عاجل
السبت 12 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
التلامذة في المدرجات والأساتذة في الملعب

التلامذة في المدرجات والأساتذة في الملعب

بقلم : أيمن عبد المجيد

سبق أن كتبت مقالًا بعنوان "الرهان على المستقبل"، وآخر بعنوان "صناعة الرياضة"، واليوم أبطال مُنتخب مصر الأولمبي تحت ٢٣ سنة، يؤكدون ذلك، بتأهلهم البطولي إلى أولمبياد طوكيو 2020.



هؤلاء الأبطال يبعثون برسالة أمل، تؤكد أن مصر تسير في خطوط متوازية لمستقبل أفضل وأروع، طالما هناك رؤية واستراتيجية، مدعومة بإرادة سياسية، ومنظومة عمل علمية.

عقل الدولة المصري، صاغ استراتيجية تنمية شاملة، تستهدف السير بجميع القطاعات في خطوط متوازية، تنمية اقتصادية، انطلاقًا من بنية تشريعية، وتنويع مصادر الدخل القومي، ونهوض بالبنية الأساسية، ومضاعفة الرقعة العمرانية، ٤٠ مدينة جديدة.

بناء الإنسان، محور رئيس في استراتيجية التنمية، فكريًا، وعلميًا، وصحيًا، فهو الركيزة الأساسية للمنظومة البحثية، وللمنظومة الرياضية، ومضخة الدماء في شرايين مؤسسات الدولة، عسكرية ومدنية، لاستعادة القوة والحيوية.

الرهان الصادق على المستقبل، بالقضاء على الوساطة والمحسوبية، واعتماد الكفاءة معيارًا وحيدًا للتواجد في الفرق والمنتخبات، وحتى الوظائف والمواقع القيادية والتنفيذية.

يظهر أثر ذلك جليًا، في الرياضة تحديدًا، بكل عناصرها، مدربين ومديرين فنيين، قبل اللاعبين، فالرياضة صناعة تبدأ بالتنقيب عن المواهب، وتبني الأشبال، لصقلهم بدنيًا، وفنيًا، ومهاريًا، لتتبوأ مصر مكانتها التي تستحقها على خريطة الرياضة العالمية.

وقد بدأت مصر السير على الطريق العلمي، فسبق وأطلقت هيئة الرقابة الإدارية مشروع اكتشاف المواهب، عبر لجان فنية تجوب محافظات مصر.

ولقد أثمر الاختيار العادل، لأعضاء المنتخب الأولمبي تحت ٢٣ سنة، والإدارة الفنية، ثم التخطيط والتحفيز، واللعب بروح بطولية وعزيمة لا تلين، إلى تحقيق هذا النجاح العظيم، الذي نأمل أن يتضاعف في أولمبياد طوكيو ٢٠٢٠.

وقبلهم حقق أبطال مصر الشباب، إنجازات، بالحصول على كأس العالم لكرة اليد، فضلًا على عشرات الإنجازات لأبطال الألعاب الفردية، فمصر مئة مليون مواطن، ٦٠٪ منهم شباب، دولة شابة، قوة العمل والإبداع بها ضاربة، قوتها البشرية ثروة، إذا نجحنا في خطط تطوير التعليم والصحة، وفرز الكفاءات في كل المجالات.

ما يحدث ليس وليد المصادفة، بل العمل وفق خطط واستراتيجيات، وقفت على جذور المرض، لم تكتفِ بالعرض، وقدمت العلاجات، لا المسكنات، فكانت بشائر الإنجازات.

ما يعزز ذلك، هو تخلص مصر من آفة الجزر المنعزلة، ففي السابق كنّا نعاني، من عمل الوزارات بأسلوب الجزر المنعزلة، فتتقاطع السياسات تارةً، وتتناقض تارة أخرى، يأتي وزير ليلغي ما سبقه، ويبدأ هو من الصفر، ساعيًا لترك بصمته التي سرعان ما تُمحى برحيله.

اليوم انظر للعمل، تجده استراتيجيات، لتحقيق أهداف عامة، وهي التنمية الشاملة، لتعظيم القدرة الشاملة للدولة، وتتكون الاستراتيجية من عناصر متداخلة ومتشابكة، لكلٍ منها أهداف فرعية، تروس تتشابك وتتداخل؛ لنقل الدولة للأهداف العامة.

كل وزارة، الآن، تنفذ خططًا، قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، لا ترتبط برحيل أو بقاء مسؤول تنفيذي، بل وجميع الوزارات تعمل في تناغم، كجسد واحد.

اليوم في الملعب، كان الأساتذة الأبطال، وفي المدرجات كان التلامذة، يدعمون ويشحذون الروح الوطنية.

نعم في المدرجات كان التلامذة طلاب المدارس ١٠ آلاف، نظمت لهم وزارة التربية والتعليم رحلات من الإدارات التعليمية بالقاهرة والمحافظات، لتشجيع المنتخب المصري، الشباب.

هذه المبادرة، جاءت بدعوة من وزير الشباب المجتهد الدكتور أشرف صبحي، ورحب بها ونفذها الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم، فبات بإمكان الطلاب، الاستمتاع بكرة القدم في الاستاد، ودعمًا لإنجاح البطولة الإفريقية، والظهور بمظهر حضاري، بل وتغذية روح الوطنية في نفوس الطلاب بطرق غير تقليدية، عبر النشاط والترفيه.

وبالأمس القريب كان توقيع بروتوكول التعاون بين وزيرة السياحة، رانيا المشاط، والدكتور طارق شوقي، للتعاون فيما بينهما لتنظيم رحلات سياحية للطلاب، للتعرف على مقاصد بلدهم وجمالها وتاريخها، بالإضافة إلى تضمين المناهج الدراسية الخريطة السياحية لمصر، وأخلاقيات التعامل مع السياح.

عمل جماعي متداخل بين الوزارات، لتحقيق أهداف وطنية، لتطوير الشخصية المصرية، معرفيًا ونفسيًا.

فوزارة الصحة تعمل على الجسد، تُعالج وتفعّل الوقاية بالكشف المبكر، والتعليم تبني العقل، والرياضة تتعاون للترفيه، والتوعية.

بينما النبيلة، شعلة النشاط، نبيلة مكرم وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج، تعمل على الوصول لكل مصري بالخارج، تُدعم من يحتاج لدعم، وتدعو العلماء والمستثمرين المهاجرين، لزيارة وطنهم والوقوف على ما شهده الوطن من بناء، عبر مؤتمرات "مصر تستطيع"، التي تُحقق نجاحًا كبيرًا في تصحيح الصورة الذهنية.

ليس هذا فقط، بل إشراك عقول مصر المهاجرة، ومستثمريها في معركة بناء مصر الحديثة، والأهم هو ما فعلته وتفعله، من دعوة الجيلين الثاني والثالث من أبناء المصريين بالخارج لزيارة مصر، للتعرف على وطنهم، واستثارة جينات الوطنية داخلهم، قبل أن تضمر بفعل الميلاد في الخارج، ونار البعد وصقيع الغربة.

أقترح، وأتمنى دراسة تلك المقترحات:

أولًا: أن تُعمم تجربة رحلات الطلاب للتشجيع، فلا تكون مقصورة على منتخبات كرة القدم فقط، بل ينبغي أن تكون أيضًا لتشجيع أبطال الألعاب الفردية، بالتوازي مع العمل على غرس ثقافة ممارسة الرياضة، فلا ينبغي اختصار الرياضة في التشجيع فقط، ثم اختصار التشجيع في لعبة كرة القدم فقط.

ثانيًا: أن يضع مجلس الوزراء، خطة سنوية، يتعاون في تنفيذها، وزارات التربية والتعليم والتعليم الفني، والشباب والرياضة، والتعليم العالي والبحث العلمي، والسياحة والثقافة والآثار، والهجرة وشؤون المصريين في الخارج.

تلك الخطة، تستهدف وضع جدول استثمار إجازات منتصف ونهاية العام، فضلًا على بعض أيام الدراسة، في بناء الطلاب، معرفيًا وتثقيفيًا، عبر الخبرة المباشرة، بخط الحضارة المصرية الممتدة من شواهد حضارة الماضي، إلى إنجازات الحاضر.

وذلك عبر زيارات ميدانية، إلى مقاصدنا السياحية التاريخية عبر سياحة تثقيفية، وجمال الطبيعة للمقاصد الشاطئية والتوعوية، عبر زيارة المشروعات القومية الحديثة، ما أُنجز وما يجرى إنجازه.

المشروع يمكن أن يُخطط له اقتصاديًا، إلى جانب التخطيط العلمي، من خلال جلب رعاة، فالرحلات الشبابية يمكن أن تستهوي رعاية جميع منتجي ما يستهلكه الشباب من أغذية، وملابس، وأدوات رياضية، حتى الفنادق المستضيفة، وماركات السيارات، لتخفيف كلفة المشروع عن كاهل الوزارات.

ثالثًا: تنظيم بطولات رياضية للطلاب؛ لتتنافس المدارس في كل الألعاب، بحضور مشجعين من الطلاب، ومسابقات علمية ورياضية، لتحويل ممارسة الرياضة إلى ثقافة.

رابعًا: يتم تنظيم جدول دعوات لأبناء المصريين المهاجرين، يتم دمجهم في رحلات طلاب الداخل، لتهجين الثقافة المهاجرة بالوطنية، وبناء علاقات تواصل بين أبناء الجيل الواحد في الداخل والخارج.

أبناء الجيلين الثاني والثالث، سيتحولون حينها لسفراء لوطنهم، بين مجتمعاتهم التي يعيشون فيها، وستنشط جينات الحنين للوطن، فيصبحون سفراء ومدافعين ومروجين لمقاصده السياحية.

بهذا المقترح، يمكن أن ننتشل الشباب في الإجازات وغيرها، من بئر الفراغ، التي يسقطون فيها، على أجهزة الكيبورد، التي تنقلهم إلى عالم افتراضي يفترسهم ويُخرّب وعيهم الجمعي.

بهذا يمكن بناء الوعي العام، الناتج عن خبرات مباشرة، وبناء معرفي وثقافي، منطلق من النشاط والترفيه، لا التوجيه والتلقين، كفانا مدرسين تقليديين، سواء في المدارس أو برامج الفضائيات.

الدولة العصرية بدأت العلاجات الجذرية، ولتُكمل بطرق غير تقليدية.

تحيا مصر وشعبها الأبي.

 

[email protected]

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز