عاجل
الخميس 26 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

قصة احتفالات التنصيب وصراعات السلطة في قرن حكام مصر من الملكية إلى السيسي

قصة احتفالات التنصيب وصراعات السلطة في قرن حكام مصر من الملكية إلى السيسي
قصة احتفالات التنصيب وصراعات السلطة في قرن حكام مصر من الملكية إلى السيسي

كتبت- جولستان حميد
يقدم كتاب "حكام مصر من الملكية إلى السيسي" للكاتب الصحفي د. ياسر ثابت، قراءة لتفاصيل تتعلق بزوايا منسية من تاريخ حكم مصر، في محاولة لحماية الذاكرة الوطنية من التآكل بسبب نقص المعلومات التفصيلية والدقيقة للتطورات المختلفة.
من تاريخنا المهمل والذاكرة الضائعة، اختار المؤلف في كتابه الصادر عن دار الحياة، إلقاء الضوء على زاوية محددة من تاريخ الحُكم في مصر: تنصيب الحكام، وقصور الحُكم، وصراعات السلطة، عبر نحو قرن من الزمن (1917-2014).
ومن الملك فؤاد الأول، أول ملوك مصر في العصر الحديث، وصولاً إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي، مسافة زمنية ومساحة كبيرة جرت فيها أحداثٌ جسام وتطورات فارقة في مصر، تستحق التفكر والتدبر في دلالاتها وأدوار شخصياتها الرئيسية.
يقول ياسر ثابت في مقدمة كتابه: "لعل مظاهر الاستقبال أكبر فخ يقع فيه رؤساء مصر، الذين يميلون لقياس حجم شرعيتهم -وربما شعبيتهم!- طبقـًا لفخامة المراسم، فيما تقوم البيروقراطية بخطواتها المحفوظة تجاه المنصب لا الشخص".
ويضيف قائلاً إن استخلاص الدروس من التجارب السابقة هو السبيل إلى عدم تكرارها أو إعادة إنتاجها. وتفيد دروس هذه التجارب، وغيرها في العالم، أن قدرًا من المناعة ضد غرور السلطة صار شرطـًا لازمـًا لتوقع نهاية طيبة لأي حاكم. فهذه المناعة ضرورية لمقاومة شهوة السلطة وغوايتها، وما يقترن بها من ميل إلى التسلط والاعتماد على حلقة ضيقة من الموالين وأهل الثقة وصولاً إلى الانعزال عن الشعب وافتقاد القدرة على قراءة الواقع.
يشير المؤلف إلى أنه تم الاحتفال بتنصيب السلطان فؤاد يوم 11 أكتوبر سنة 1917، وانتقل موكبه من قصر البستان (وسط القاهرة) إلى سراي عابدين، حيث استقبل المهنئين. ولم يؤد اليمين الدستورية أمام الجمعية التشريعية (البرلمان)؛ لأنها كانت معطلة منذ قيام الحرب العالمية الأولى في عام 1914.
وفي فصل بعنوان "عهد الصبي" نطالع أنه: في السابعة من صباح 29 يوليو 1937، حضر الموظفون المكلفون بالاستقبال إلى البرلمان. دخل الموكب الملكي إلى حديقة سراي البرلمان من الباب الشرقي بشارع مجلس النواب متجهـًا إلى الباب الملكي بالجهة الغربية للمبنى. بمجرد نزول فاروق من العربة الملكية قام قومندان بوليس البرلمان برفع العلم على دار البرلمان. وكان أعضاء مكتبَي مجلسَي النواب والشيوخ ورئيسهما في استقبال فاروق عند السلم مع أصحاب المعالي الوزراء.
اتخذ الجميع أماكنهم في قاعة الاجتماع، وعند الساعة التاسعة، نبّأ كبير الأمناء رئيس المجلس بقدوم الملك إلى قاعة الجلسة. وعند بدء حلف اليمين الدستورية أعطى مساعد قومندان قوة بوليس البرلمان إشارته إلى الضابط المنتدب لإطلاق المدافع. بدخول الملك إلى قاعة الاجتماع، قام رئيس مجلس الشيوخ -وفقـًا للبروتوكول- باستئذان الملك في جلوس الأعضاء، وبالفعل جلس أعضاء مجلس الشيوخ إلى يمين الرئاسة، في حين جلس أعضاء مجلس النواب إلى يسارها، وجلس عن يمين الملك أصحاب المقام الرفيع عضو مجلس الوصاية الموقر وأصحاب السمو الأمراء وأصحاب المجد النبلاء، وجلس عن يساره رئيس مجلس الوزراء وأصحاب المعالي الوزراء.
تولى رئيس مجلس الشيوخ رئاسة الاجتماع، حيث ألقى كلمة، ثم ألقى رئيس مجلس الوزراء، مصطفى النحاس باشا كلمة قال في جزء منها: "اليوم قد أتم جلالة الملك بحمد الله 18 عامـًا هجريـًا من عمره المديد السعيد، ففي هذا اليوم الباسل تحتفل مصر من أقصاها إلى أقصاها بمباشرة جلالته لسلطته الدستورية، وتفتح عهدًا جديدًا آيته اليُمن والهناء وطابعه السعد والرخاء، ورائده الأمل الزاهر والعمل الصالح، والسعي الدائب الحثيث إلى مستقبل مجيد".
وكانت هذه الوقائع تُذاع بميدان الأوبرا وميدان السيدة زينب وميدان باب الحديد بالعاصمة وقت إلقائها، وكذلك بميدان سعد زغلول وميدان سوق الخيط وميدان باكوس بالرمل بالإسكندرية.
وفي الساعة التاسعة والدقيقة الخامسة والأربعين جاءت اللحظة الحاسمة، فوقف الملك فاروق وأقسم اليمين الدستورية، وكان نصها: "أحلف بالله العظيم أني أحترم الدستور وقوانين الأمة المصرية، وأحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه". وما إن انتهى حتى هتف رئيس مجلس الشيوخ "يعيش الملك" ثلاث مرات، وردد الأعضاء الهتاف خلفه ليدوي صوتهم في أرجاء البرلمان، وانتهت الجلسة.
بعد حلف اليمين جاب موكب الملك شوارع المحروسة، قبل العودة إلى قصر عابدين، في احتفالية كبرى شارك فيها الشعب الذي كانت لديه آنذاك آمال عراض في حاكم شاب اعتقد الناس أنه قد يوفر لهم العدل والحرية.
وفي فصل مبارك الذي حمل عنوان "دموع النائب" نقرأ ما يلي:
في يوم الأربعاء، الموافق الرابع عشر من أكتوبر عام 1981، بدأ البث التليفزيوني في الحادية عشرة صباحـًا بتلاوة آيات من القرآن الكريم وتنوعت البرامج بين الأناشيد الوطنية والأفلام التسجيلية وكلمات من أقوال الرئيس الراحل‏ أنور السادات. وفي الثانية عشرة بدأ التليفزيون نقل وقائع جلسة البرلمان التي ستشهد أداء مبارك لليمين الدستورية، والتي استمرت نحو 90 دقيقة، نقلها التليفزيون كاملة.
وحسب جريدة "الأهرام"، فقد توجه صباح ذلك اليوم د. صوفي أبو طالب، رئيس مجلس الشعب، إلى منزل الرئيس حسني مبارك‏، وأطلعه على النتائج النهائية للاستفتاء وقدم له التهنئة على ثقة الشعب‏، وتوجه مبارك بصحبة أبو طالب لمجلس الشعب‏، وفي الساعة الثانية عشرة دخل د. أبو طالب إلى قاعة المجلس التي امتلأت بأعضاء مجلسَي الشعب والشورى والوزراء وكبار المسؤولين‏.
قرأ د. صوفي أبو طالب رسالة النبوي إسماعيل، نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية، التي تضمنت نتيجة الاستفتاء‏، وعلى أثر ذلك دخل حسني مبارك إلى قاعة المجلس وبرفقته الرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري، والدكتور صبحي عبدالحكيم رئيس مجلس الشورى وقتها.‏
فـي الساعة الثانية عشرة وست عشرة دقيقة من ظهر يوم 14 أكتوبر 1981، وقف مبارك وإلى يمينه الرئيس السوداني جعفر نميري، وإلى يساره د. صوفـي أبو طالب رئيس مجلس الشعب. في الساعة الثانية عشرة والثلث، أخذ مبارك يتلو من ورقةٍ صغيرة اليمين الدستورية لتبدأ قانونيـًا فترته الرئاسية الأولى.
أقسم مبارك -نائب أنور السادات على مدى خمس سنوات- اليمين الدستورية وفقـًا للمادة 78 من الدستور قائلاً: "أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصـًا على النظام الجمهوري، وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصلحة الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ على سلامة البلد واستقرار أراضيه".
وبعد حلفه اليمين، ألقى الرئيس الجديد خطابـًا أمام النواب استعرض فيه أمام مجلس الشعب طبيعة الموقف بعد ثمانية أيامٍ من اغتيال الرئيس أنور السادات فـي حادث المنصة.
 
تفاصيل كثيرة ممتعة يضمها الكتاب الجديد للمؤلف الذي قدم للمكتبة العربية نحو 40 مؤلفـًا تُعنى في معظمها بتاريخ مصر الحديث والمعاصر، برؤية حريصة على الدقة في المعلومة ورشاقة الأسلوب.



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز