عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
طلعت حرب بعيون أمريكية

طلعت حرب بعيون أمريكية

بقلم : رشاد كامل

الصدفة وحدها قادت «إريك دافيز» الأستاذ بجامعة «رونجرز» الأمريكية لتأليف هذا الكتاب المهم والممتع عن طلعت حرب والذى اختار له عنوانًا أكاديميًا صعبًا على القارئ العادى وهو مأزق البرجوازية الوطنية الصناعية فى العالم الثالث تجربة بنك مصر «1920 - 1941»..



تبدأ الحكاية عندما جاء «إريك دافيز» إلى مصر عام 1970 و1971 لعمل دراسة عن الخلفيات الاجتماعية والسلوك السياسى لصفوة القطاع العام فى مصر، وحسب قوله: «اكتشفت أن المناخ السياسى فى ذلك الوقت يجعل من المتعذر إجراء مثل هذه الدراسة» ويضيف فى سطور بالغة الأهمية:

وفى العديد من المقابلات التى أجريتها مع مديرى شركات القطاع العام والمثقفين المصريين، لفت نظرى المقارنات العديدة التى عقدوها بين ما كانوا يعتبرونه افتقار محاولات مصر للتصنيع فى الفترة الحديثة للنجاح، وبين جهود التصنيع الناجحة التى قامت بها مؤسسة تدعى بنك مصر خلال العشرينيات والثلاثينيات من القرن الحالى - يقصد القرن العشرين.

وكان إحساس الفخر الذى يتحدث به المصريون عن بنك مصر ومؤسسه «طلعت حرب» مدهشا ومثيرا لفضولى، وزاد من ذلك تلك الإشارات الدائمة للبنك ومجموعة الشركات التى أنشأها «مجموعة شركات بنك مصر» فى سياق النضال ضد الحكم الاستعمارى البريطانى والهيمنة الأجنبية على الاقتصاد المصرى!

وعندما بذلت جهدى لمعرفة المزيد عن بنك مصر وطلعت حرب، اكتشفت أنه لم يكتب عنه سوى القليل نسبيا سواء باللغة العربية أو اللغات الأجنبية..

وفى خلال عشر سنوات وبالتحديد فى صيف عام 1981 كان إريك دافيز قد انتهى من تأليف كتابه،،، وبعد أربعة أعوام تصدر الطبعة العربية منه ترجمة الأستاذ سامى الرزاز عن مؤسسة الأبحاث العربية ببيروت ويقع الكتاب فى 282 صفحة. من فصول الكتاب على سبيل المثال اندماج مصر فى السوق العالمية وطلعت حرب والحركة الوطنية والاشتباك مع الاستعمار وبنك مصر والاستعمار الجديد وبنك مصر والتطور الاقتصادى العربى، وغيرها من الفصول المهمة. يقول المؤلف الأمريكى «إريك دافيز»: عندما تأسس بنك مصر لم يكن الهدف منه هو أن يكون بنكا تجاريا عاديا وإنما كان مؤسسوه يتصورونه كمصدر للقروض الصناعية وكمركز لشركة قابضة كبرى للمؤسسات المصرية، وهكذا كان الهدف من بنك مصر أن يكون القوة المحركة لقيام قطاع صناعى حديث من الاقتصاد المصرى، وخلال فترة ما بين الحربين العالمية الأولى والثانية - حقق البنك نجاحا باهرا.

ولعب البنك دورا محوريا فى نشوء سياسة مالية حكومية فى العشرينيات والثلاثينيات، كما لعب دورا فى تشجيع الدولة على الاضطلاع بدور نشط فى دفع التنمية الاقتصادية فى مصر! وبالإضافة إلى مصر فقد مد البنك أنشطته فى أنحاء العالم العربى، ورغم عدم نجاحه فى فتح فروع له فى فلسطين والعراق، فقد تمكن من إقامة بنك مصر - سوريا - لبنان الذى كانت له فروع فى كل من سوريا ولبنان. ولعب البنك والعديد من شركاته أيضا دورا فعالا فى تحسين ظروف إقامة الحجاج المسلمين فى المملكة العربية السعودية بشكل كبير، فضلا عن المشاركة فى العديد من المشروعات الاقتصادية فى الحجاز، وبهذه الصورة فإن بنك مصر كان أول شركة عربية متعددة الجنسيات!

وأكسبت هذه الأنشطة بنك مصر التقدير والثناء، ليس من جانب المصريين الوطنيين فحسب، وإنما أيضا من جانب الوطنيين فى أرجاء العالم العربى، وكان طلعت حرب فى أسفاره موضع تكريم، كما كانوا يسألونه عن آرائه فى الطريقة التى تستطيع بها البلدان العربية أن تصلح نفسها! ويكشف المؤلف عن بعض الحقائق المهمة فيقول: «إن أنشطة بنك مصر قد عززت المشاعر الوطنية العربية بإظهارها أن بمقدور العرب إقامة مشروعات اقتصادية سليمة والتنافس مع رأس المال الأجنبى، وتكررت هذه النغمة بشكل دائم مع رحلات طلعت حرب وممثلى شركات بنك مصر فى أنحاء العالم العربى ومع زيارات الأعيان العرب للبنك وشركاته فى مصر» ومنها الزيارة التى قام بها الأميران فى ذلك الوقت السعوديان «خالد» و«فيصل» إلى مصانع شركة مصر للغزل والنسيج فى المحلة الكبرى عام 1939، ودراسة خطط إقامة مصانع مماثلة فى المملكة العربية السعودية.

وقد أعطت أنشطة طلعت حرب وزملائه فى مجموعة شركات بنك مصر مزيدا من الثقة بالنفس للقضية الوطنية فى البلدان العربية خارج مصر، كما أن إنشاء مثل هذه الشركات وخاصة شركة مصر للطيران قد جعل البريطانيين أكثر عصبية بدرجة متزايدة، حيث كانوا يخشون من أن يصبح بنك مصر أداة لامتداد نفوذ دول المحور إلى العالم العربي!

ولما كان الساسة والأعيان الفلسطينيون والعراقيون قد تجاوبوا بحماس مع بنك مصر واعتبروه مؤسسة معادية للأمبريالية لذلك صار البنك يرتبط بالحركة الوطنية العربية، وهو ما أضاف إلى عدم الارتياح العام الذى كان البريطانيون يشعرون به تجاهه!

وفى الحقيقة فإن منزل طلعت حرب فى حى العباسية بالقاهرة قد أصبح فى أواخر الثلاثينيات صالونا للشخصيات المصرية والفلسطينية والعراقية البارزة، بل ولبعض أعضاء العائلة المالكة السعودية ممن كانوا يشعرون بقلق إزاء القوة المتزايدة للصهاينة فى فلسطين. وكان الشيء الذى يزعج البريطانيين أيضا هو أن كثيرا من الوطنيين العرب المرتبطين ببنك مصر كانوا من المشكوك فى مشاعرهم الموالية لدول المحور مثل الحاج أمين الحسينى الزعيم الفلسطيني!

وهكذا وبينما كان طلعت حرب يسعى لتقوية أواصر الصداقة مع الأعيان العرب لكسب التأييد لبنك مصر، فإنه لم يفعل فى نظر البريطانيين سوى زيادة الصورة المعادية للبريطانيين للبنك وشركاته. ومن المعلومات المهمة والمثيرة التى يكشف عنها الباحث الأمريكى فى أحد هوامش فصول كتابه، هى تلك المباحثات التى أجراها طلعت حرب مع ولى عهد اليمن لإقامة فرع للبنك باليمن ويضيف قائلا: ورغم المصاعب السياسية والمالية التى صادفها بنك مصر كنتيجة لأنشطته الاقتصادية في العالم العربي، فلا يمكن إنكار أن «طلعت حرب» وزملاءه كانوا يسبقون زمانهم بدرجة كبيرة فى سعيهم لإقامة واحدة من أولى الشركات المتعددة الجنسيات فى العالم الثالث!

كذلك فإن تأثير طلعت حرب على الشئون السياسية الدولية للعالم العربى مثل تسهيل التقارب بين الحكومتين السعودية والمصرية والتوسط لإنهاء الاشتباكات السعودية - اليمنية كان من بين الإسهامات الإيجابية للغاية. ويتناول الباحث علاقة طلعت حرب وبنك مصر بالحركة الوطنية فيقول:

رغم مساندة الحركة الوطنية لبنك مصر، فقد وقع داخلها انقسام ترك أثره على تطور البنك فى المستقبل، فقد قالت العناصر المحافظة داخل الحركة الوطنية بأن الاستقلال الاقتصادى هو شرط ضرورى للاستقلال السياسى، وبالتالى فإنه يتسم بالأولوية، فى حين كانت العناصر ذات الاتجاه الأكثر راديكالية تؤكد على الحاجة لإنهاء الاحتلال البريطانى وتحقيق الاستقلال الرسمى فورًا! واتخذ طلعت حرب وحزب الأحرار الدستوريين الموقف الأول، بينما أيد سعد زغلول والعناصر الأكثر تشددا فى حزب الوفد الاتجاه الثانى.

ويمكن تفسير هذا الاختلاف فى الرأى إلى حد ما، بالتعارض بين هدف طلعت حرب المتمثل فى تحويل بنك مصر إلى مؤسسة مالية قوية، وبين رغبة سعد زغلول فى اكتساب السلطة السياسية، ونظرا لرغبة طلعت حرب فى أن يجعل من البنك منافسا جادا للبنوك الأجنبية، فإن الارتباط الزائد للغاية بالتحريض الوطنى كان يمكن أن يدفع البريطانيين إلى التدخل فى أنشطته وبالإضافة إلى ذلك فإن الأنشطة الوطنية المتطرفة بطبيعتها كانت تضر بمصالح البنك، حيث كانت تقوض مناخ الأعمال التجارية والثقة فى الاقتصاد! أما بالنسبة لزغلول فقد كان المنهج التدريجى لطلعت حرب وغيره من الوطنيين المحافظين يعنى امتداد الاحتلال الممقوت، ونتيجة لذلك تقلص فيما يبدو حماس سعد لبنك مصر بشكل ملموس فى أعقاب المقاطعة الوفدية. ومن الملفت للانتباه أن الباحث الأمريكى يقول فى هامش الفصل: «يبدو من الواضح أيضا أن سعد زغلول كان يشعر بشيء من الغيرة إزاء مكانة «طلعت حرب» بوصفه زعيم مصر الاقتصادى».

انتهى أبرز ما جاء فى كتاب الباحث الأمريكى «إيرك دافيز» ترجمة الأستاذ سامى الرزاز الصادر عام 1985، أما المفاجأة الأهم فهى صدور ترجمة أخرى لنفس الكتاب ومؤلفه عام 2008 أى بعد 23 سنة بالضبط!

وتلك حكاية أخرى تستحق التوقف أمامها!

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز