عاجل
الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
طلعت حرب وباريس عاصمة النور والسرور واللهو!

طلعت حرب وباريس عاصمة النور والسرور واللهو!

بقلم : رشاد كامل

فى كل رحلات «طلعت حرب» إلى العواصم الأوروبية كان الطلبة المصريون فى جامعات هذه الدول على رأس مستقبليه وأول الحاضرين لحفلات التكريم التى كانت تقام له !



كان طلعت حرب قد أصبح قدوة ومثلاً أعلى بالمعجزة الاقتصادية التى قام بها من إنشاء بنك مصر إلى إقامة عشرات المشاريع الاقتصادية وبدوره كان طلعت حرب يؤمن بأن  شباب مصر هم أملها وقوتها بما يحصلون عليه من علم وتعليم،  سواء فى مصر أو خارجها!

وأثناء زيارة «طلعت حرب» لباريس فى سبتمبر سنة 1925 أقامت الجمعية  المصرية حفل تكريم له، حضره عشرات الأسماء المهمة،  وفى كلمة «محمود فخرى باشا» وزير مصر المفوض بباريس أشار لوجود الطلبة قائلا :

 «صديقى طلعت بك : إنى عندما أراك فى هذا المجلس  الحافل، وشباب مصر الناهض من حولك مبتهجين بقدومك، مستبشرين بمشروعك يتمثل أمامى قوله تعالى : «المال والبنون زينة الحياة الدنيا»  وأى زينة أبدع فى نظر ممثل مصر فى هذه البلاد من أن يرى قوى بلاده المالية ماثلة أمام أعينه فى ديار الغرب، وبجانبها قوى بلاده الفكرية ممثلة فى هذا الشباب الناهض قدوة الشبان وذخر البلاد»و.. و..

وبدوره ألقى  طلعت حرب كلمة شاملة فى هذا الحفل تحدث فيها عن باريس عاصمة النور والسرور عاصمة العواصم، باريس اللهو والسرور وباريس العلم من خلال جامعة السوربون حيث يقول :

لقد كان لهذه الجامعة فضل عظيم فى تكوين فئات من المصريين منذ بعثات «محمد علي» العلمية التى أخرجت «على مبارك» والفلكى  «محمود» وإسماعيل وبهجت ومحمد على الحكيم وغيرهم من الأدباء والمهندسين والأطباء  وبعثات الجامعة المصرية والحكومة أخيرا.

 والطلبة الحاليون فى هذه المدينة والطلبة المصريون الذين يُحتمل أن يقصدوا إليها فى المستقبل، جديرون بأن يقتفوا آثار سلفهم من متخرجى جامعة باريس، جدير بهم أن يستقوا العلم من مناهله الحقة، وأن ينتفعوا بالفرصة السعيدة التى أتاحت لهم تلقى العلم على جماعة من أكبر أساتذة العالم وأن يعودوا إلى بلادهم علماء حقا قادرين على خدمتها، والأخذ بأيديها فى طريق النجاح والفلاح.

••

ولم ينس طلعت حرب فى كلمته أن يوجه نصائحه كأب لهم فقال :

«نعم  إنه يكون من الشاق على الطالب الأجنبى فى هذه المدينة المائجة المملوءة بدواعى اللهو والمسرات أن يضغط على شبابه، ويقاوم فى هذا الوسط الجذاب أسباب الخلاعة المحيطة به!!وإنى لا أستطيع أن أقسو على الشباب فأتجاهل طبيعته أو أنكر حقه فى اللهو وانشراح النفس والحبور، ولكن هناك لهو – كما يقول أهل هذه البلاد – ولهو !!

هناك لهو مصحوب باحترام النفس، والقدرة على ضبطها، والحذر من ابتذال الكرامة، والحرص من الوقوع فى أى سبب من أسباب المكروه الأدبية أو الخلقية أو الصحية!!

وهناك لهو آخر ينحدر به الإنسان إلى بخس النفس قدرها، والعجز عن كبح جماحها، وإلى تضييع الكرامة والتخبط فى ظلمات كل مكروه.

 وبين هذا اللهو وذاك فرق شاسع، على أن للهو البرىء ساعة وللجد فى تحصيل العلوم ساعات، والعاقل الفائز من عرف كيف يعتدل فى حياته، فلا تفريط فى الجد ولا إفراط فى اللهو!

ثم ينتقل طلعت حرب إلى نقطة أخرى أكثر أهمية وهى (العقلية المصرية) وكيفية إيجادها فيقول :

وأنتم تحمدون  على اختياركم الجامعات الفرنسية لإتمام دراستكم العالية والخاصة بها، لما يترتب عليه من نفع يعود على وطنكم.

وبيانه هو أن تعدد  الجهات والأمم والدول الأجنبية التى يقصد إليها الطلبة المصريون مرغوب فيه أكثر من توجيه أبنائنا  المصريين إلى جهة أمة أو دولة واحدة، وذلك لأن توحيد الجهة التى يقصدون إليها من شأنه أن يجعل العقلية المصرية المتعلمة فى الخارج تتأثر بطابع الدولة التى تم التعليم فيها، إلا لمن استطاع أن يخرج بعقلية مستقلة، وهو ما لا يكون إلا عند جبابرة الذكاء !

ولا يخفى ما يترتب على التأثر بطابع التهذيبات فى دولة واحدة من الأثر الذى قد يكون غير محمود فى حياتنا القومية، بخلاف تنويع البلدان والدول التى يقصد إليها الطلبة المصريون، فإن من شأنه أن يجعل عدة جماعات من المصريين المتعلمين تعليما عاليا موسومين بسمة التهذيبات  المختلفة التى أثرت فى تكوينهم العقلى، فيحدث من احتكاكهم فى العمل بعد عودتهم إلى مصر اتصال فكرى وعقلى يجعلهم يتقربون بعضهم إلى بعض تقربا يساعد على إيجاد عقلية مصرية ممتازة بذاتها، مستقلة فى مجموعها عن أثر الدولة التى استكمل فيها المصرى علومه العالية.

 وهذه العقلية الممتزجة المتشابهة، هذه العقلية المستمدة من  تهذيبات الشعوب المختلفة، هذه العقلية القائمة على الملكة العلمية المشتركة بين البلاد دون أن تكون متأثرة بالبلدة التى تم تكوينها فيها، هذه العقلية التى يجب أن تكون مشتركة فى طرق العلم، الثابتة مع أسمى الأمم الغربية، دون أن تصبغ بمميزات هذه الأمم وخواصها !

هذه العقلية التى نريدها فى شبابنا المتعلمين، ومتخرجى الجامعات، سامية عالية تناطح العقليات فى سمو إدراكها، هذه العقلية ينبغى أن تتكون بجهود المتعلمين أنفسهم، حتى  تكون مصرية : لا عقلية ألمانية ! ولا عقلية إنجليزية، ولا عقلية فرنسية ولا عقلية أجنبية أخرى !

وهذه العقلية يجب أن تكون مصبوغة بخواص الذكاء المصرى، ومرآة صادقة للحس من الطبع المصرى، فلا يفيد تعلم ولا تعليم ما لم يكن منطبقا على طبيعة الإنسان وتكوينه العقلى والخلقى فى زمان ومكان محددين !

••

 ومضى طلعت حرب  يسهب ويتوسع فى فكرة «العقلية المصرية» فقال :

نريد إذن عقلية مصرية متشابهة فى سموها مع أسمى الأمم ثقافة، ونريدها عقلية مصرية مستقلة، عقلية هى وليدة ماضينا الذى لا مفر من تأثيره فينا، ووليدة حاضر نسعى إلى أن نربطه بماضينا   كما نسعى أن نقوده ونسير إلى مستقبل حسن، والمستقبل وإن يكن بيد الله، إلا أنه إلى درجة ما بيد القوم ولا يغير الله حتى يغيروا ما بأنفسهم !

خذوا اليابانيين مثلا، تروا أنهم اقتبسوا من أمم الغرب أشهر ثمرات العلوم والفنون، غير أن عقليتهم بقيت دائما عقلية يابانية، وثقافتهم ثقافة يابانية، مشتركة مع الأمم الغربية فى الأصول الثابتة من رأس مال البشرية العقلى العام، ولكنها عقلية مستقلة وثقافة مستقلة !

وإذا وجدت مثل هذه العقلية الممتازة فى أقلية ممتازة هى ذخر التقدم فى كل عصر وكل بلد، فإن ضوءها  يمتد كضوء المنار على سواء المجموع، فتصبغ عقلية الأغلبية  بصبغتها، متخذة الجامعة وسيلتها والجامعة سائقة المدارس الأخرى فى أثرها !

ولعل هذا الاعتبار الذى  بسطانه لحضراتكم، القاضى  بضرورة تنويع البلاد التى يقصد إليها  الطلبة المصريون هو الذى حدا أخيرا بلجنة البعثات العلمية المصرية إلى توجيه الطلبة المصريين المبعوثين على نفقة الدولة المصرية إلى دول متعددة من أنحاء العالم الأوروبى والعالم الأمريكي.

 ويختتم  «طلعت حرب» حديثه بالكلام عن «بنك مصر» فيقول :

«أرانى مقصرًا إذا أنا ختمت حديثى معكم دون أن أقول لكم كلمة عن بنك مصر الذى هو موضوع التكريم فى هذه الحفلة لا شخصى، الضعيف، فما أنا إلا واحد من جماعة من المصريين اتفقت كلمتهم على خدمة بلادهم عن طريق العمل والاقتصاد فصحت عزيمتهم وساروا على بركة الله، متخذين شعارهم الإخلاص وأسسوا بنك مصر فأخذ الله بيدهم وأتاح لهم النجاح التام، حتى أصبح فى مصر مصرف قومى ثابت البنيان قائم الدعائم مؤسس بأموال مصرية، ومُدار بإدارة مصرية، وصار ركنا من أركان البلاد الاقتصادية بشهادة جميع المصريين على اختلاف نزعاتهم وميولهم الحزبية ومعتقداتهم الدينية، لأنه بنك مصر – ومصر أم الجميع – بل بشهادة كثيرين من الأجانب أنفسهم »

وللحكاية بقية!

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز