عاجل
الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
عودة إلى عقل الدولة.. حقوق الإنسان

عودة إلى عقل الدولة.. حقوق الإنسان

بقلم : أيمن عبد المجيد

دعني أفضي لك عزيزي القارئ بسر النجاح، ببساطة عندما تستطيع أن تختصر الوقت بين التفكير والتخطيط والتنفيذ إلى نقطة الصفر، بينما الفشل يتسلل إلى حياتك.



عندما تُعلق أحلامك على شماعة انتظار فرص التنفيذ، التي لا تأتي، وأنت تبحث عن مبررات للفشل، بينما غيرك يضع حلولًا بديلة للتحديات.

والدول كما البشر، فشلت علميًا، عندما جعلت أبحاثها حبيسة الأدراج، وتنمويًا عندما كبّلت خطط تنميتها بتحديات الخوف من آثار جراحات الإصلاح.

فشلت الدول عندما التحفت بثوب الحضارة، بينما الروح جاهلية، طائفية، قبلية مذهبية، فمع أول صدمة يتمزق الثوب، فتنكشف العورة.

نزع الاحتلال الأمريكي ثوب الحضارة الزائف في العراق، فظهرت عورة الطائفية والمذهبية العرقية القاتلة، فتطرف الأشقاء في انحيازاتهم للقوى الإقليمية والعصبية المقيتة، فسالت الدماء على أشلاء الدولة.

«خلاصة القضية، توجز في عبارة، لقد لبسنا قشرة الحضارة، والروحُ جاهلية»، لخصها الرائع نزار قباني على هامش دفاتر نكسة ١٩٦٧.

٤٤ عامًا فاصلة بين نكسة ٦٧، وطوفان ٢٠١١، وما سبقه من توسونامي العراق، الذي أشعله الاحتلال الأمريكي، بنزع قشرة الحضارة، قبل أن يُلقي بمعول الهدم لأبناء الوطن، ليأتوا على ما تبقى من حطامه.

لم تُرزق تلك الدول عقلًا راجحًا، والتي رُزقت عجزت عن تفعيل خططتها، خسرت دولنا العربية فرصة زمنية عبقرية، ثلاثة عقود تالية لانتصار أكتوبر ١٩٧٣، ترنح خلالها الصهاينة تحت وقع الضربة العربية وخلفهم الأمريكان.

تلك السنوات كان بالإمكان، بالتوازي مع استعادة بناء قشرة الحضارة الخارجية، أن ننتبه إلى تعقيل الفكر الجمعي، وتهذيب الروح، لاقتلاع بذور الجاهلية، تلك التي يلتقط الأعداء بعضها لزراعة الكراهية في مجتمعاتنا.

أتذكر ذلك اليوم، وأنا أتلمس خطوات مصر، على درب بناء حضارة الروح، أشتم نسيم عقل الدولة، المتناغم مع جسدها، وأطرافها، فتسير مستقيمة، مرفوعة الرأس، مختصرة الزمن بين التخطيط والتفنيد لنقطة الصفر.

تقفز مصر على أسباب نكساتنا العربية، التي كان من أبلغ أعراضها هستيريا الخطابة، والشعارات العنترية، ترصد مصر في صمتٍ التحديدات، تدرسها وتضع خططًا وحلولًا منطلقة من القيمة والثوابت الوطنية والحالة المصرية.

الأمل مبعثه إدراك الدولة أن كنزها هو الإنسان، وخططها تبدأ وتنتهي عند الارتقاء بقدراته وتعزيزها، اقتصاديًا وفكريًا وصحيًا وعلميًا.

الفهم الصحيح لحقوق الإنسان، والعمل على تعزيز هذه الحقوق، لبلوغ مرحلة جودة الحياة، لاستعادة مصر الحضارة، الروح والجسد، المظهر والجوهر.

حقوق الإنسان ليست شعارات جوفاء، كالتي كان يبتاعها نشطاء السبوبة عبر دكاكينهم، التي كانت وما زالت تُسمى منظمات حقوقية، فيحصدون ملايين الدولارات تمويلًا، بلا أثر على الأرض، سوى بعض التقارير العميلة، التي يستند عليها الممولون لابتزاز الأنظمة الحاكمة.

للدولة عقل استراتيجي، يصوّب المفاهيم، وفي القلب منها حقوق الإنسان، يرصد القصور ويضع خطط تصويبها لحظيًا، فأي حق للإنسان أولى من الحق في الحياة؟ وأي مهدد لحقوق الإنسان أخطر من الإرهاب؟! 

فكان النجاح الساحق في الحرب على الإرهاب، وبسط الأمن على ربوع الوطن، وبالتوازي كانت الحرب، وما زالت، في مواجهة مهدد أخطر للحق في الحياة، ألا وهو وحش الأمراض المفترس.

فكان الصراع مع وحش فيروس "سي"، الذي يفترس الأكباد، وغول قوائم الانتظار في المستشفيات، الذي يلتهم كثيرًا من سكان الطابور، قبل أن يُصيبهم دور غرفة العمليات.

كثيرة هي وحوش المرض، من أورام سرطانية، لفيروسات، لحضانات، لكن الأمل فيما هو آتٍ في مواجهة لا هوادة فيها، بما يطلقه الرئيس من مبادرات ومشروعات، تبلغ ذروتها بالتأمين الصحي الشامل.

حرية العقيدة، والحق في بناء دور العبادة، من حقوق الإنسان، التي عززتها مصر، بقانون دور العبادة الموحد، وقد أعلن المستشار عمر مروان، وزير الدولة لشؤون مجلس النواب، خلال عرضه لتقرير مصر أمام مكتب الدورة الرابعة والثلاثين لآلية الاستعراض الدوري الشامل، بالمجلس الدولي لحقوق الإنسان بجنيف، أنه تم تقنين أوضاع ١٢٢٣ كنيسة وملحقًا إداريًا بها، حتى نهاية أكتوبر.

هي تشريعات وتحركات فعلية على الأرض، تُعزي الروح الحضارية، روح الوطنية والمواطنة، بدأها الرئيس بزيارات للكاتدرائية لتهنئة المصريين في الأعياد المسيحية، ثم بافتتاح مسجد الفتاح العليم، بالتزامن مع كاتدرائية المسيح بالعاصمة الإدارية الجديدة.

المواطنة، حق من حقوق الإنسان، وحرية العبادة، والعدالة تُقوي من اللُحمة الوطنية، في مواجهة سموم الطائفية، التي تغذت عليها لسنوات الروحُ الجاهلية.

ومع الأمن والأمان وحرية التعبد، يبقى الإنسان منقوص الحقوق، إذا كان يسكن الرصيف أو المقابر والعشوائيات، فكانت الحرب على العشوائيات، التي انتصرت فيها مصر، ونقل مئات الآلاف لمساكن كريمة.

المستشار عمر مروان، القاضي الجليل، قبل أن يكون وزيرًا، فهو قامة مصرية عظيمة، له في قلبي محبة، عبّر عن مصر الدولة، بما يليق بإصلاحاتها، خلال كلمته بجنيف، كشف عن عقلها المنظم والمرتب، وصدق نواياها وإنجازاتها الإصلاحية الحقيقية في ملف حقوق الإنسان.

فقد تطرق الوزير القدير، إلى عدة ملاحظات، دورة التقييم الشامل السابقة، التي وجهها المجلس التابع للأمم المتحدة لمصر، وعددها ٣٠٠ ملاحظة، قبلت مصر منها ٢٢٤ ملاحظة بشكل كلي، و٢٣ ملاحظة بشكل جزئي، ورفضت ٢٣ ملاحظة، وأحيطت علمًا بـ٢٩ ملاحظة، واعترضت على ملاحظة واحدة.

وأضاف الوزير، في مستهل عرضه لتقرير مصر، عملت مصر بدأب على مدار خمس سنوات، للوفاء بما قبلته من توصيات، لكنه أكد أن هذا العمل، جاء انطلاقًا من رؤية وطنية شاملة، وسياسة وطنية تعمل على دعم وتعزيز حقوق الإنسان، تفعيلًا لنصوص الدستور المصري، والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.

ووفق أولويات تفرضها الحالة المصرية، فقد وازنت مصر بين حربها على الإرهاب، وما يتطلب ذلك التحدي من إجراءات، وما تستوجبه حقوق الإنسان من حماية.

الوزير تجوّل من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، إلى التشريعية، وغيرها من الحقوق، متحدثًا بالأرقام، فقد تحسن متوسط الدخل من ٢٨ ألفًا للفرد سنويًا، إلى ٥٢ ألفًا، وانخفض معدل البطالة بفعل الإصلاحات من ١٢.٨٪ في ٢٠١٤، إلى ٧.٥٪ في الربع الثاني من ٢٠١٩، مع ارتفاع الاحتياطي النقدي إلى ٤٦ مليار دولار.

إصلاحات اقتصادية، ناجمة عن جراحات مؤلمة للشعب، بيد أنها كانت ضرورية لاستئصال ورم سرطاني، كان تفشيه يُهدد حياة دولة، والحمد لله بدأ التعافي، وفي انتظار إنهاء مرحلة النقاهة ليشعر المواطن بثمار الإصلاحات.

مفهوم شامل لحقوق الإنسان، الحق في حياة كريمة، وقضاء عادل، وتنافسية معيارها الكفاءة، لا الوساطة والمحسوبية، جودة حياة من خدمات وبنية أساسية، مواطنة، ومساواة، ورعاية اجتماعية للفقراء.

هل بلغنا الذروة؟! قطعًا لا.. لأننا على بدايات الطريق الصحيح، ونسير بسرعة تفوق المتوقع، نتجه نحو بناء الحضارة، الروح والجسد، فالدولة تتسع رقعة العمران بها، وترتقي ببنيتها التحتية، بما ينعكس على جودة الحياة، تأخذ بيد من كبله الفقر ببرامج رعاية اجتماعية.

بناء الإنسان هو الطريق، الإنسان العقل والجسد، العلم والحضارة، كنز مصر الحقيقي، بدأت مصر العاقلة على الطريق الصحيح، وتواجه العالم بما تنجزه، وإن شاء الله، ستحقق أهدافها، لتستعيد حضارتها في عصرها الحديث، لشعبها وأجياله القادمة.

 

http://[email protected]

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز