عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

ولاء الدين بدوى يكتب: قناة السويس .. قراءة فى مشهد الافتتاح 1869م

ولاء الدين بدوى يكتب: قناة السويس .. قراءة فى مشهد الافتتاح 1869م
ولاء الدين بدوى يكتب: قناة السويس .. قراءة فى مشهد الافتتاح 1869م

فى 17 نوفمبر 1869م تم افتتاح قناة السويس حيث جرى التقاء مياه البحرين الابيض والاحمر عند مدينة الاسماعيلية بعد عمل دام عشر سنوات ؛وانشئت مدينة الاسماعيلية عند نقطة العمل والتقاء البحرين ..وكذلك انشئت مدينة بورسعيد على شاطئ البحر الابيض المتوسط .



 

 

كان الخديو اسماعيل يريدها فرصة كى يطلع ملوك واباطرة وامراء اوروبا على ما اسماه بالنهضة التى شملت مصر فى عهده ؛وقد ابحر الخديو اسماعيل الى اوروبا مع وزير خارجيتة نوبار باشا خصيصا لتوجيه دعوة حضور حفل الافتتاح الى كبار شخصيات العالم من الملوك والرؤساء والامراء ورجال العلم والاداب والسياسة والصحافة وعظماء مصر والسودان ؛كما استحضر الخديو 500 طاه وخادم من فرنسا وايطاليا علاوه على الطهاه والخدم من المصريين والاتراك الذين كانوا فى خدمته.

 

 

وارسلت الصحف الاجنبية مراسلين لها لتغطية انباء الاحتفال وبدأ المدعوون بالحضور الى الاسكندرية منذ يوم 15 اكتوبر1869م واعدت لهم رحلات الى الوجه القبلى فى النيل  فى السفن التى اعدت وجهزت لهذا الغرض وذلك قبل بدء المهرجان الرسمى للافتتاح  ؛وانفق اسماعيل عن بذخ واسراف لا مثيل له فى الافتتاح.

 

 

وكان اول من حضر ولى عهد هولندا ثم امبراطور النمسا فولى عهد بروسيا ثم وصلت الامبراطورة اوجينى  امبراطورة فرنسا وتغيب زوجها الامبراطور نابليون الثالث لاسباب سياسية  وقد مرت قبل وصولها الى مصر  بالقسطنطينية  حيث استقبلها السلطان العثمانى "عبد العزيز" واقام لها العديد من والولائم واغدق عليها الكثير من الهدايا "مع العلم ان الخديو اسماعيل لم يدعو السلطان العثمانى لحضور الافتتاح"وصلت الامبراطورة الى الاسكندرية يوم16 اكتوبر 1869م على اليخت "النسر"الذى اقلها من القسطنطينية فأستقبلها الخديو اسماعيل وحاشيته والامراء بالحفاوة واطلاق المدافع وعزف الموسيقات .وقد ناب عن ملكة انجلترا وقيصر روسيا سفيرهما بالاستانة.وركبت  الامبراطورة القطار من الاسكندرية الى القاهرة ثم بدأت هى الاخرى رحلتها الى الوجه القبلى واعجبت اشد الاعجاب بالاثار المصرية القديمة وقالت "حيا الله المصريين انهم يعطون للموت اهتمام الناس بالحياة".

 

 

وفى يوم 16 نوفمبر 1869م اكتمل عقد المدعوين جميعا وانتشر المصريون من جنود واهالى على ضفتى القناة بخيامهم وادواتهم لمشاهدة هذ المهرجان العظيم؛وفى الساعة الثانية بعد ظهر هذا اليوم رأست الامبراطورة اوجينى الحفلة الدينية.

 

 

وحضرها جميع المدعوين بينما كانت الموسيقى تصدح والمدافع تدوى ايذانا بأبتداء الحفلة؛وقد قام شيخ الاسلام الشيخ "ابراهيم السقا "ودعا الله بأن يختص هذا العمل العظيم بمثابته ورعايته وان يهيئ له نجاحا دائما وقام بعده رئيس القساوسة وتلا الصلاة وبارك هذا العمل العظيم  ثم القى المونسينور "بلرو"مندوب البابا وواعظ نابليون  كلمة بليغة شكر فيها جهود اسماعيل فى اتصال القارتين .

 

 

وفى المساء مدت الموائد للمدعوين وسطعت الانوار فى كل جانب وعزفت الموسيقى الى ساعة متأخرة من الليل.

 

 

وفى يوم 17 نوفمبر 1869م اليوم المحدد لفتح القناة تحرك الركب من بورسعيد لدخول القناة وقد قسم الى خمس قوافل فى مقدمته هذا الركب يخت الامبراطورة اوجينى وكان بجوارها "دى لسيبس"وورائها باقى اليخوت والاساطيل وبواخر نقل المدعوين – بينما الرجال على الشاطئ يهتفون والنساء يزغردون حتى وصلوا الى الاسماعيلية وفيها استقبلهم الخديو فى قصره الفخم الذى بناه من اجل هذه المناسبة .  وايضا مضى الركب الى الشاطئ الاسيوى حيث ذهبت الامبراطورة الى عيون موسى وكذلك حرصت على تفقد المكان الذى نزل فيه "بونابرت"فى السويس عند حضورة اليها لدراسة امكان شق القناة اثناء حملته على مصر .

 

 

وقد اقيم فى حفل الافتتاح ببورسعيد ثلاث منصات ؛خصصت الكبرى للملوك والامراء وكبار المدعوين والثانية لرجال الدين الاسلامى والثالثة لرجال الاكليروس.

 

 

فى  صباح يوم 18 نوفمبر 1869م أمتطت الامبراطورة جوادا  ؛وبعد الظهر أعدت عربات نزهة للجميع –بينما كان العربان يقومون بألعاب الفروسية الجميلة وفى المساء أقيمت سهرة راقصة اعقبها مقصف حوى أطيب المأكولات وأفخر المشروبات فى كرم منقطع النظير ويكفى دليلا على مبلغ الاسراف ان نعرف نفقات الحفلات قد بلغت على اصح تقدير".

 

 

1,400,000جنية " ولا توجد حكومة رشيدة تكلف خزانتها هذا المبلغ فى ذلك الزمان "وهذا ما ادى الى افلاس البلاد فيما بعد" وبالرغم من ذلك انهالت التهانى على "دى لسبس " غدا افتتاح القناة تنسب له فضل هذا المشروع العظيم .

 

 

واصر دى لسبس فى قرارة نفسه على الا تمر ذكرى افتتاح القناة الا وتكون هذه الذكرى معلقة فى ذهنه برباط شخصى – فقد تزوج من كريمة قنصل المكسيك بالقاهرة "لويز هيلين"الفتاة التى يبلغ عمرها عشرين ربيعا وهو قد بلغ الرابعة والستين من العمر وقد كتب اميل زولا الكاتب الفرنسى يقول " لقد زوج المسيو دى لسبس البحر الابيض بالبحر الاحمر ثم تزوج هو نفسه".

 

 

فى صباح 19 نوفمبر 1869م تقدم يخت الامبراطورة تليه اليخوت الاخرى والاساطيل الى مدينة السويس فوصلوا اليها فى صباح يوم20 نوفمبر بعد ان امضوا الليلة على سطح البحيرات المره يشاهدون الالعاب النارية ولما وصلوا الى البحر الاحمر دوت المدافع ايذانا بأنتهاء المهرجان وقد بلغ من كرم  وبذخ اسماعيل عند انتهاء المهرجان انه رجا من يريد الاقامة من ضيوفة فى مصر ان ينزل فى ضيافته الى وقت شاء..

وقضت الامبراطورة يومين فى السويس وضواحيها لتستمتع بمعالمها ثم رجعت الى بورسعيد ومنها ابحرت الى الاسكندرية لمشاهدة ما فيها من جمال وتجولت ايضا فى بعض مدن الوجه البحرى وقد رجعت الى القاهرة حيث انشأ لها الخديو اسماعيل قصر الجزيرة فقد كلف مهندس البلاط الخديوى"يوليوس فرانس"عام 1863م بتصميم قصر بجزيرة الزمالك فشيد له سراى الجزيرة  على غرار قصر"الهمبرا"بغرناطة "لان اوجينى مواليد غرناطة باسبانيا عام 1826م".

 

 

وانتهى منه عام1868م واستخد كمقر لاقامة الامبراطورة اوجينى وحاشيتها خلال احتفالات افتتاح قناة السويس..

 

 

ومن القصص الطريفة التى ذاعت فى القاهرة انذاك ..ان هدية وداع الخديو لاوجينى "كانت مبولة غرفة نوم من الذهب الخالص تتصدرها ياقوته حمراء نقشت حولها بالفرنسية عبارة " عينى على الاقل ..ستظل معجبة بك الى الابد" وايضا هدية اخرى عبارة عن سرير مكسو بطبقة سميكة من الذهب الخالص رصعت اعمدته بالياقوت والزمرد والفيروز تذكارا لزيارتها وادى النيل ".

 

 

وقد شيد الخديو اسماعيل دار الاوبرا على عجل فيما لا يتجاوز خمسة اشهر وتكلف بناؤها160 الف جنيه بحساب ذلك الزمان ؛ وقد مهد الخديو اسماعيل طريق الاهرام وفى زيارته الى الاهرامات فى العربة "الالاى الخصوصى " التى كانت هدية الامبراطورية الفرنسية الى الخديو وقيل ان الامبراطورة لما تناولت مع اسماعيل طعام الغذاء فى كشك الاهرام ؛ رغبت فى تدخين الحشيش لمعرفة تأثيرة – كذلك رغبت فى مشاهدة حفلة زواج مصرية  فزف اسماعيل اثنتين من اجمل جوارية الى "ابراهيم توفيق بك –محافظ القنال" و" نشأت بك احد المديرين"فشاهدت فرحيهما داخل الحرم وخارجه وسرت كثيرا وعندما عزمت الامبراطورة على الرجوع الى بلادها رافقها اسماعيل وكبار رجال حاشيته الى يختها بالاسكندرية ومنه الى باريس.

 

 

وقد بلغ عدد من نزلوا بمدينة الاسماعيلية اثناء حفلات القناة يومى 17- 18 نوفمبر 1869م على اقل تقدير 100,000 نفس من الاجانب والمصريين وكانت المدينة تموج بزائريها كالبحر الزاخر وكان من اصعب الامور على الضيوف والسواح الاجانب العثور على سرير للنوم بفنادق ومنازل المدينة لانها كانت مشغولة  بالنازلين بها ولكن الخديو قد فكر فى هذه الصعوبات فأمر بأقامة الخيام على ضفاف الترعة الحلوة ونصب الاسرة لمبيت الضيوف والزائرين " ولعل هذه الظاهرة  تفسر اسباب خروج اهالى الاسماعيلية للمبيت فى الحدائق خلال احتفالات شم النسيم  من كل عام ..وهى الظاهرة التى تنفرد بها الاسماعيلية عن كل مدن القناة".

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز