عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

حسن زايد يكتب : معركة المصحف

حسن زايد يكتب : معركة المصحف
حسن زايد يكتب : معركة المصحف

المصحف كما في معجم المعاني ، مجموع من الصحف في مجلد ، وغلب استعماله في القرأن الكريم ، والقرآن الكريم هو كلام الله ، المنزل علي رسوله محمد صلي الله عليه وسلم وحياً بواسطة أمين الوحي جبريل عليه السلام ، المكتوب في المصاحف ، والمحفوظ في الصدور . والقرآن الكريم هو الكتاب المقدس عند المسلمين ، وقداسته مستمدة من مصدره باعتباره كلام الله إلي الخلق . والتقديس يقتضي التعظيم والتبجيل والتنزيه عما لا يليق . ولما كان القرآن كذلك ، فلا يصح إقحامه في أي معارك سياسية بين المسلمين ، لأن هذا الإقحام قد يترتب عليه فتنة عظيمة ، وينزل بالقرآن عند أي من الفريقين عن المنزلة الواجبة ، عن قصد ، أو بغير قصد ، بحسن نية ، أو بسوءها . ورفع المصحف في المظاهرات التي دعا إليها الإخوان ، وأتباعهم ، يوم 28 نوفمبر، تدخل في دائرة الفتنة ، التي تنطوي علي سوء نية وخبث طوية . وقد حدث لبس في الأفهام لدي فريق من الناس بشأن المرجعية التاريخية لهذه الدعوة ، وخاصة لدي العامة منهم ، فخلطوا ما بين دعوة رفع المصاحف علي أسنة الرماح ، وبين الخوارج ، وموقفهم من الإمام علي رضي الله عنه . وما أن خرجت دعوة رفع المصاحف في المظاهرات ، حتي قيل عمن دعا إليها بأنهم خوارج العصر نتيجة لهذا الخلط . وهناك بون شاسع بين الموقفين يقتضي فض هذا الإشتباك فيما بينهما . فقضية رفع المصاحف قديماً تختلف عن رفعها حديثاً من حيث الباعث والمصدر والهدف أوالغاية . فمن حيث الباعث والمصدر ـ قيل تاريخياً ـ بأنه استهدف حقن دماء المسلمين ، ووقف القتال فيما بينهم ، إنقاذاً لهم من الهلاك فيما لو استمر القتال ، وحتي لا يقعوا حالئذ  فريسة سهلة لأعداء الإسلام المتربصين به ، لأن في هلاكهم استئصال لدعوة الإسلام . وأن الدعوة إلي المسالمة والموادعة قد بدأت من جانب أنصار الإمام علي في الكوفة ، حين خطب الأشعث بن قيس الكندي خطبته التي قادت إلي محاولات المصالحة . فلما بلغت هذه الدعوة معاوية رضي الله عنه ، أمر بربط المصاحف بأطراف الرماح ، وسواء كانت تلك فكرته أو فكرة عمرو بن العاص رضي الله عنه ، فكلاهما صحابي جليل ، وكان مبعثه في دعوته إيقاف الإقتتال وحقن الدماء بين المسلمين . وقد استجاب لتلك الدعوة الإمام علي رضي الله حين قال : " نعم بيننا وبينكم كتاب الله ، أنا أولي به منكم " . وتم الإتفاق علي التحكيم ، أياً كانت نتيجته . أما موقف الخوارج من هذا الأمر فقد كان منهم من لا يري إلا الحرب . وكان أول اختلاف في صفوف الإمام علي حول ممثله في التفاوض ، فقد جري اختيار عبد الله بن عباس رضي الله عنه ، إلا أن القوم رفضوه ، وطالبوا بأن يمثلهم أبو موسي الأشعري رضي الله عنه . وبعد الإتفاق رأي فريق من بني تميم أن حكم الله واضح ، وأن الأمر ليس في حاجة إلي تحكيم ، وقال أحدهم : " أتحكمون في دين الله الرجال ؟ " . وسرت هذه المقولة سريان النار في الهشيم في صفوف جيش علي رضي الله عنه ، وأصبحت القضية الحاكمة لهذه الفرقة هي : " لا نحكم الرجال في دين الله ، ولا حكم إلا لله " . وقد وصل الشطط بفريق من تلك الفئة حد التعرض للإمام علي بما لا يليق ، بدأت بالحديث غير المهذب ، مروراً بالسباب والشتائم ، وانتهاءًا بالتعريض بكفره كرم الله وجهه ، فقد كانوا يقولون له : [ يا علي : " لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين " ] ، معتبرين أن تحكيم عمرو بن العاص ، وأبو موسي الأشعري في القضية هو شرك بالله  ، وهذا تنطع ممجوج في الدين ، واحتكار لفهمه علي خلاف الحقيقة والواقع . وقد تنبأ الرسول صلي الله عليه وسلم بظهور هذه الفئة ، فعند الإمام مسلم بسنده عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عِنْدَ فُرْقَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ " ، وعند البخاري بسنده عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه،ُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى فُوقِه " . ِوفي البخاري ومسلم قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا، فَوَاللَّهِ لَأَنْ أَخِرَّ مِنْ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ، وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فَإِنَّ الْحَرْبَ خِدْعَةٌ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ،َ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ، فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة " .
 
أما دعوة اليوم برفع المصاحف في المظاهرات ، فليس مبعثها لمّ شمل المسلمين ، وإنما تمزيقه ، ولا حقن دماء المسلمين ، وإنما إهراقها ، وليس وأداً للفتنة ، وإنما إيقاظها ، وليس لفض نزاع سياسي ، وإنما لإشعاله . كما أن مصدرها ليس دعوة الأشعث ، ولا معاوية ، أو عمرو بن العاص رضي الله عنهما . كما أن من رفع المصحف قديماً لم يكن ينتوي القتال ، ولا يضمر دخول المصحف إلي ساحة الوغي ، فيورط الطرف الآخر في النيل من قداسة المصحف  ، وإنما كان يدرك أن لكتاب الله قداسة في نفسه ، وقداسة في نفس خصمه ، فهو في مأمن من النيل من قداسته من كلا الجانبين . أما من ينزل في مظاهرة رافعاً كتاب الله ، وهو علي يقين بأنه يستفز الطرف الآخر ، وأنه  يسعي إلي توريطه ، لأنه لن يدعه يعبث بمقدرات خلق الله ، ومقدرات الوطن ، لمجرد أنه يرفع المصحف في يده ، قاصداً إلي توريطه في النيل من قداسته ، فعلي من دعا هذه الدعوة أن يراجع إيمانه بحق،إن كان يظن أنه مؤمن .
 



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز