إلى الوراء، وحاول أن تستكشف سُلوكياتك معه، وهنا فقط ستقف على سبب الرحيل بلا وداع.