مارينا فارس تكتب : علي طاولة صغيرة

كانت معي صديقتي, كون كلانا يعاني من حالة نوستالجيا حادة, خلب لبنا ذلك المكان. اختارنا طاولة صغيرة في احد الاركان المجاورة للنافذة الزجاجية الكبيرة.. منها نستطيع ان نراقب وجوة المارين في الخارج,  نستطيع ان ندقق في ملامحهم للحظات قليلة.. الجو بارد و الناس مسرعون في الخارج  وجوههم  اضاف لها الشتاء روعة و قد زينتهم معاطفهم الثقيلة... رائع ان تجلس علي حافة الزمن لتتابع سير الناس.. و انت تسير وسطهم لا تسمع شيئاً الا صوت قصصك الصغيرة يصرخ في اذنك. لكن اذا جربت ان تخرج من التيار و تجلس علي الحافة لتري قلوبهم و تقلب في وجوههم تتخيل قصصهم و احلامهم ستكتشف الكثير. علي الجهة الاخري كتب تحتل الرصيف و رجل رسمت الايام تجعيد وجهه بمهارة ينهمك في تغليف الكتب بورق شفاف. و الناس يواصلون سيرهم, بعضهم يتوقف ليقلب في الكتب قليلاً و بعضهم لا يهتم.

في وسط البلد حيث يقع ذلك الكافيه المعتق, تجولنا في طرق تزينت بتلك البنايات المنمقة التي يتجلي فيها اهتمام بالغ بكل التفاصيل و كأن مصممها كان يريد لها الخلود. و الشرفات تمتد للخارج  يحتل اسوارها حمائم تتجمع عند الغروب. يا تري كم شاهدت من احداث و كم تعرف من اسرار!, شيدت في تلك الايام حين كان الناس يقدرون الجمال و يحرصون علي نشره في كل تفاصيل حياتهم. اما الان فالقبح صفة سائدة و امر طبيعي, عادة ما اسبح في عالم من الافكار و تدور اسئلة كثيرة في رأسي كلما دلفت الي مكان كهذا, يا تري كم شخص زار هذا المكان قبلي و كم من الذكريات يحفظ لاشخاص يحملون وجوهاً لا اعرفها؟! كم شخص جلس في نفس مكاني؟!, من المؤكد ان هناك شخصاً ما يحمل هذا المكان جزء من قلبه و ذكرياته.

صديقتي.. رائع ان نلتقي بعيداً عن رائحة الفورمالين و اطباق البكتريا. صديقتي الطفلة الكبيرة, في الواقع انا لا اعلم ان كانت تلك مشكلة تستدعي ايجاد حل ام انه شيء رائع جدير بالاحتفاء, لكنني اثق انه سبب حبي لها و اتمني لو تبقي هكذا كل عمرها و لذلك اثق انها ستكون أم رائعة. ما اجملها حين تداعب بطرف اصبعها وجة قهوتها ثم تقبله بطفولة نادرة. اشكو لها من الاحلام حين تصطخب في رأسي فتخبرني بكل بساطة  ان الاحلام ستتحقق ببعض الثقة و الصبر.

 بالقليل من الشجن و المرح و القصص الصغيرة صنعنا ذكريات تركناها علي طاولة في ذلك الكافيه المعتق و اضفنا الي عمره الطويل حكايات جديدة..