عاجل
الأربعاء 17 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
حنانيك يا فرويد

حنانيك يا فرويد

بقلم : محمد شمروخ

كان ترديد اسم فرويد بين المراهقين يبدو بينهم وكأنهم يتبادلون مجلة بلاي بوي الشهيرة المتخصصة في الموضوعات المصورة عن الجنس الصريح.



لكن مع اقتناء كتب فرويد المترجمة بدا أمامنا، وقتئذ، شخصا آخر غير الذي تصورناه ونحن نتأهب لتلقي أفكاره، فبالرغم من أن محور نظريته كان عن الغريزة الجنسية إلا أن كتبا له مثل "ما فوق مبدأ اللذة" و"ثلاث مقالات في النظرية الجنسية" و"تفسير الأحلام" وغيرها، رغم اتصالها المباشر بنظريته، إلا أنها بدت أمام عقلية واستيعاب وعي المراهق كالألغاز، وبدت جديتها وجفاؤها كالمعادلات الكيميائية ومسائل الجبر، حتى إنه بالكاد يمكن أن تقرأ تصدير المراجع أو مقدمة المترجم، ومع أول فصل تكتشف أنك كتلميذ ابتدائي حضر رغم أنفه محاضرة في كلية العلوم عن العلاقة بين نظرية النسبية وميكانيكا الكم!

لكن مع ذلك يبدو فرويد مثيرا!

ومع تجاوز المراهقة يزداد الانبهار باكتشافات فرويد في عوالم النفس البشرية الغامضة، وتبهرك عبارة سوفوكليس على لسان أوديب "من حل اللغز الذائع الصيت كان أشد الناس اقتدارا"، وهي العبارة الواردة في أول سطر في مقدمة كتاب تفسير الأحلام الصادر عن مؤسسة دار المعارف بترجمة الدكتور مصطفى صفوان ومراجعة الدكتور مصطفى زيور.

والجملة كتبت على ميدالية جائزة تسلمها عالم النفس النمساوي الشهير سيجموند فرويد، لأنه تمكن من تفسير ما عجز عنه الأوائل تماما، كما تمكن أوديب من حل اللغز في الأسطورة الشهيرة.

لكن هل حل فرويد بالفعل لغز النفس البشرية؟!

هل تمكنت مدرسة التحليل النفسي من علاج الأمراض النفسية العصبية بناءً على اكتشافات فرويد؟

الإجابة التي أثبتها الواقع والتجربة والعلم كانت بكل وضوح "لا".

وبرغم انتشار أفكار فرويد وتأثيره الهائل في المدارس التي خرجت علينا بتطبيقات للفرويدية في المجالات السيكولوجية والفلسفية والاجتماعية، إلا أن المحصلة التي يجب الاعتراف بها هي أننا كنا أمام حملة دعائية عملاقة لفرويد اليهودي، التي "نفخت" في كتاباته حتى وضعته في أول صفوف الخالدين فقط لأنه يهودي، ويمكنك أن تراجع أدلة الدكتور عبد المنعم الحفني في مقدمته لترجمة كتاب سيجموند فرويد الشهير "اليهودية في ضوء التحليل النفسي".

لكن دعنا هنا من الدعاية ولندخل إلى صلب الأطروحات الفرويدية التي أذهل بها العالم، والتي بلغ من شهرتها أننا صرنا نرددها في أحاديثنا العادية عن اللاشعور والكبت والأنا والأنا الأعلى والليبيدو والتسامي وعقدتي أوديب وإلكترا.. إلخ إلخ إلخ.

فهذه المصطلحات بطبيعتها لا يمكن إخضاعها للتجربة المعملية ومهما بلغ من أمثلة إحصائية جمعها فرويد بنفسه من مرضاه، فإنها تبقى في النهاية مجالات غير قابلة للتعامل المباشر وافتراضات لا يمكن مراجعتها معمليا وكل حجتها هي تناسق النتائج مع المقدمات حسب الطريقة الفرويدية وتناسقها ليس هندسيا ولا حسابيا بل هو تناسق يبدو لمن وقع تحت تأثير الدعاية الجبارة عن فرويد ومدرسته.

فمن الناحية العلمية لا سبيل إلى إثبات وجود ما يقابل هذه المصطلحات في النفس البشرية ولو نظريا، أما التعامل المعملي معها فيبدو بمجرد طرحه، أمرا مضحكا.

لكن يبقى اللغز عن كم هذه الجدية في التعامل مع الأفكار الفرويدية التي اتبعها كثيرون على نطاق واسع حتى إن منتجي الأفلام البورنو صاروا يتعاملون بمنتهى الجد مع منتجاتهم على أنها بالفعل تستند لقاعدة علمية تحررية، وأن هدفها "الأسمى" هو تحرير الإنسان من القيود التي فرضها المجتمع ليحطمها ويخرج لنا الإنسان العصري الحر في كل المجالات.

فالقفز من الافتراضات إلى النتائج تحت تأثير تلك الدعاية، هو سمة هذه التيارات لتبرير أهدافها لنشر الانحلال الخلقي تحت راية العلم والحرية، هذا مع أن قراءة فرويد وأفكاره عن اللذة وتفسيرها الذي لاح كتفسير الشفرة الوراثية، ليس به أدنى لذة أو متعة جنسية أو حسية، لكن أن تضع كتابا لفرويد بيمينك لتلتقط مجلة سكس بشمالك وأنت على يقين بأنك تمارس حريتك وتحقق إرادة العلم بفعلك، لهو نجاح حقيقي لخدعة فرويد الذي قدم بمدرسته في التحليل النفسي أكبر تحايل يستحق به بجدارة أن ينال جائزة كبرى، لأنه وضع أمامنا هذا لغزا جديدا بقدرته الجبارة على التحايل والخداع!

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز