عاجل
الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
برلين.. من ليوبولد إلى مخبول إسطنبول

برلين.. من ليوبولد إلى مخبول إسطنبول

1870، عامٌ فاصلٌ في تاريخ أوروبا، بانعكاساته غير المسبوقة على القارة الإفريقية.

 



في ذلك العام، تولى ليوبولد الثاني، عرش بلجيكا، شاب في الثلاثين من عمره، طموح حالم بتسجيل اسمه في صفحات التاريخ، بتحقيق إنجاز توسعي لمملكته، لكنها بلا أسطول أو جيش يمكنها من استكشاف ما وراء البحار، فيما لا يملك القوة الكافية لمزاحمة الدول، قاطنة قارته الأوروبية.

 

على الجانب الآخر، هزمت ألمانيا فرنسا، بقيادة بسمارك، وتحطمت قوة باريس في معركة الكرم، وتحطم معها نفوذها الأوروبي، فالقائد الألماني، يهرول بقوة دولته الناشئة، لمربع منافسة بريطانيا صناعيًا، وفرنسا عسكريًا.

 

ملك بلجيكا الشاب المولع بالرحلات الاستكشافية، اطلع على كتابات هنري استانلي الصحفي والمغامر المولع بالرحلات الاستكشافية، الذي عاد للتو- ١٨٧٦م- من رحلته إلى ما وراء البحار، إفريقيا، التي اكتشف بها مصب نهر الكونغو، وثروات القاطنين على ضفتيه.

 

في ذلك العام كان ليوبولد، قد دعا لعقد مؤتمر بروكسيل، للجغرافيين العالميين، والمهتمين بإفريقيا، وخلص إلى تشكيل ما أسموه «الهيئة الدولية لاكتشاف إفريقيا، ونقل الحضارة إليها»، على أن تنشئ كل دولة أوروبية شعبة للهيئة لديها.

 

الملك الشاب يعرف هدفه، فقد أنشأ هيئة دراسة الكونغو الأعلى، وموّل تلك الجمعية والرحلات الاستكشافية، ودعا هنري استانلي للتعاون معه.

 

بينما استانلي كان قد ولى وجهه شطر بريطانيا، تلك القوة الصناعية، التي تملك تحقيق طموحه، في الاستيلاء على ثروات ذلك الكنز الإفريقي، قبل أن يعود خائب الرجاء، ليعمل لحساب ليوبولد، ويذهب في رحلة جديدة لخلق نقاط تجارية على ضفاف النهر، لينجح في ١٨٠٠ في وضع قواعد الاستعمار التجاري باسم نقل الحضارة.

 

ففي الوقت الذي أسس فيه استانلي مدينة ليوبولد فيل، على نهر الكونغو، نسبة إلى ملك بلجيكا، فقد وضع أسس تجارة الرقيق التي سبقه إليها البرتغاليون، والتي استنفدت موارد القارة البشرية لثلاثة عقود.

 

استيقظت بريطانيا من سبات عدم الانحياز، الذي لجأت إليه حينها، لتجد فرنسا قوضت، وبلجيكا تتسلل إلى ثروات الكونغو، فسارعت بإبرام اتفاقية ١٨٨٤ مع البرتغال، التي اعترفت فيها بحق البرتغال في الوصاية على الكونغو، نظير حرية التجارة البريطانية، كعادتها تعطي ما لا تملك لمن لا يستحق.

 

عودة إلى بسمارك القائد الألماني، الذي واجه في ذلك الوقت ضغوطًا من الرأسماليين الألمان، لدفعه للتوسع في إفريقيا، والاستيلاء على مستعمرات، توفر احتياجات الألمان من المواد الخام اللازمة لثورتها الصناعية، وأسواقًا لتصريف إنتاجهم، وفرصًا تجارية تناهز ما قام به البريطانيون والفرنسيون.

 

بسمارك، كما تقول المراجع التاريخية، كان يقاوم ذلك التوجه، فالرجل يسعى لتعظيم قوة ألمانيا الناشئة، ويرى أن ذهابها إلى ما وراء البحار قد يُضعف فرص تعاظم نفوذها في القارة الأوروبية، أو يدخلها في صراعات مع قوى عظمى على المستعمرات الإفريقية.

 

بيد أنه استجاب مع إيجاد حل لتوافق بين القوى الأوروبية، لتتعاون في تقسيم الكعكة، دون نزاع فيما بينها، فدعا إلى مؤتمر برلين الذي بدأ ١٥ نوفمبر ١٨٨٤ وانتهى ٢٦ فبراير ١٨٨٥م، بحضور ممثلي ١٤ دولة، وإجمالي ١٠ جلسات، انتهت إلى ميثاق من ٣٨ مادة، كانت المادة ٣٤ منها المرسخ للاستعمار الفعلي، ونهب ثروات إفريقيا.

 

فالمادة ٣٤، نصت على أن تخطر الدولة الراغبة في بسط نفوذها على دول أو ممالك بالقارة الإفريقية، باقي الدول المشاركين في المؤتمر، حتى يتسنى لمن له رأي آخر الاعتراض، ويكون بسط النفوذ مصحوبًا بتواجد عسكري فعلي على الأرض.

 

قبل ذلك المؤتمر كان ١٠٪ فقط من إفريقيا محتلًا، فرنسا في الجزائر منذ العام ١٨٣٣، والسنغال، وبريطانيا في مصر منذ ١٨٨١، والصومال ١٨٨٢، وبعض دول القارة، لكن بعد سنوات من ذلك المؤتمر تسابقت قوى الغرب لاحتلال القارة، حتى وقعت بنسبة ١٠٠٪ باستثناء إثيوبيا تحت الاستعمار.

 

واللافت أن العثمانيين كانوا حاضرين في ذلك المؤتمر الاستعماري، ووقعوا على الوثيقة الناتجة عنه، التي نصت مادتها ٣٧ على أن تفعّل بنودها فور توقيع كل الدول المشاركة عليها.

 

كان العثمانيون الأتراك، محتلين مستعمرين للدول العربية، والإفريقية، حلفاء مع قوى النهب والسلب، وذريتهم تسير على دربهم، ها هو أردوغان يتبجح ويعلن إرسال قوات تركية إلى ليبيا، لهثًا خلف نفطها، وغاز سواحلها بالمتوسط.

 

برلين ١٨٨٥، ناقش باستفاضة آليات الاحتلال، وتقاسم النفوذ في القارة، والمصالح التجارية بحرية التجارة في حوض الكونغو والملاحة في حوض النيجر.

 

بالأمس كانت أنجيلا ميركل، تستضيف مؤتمر برلين لمناقشة القضية الليبية، بحضور دولي رفيع، بعد أن منح مخبول إسطنبول، المستعمرين الجدد، فرصة لتقاسم ثروات ليبيا، باتفاقية ترسيم الحدود مع السراج لنهب ثروات المتوسط، وإرساله ميليشيات إرهابية وقوات عثمانية، لسرقة نفط ليبيا وثرواتها.

 

كما كان لصوص بلجيكا سببًا للاستيقاظ الدولي وتقاسم الكعكة في برلين ٨٤، كان لص إسطنبول المخبول محركًا لأطماع قوى الغرب، وحليف خفاء مع الأمريكان، فمعهم سرق- عبر الدواعش- نفط الموصل ونفط سوريا، وظن أن ليبيا ستترك نهبًا له.

 

في مؤتمر برلين، أمس، كانت آبار النفط، والحرص على استمرار تدفق إنتاجها، المهم وليس الدماء التي تدفقت لقرابة عشر سنوات في ليبيا، تمامًا كما كان في مؤتمر برلين الأول، قضية تجارة الرقيق هامشية، والمصالح الاقتصادية هي الأساس.

 

ففي ليبيا يوميًا ينتج ١.٢ مليون برميل نفط، بمتوسط ٥٣ دولارًا للبرميل، أي قرابة ٦٤ مليون دولار يوميًا، أي مليارًا و٩٢ مليون دولار شهريًا، أي ٢.٣ تريليون عبر العام.

 

تخيل حجم الثروة، التي تُنهب منذ سنوات عبر الإرهابيين، وكلاء العثمانيين والقطريين، وجميع القوى الاستعمارية المتصارعة على الأرض الليبية، تخيل كيف دفعوا شباب ليبيا لتدمير جيشهم ووطنهم، باسم الثورة المزعومة، لتصبح بلا جيش يحمي مقدراتها، وتستباح ثرواتها ودماء شعبها.

 

بالأمس القريب، تمكن الجيش الوطني الليبي، من تحرير مناطق نفطية بالقرب من طرابلس، معقل الإرهابيين، وأغلق أنبوب نقل النفط، فأعلنت المؤسسة الوطنية الليبية للنفط تخفيض إنتاج حقلي الفيل والشرارة، بمعدل ٧٠٠ ألف برميل، فارتعدت فرائص الغربيين.

 

من حق الجيش الوطني الليبي، الحيلولة دون تمويل الميليشيات، التي تقتل الشعب بأموال نفطه وثروته، ومن حق الشعب الليبي أن يكون لديه دولة، وحكومة وطنية، تعبر عن مصالحه، لا حكومة عميلة لقوى الاستعمار الجديد، تعيش في حماية الإرهاب الدولي.

 

الفرق بين المؤتمرين، أن للعرب الأفارقة، في مؤتمر برلين ٢٠٢٠، لسان صدق مُبين، ينطق بالحق، يدعو إلى بناء الدولة الوطنية الليبية، يدعم مؤسستها العسكرية، قادر على ردع العثمانيين، ومن يقف خلفهم ويوظف أطماعهم.

 

في برلين ١٨٨٥، كان حاضرًا العثمانيون بخيانتهم، بينما في ٢٠٢٠، مصر حاضرة بشرفها، وقوتها وعروبتها، وانتمائها إلى قارتها، حضر الرئيس عبد الفتاح السيسي، مدافعًا عن الدولة الوطنية الليبية، فكان وقف إطلاق النار وإطلاق مسار سياسي؛ لتشكيل حكومة وطنية، يوافق عليها مجلس النواب.

 

فهل المصالح الاقتصادية لقوى الغرب، ستدفعهم لضمان صمود وقف إطلاق النار، ودعم المسارات السياسية، بشكل حقيقي وواقعي، أم أن وقف إطلاق النار تحرك تكتيكي، هدفه التقاط ميليشيات تركيا والسراج أنفاسها، وتعطيل تحرير حفتر طرابلس؟

 

هل سيضمن العالم فعلًا، منع تهريب السلاح إلى ليبيا، أم سيظل بهلول إسطنبول، يُرسل السلاح المدفوع أثمانه من خزانة الشعب القطري، لصالح خزائن الدول المصنعة؟

 

بالمناسبة، "مخبول" تعني "معتوه"، وفي قاموس اللغة "ضعيف العقل"، الذي لا يستطيع اتخاذ قرارات صائبة.

 

لكنها مصر، تبقى عمود خيمة العرب، نصير أمتها وقارتها، فما كان في الألفية السابقة، لن يكون الآن، قوة الردع قائمة "قادر ٢٠٢٠" كانت رسالة، أمننا القومي خط أحمر، وما تعجز الطرق السلمية عن تحقيقه، يمكن للقوة أن تنجزه.

[email protected]

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز