عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

أهالـى دهشـور يبنـون مدافنهم فوق الآثار

كتبت - سهام وهدان



فى تحد صارخ لكل مصر عصرا وتاريخا ووجدانا، واصل أهالى دهشور بناءهم للمدافن فوق المناطق الأثرية حتى إن مساحة الأرض التى استولوا عليها بلغت 21 فداناً!! بعد أن كانت 3 أفدنة فى بداية الأمر لتكاد تلتصـق

بـ «معبد السوادى» للملك سنفرو، تزاحمه، تنقض عليه.. كما بدأوا فى الرسم لأساسات مدافن جديدة والتخطيط لمساحة أكبر من ذلك لتشييدها فى حضن حرم المنطقة الأثرية فى الوقت الذى نسعى فيه لاستعادة السياحة لمكانتها وكأننا لا نريد أن نفيق من إهدار ثرواتنا، هبة الفراعنة، وكأننا لسنا مصريين، نستبيح أغلى كنوزنا التى نعيش منها بعد أن عشنا عليها.

دهشور التى تم التعدى عليها من أهم المناطق الأثرية فى مصر وهى ضمن مواقع التراث العالمى التابعة لمنظمة اليونسكو منذ العام 9791، من الواضح أن الدولة لا تعرف قيمتها الأثرية جيدا، فهى تقع جنوب منطقة سقارة فى محافظة الجيزة بالقرب من معبد الوادى للملك سنفرو مؤسس الأسرة الرابعة ووالد الملك الشهير خوفو، وبها خمسة أهرامات وجبانات أثرية من عصور الدولة القديمة والدولة الوسطى، حيث اختارها القدماء المصريون لبناء أول أهراماتهم لدفن ملوكهم، فبنى فيها الملك سنفرو اثنين من أهراماته الثلاث، منها الهرم المنحنى أو «منكسر الزوايا» والذى يعد أول هرم كامل وأطول بناء شيده إنسان بالعالم فى حينه.

وفى الدولة الوسطى قام ثلاثة ملوك من الأسرة الـ 21 بتشييد أهراماتهم هناك، وهم أممنحات الثانى، وسنوسرت الثالث، وأممنحات الثالث صاحب «الهرم الأسود». وقد تم العثور على مجوهرات ثمينة لبعض الأميرات من عصر الدولة الوسطى فى هذه الأهرامات. وعثر بها أيضا على توابيت وتماثيل خشبية من عصر الرعامسة. وعلى الرغم من وجود نسبة كبيرة من الآثار فيها، إلا أن دهشور لم يتم تطويرها حتى الآن لتصبح منطقة سياحية تجارية على نمط محافظة الجيزة المليئة بالبازارات والمطاعم السياحية التى تخدم زوار المنطقة.

ويبدو أن الدولة لا تدرك حجم هذه الكارثة الحقيقية لأنها تعانى من عدم ثقافة الحفاظ على المناطق الأثرية أو التعدى عليها من قبل المواطنين، فبعد هجوم أهالى منطقة دهشور وقرية المرازيق ومزغونة على هذه المنطقة الأثرية بدهشور، وبناء مدافن جديدة امتداداً لمدافنهم القديمة تحت تهديد السلاح والاستيلاء على مساحة كبيرة قسموها بينهم بالتراضى لتحصل كل عائلة على حوالى 6 قراريط  أى ما يعادل 0501 مترا للحوش الواحد وبناء أحواش كبيرة بها عدة عيون لدفن موتاهم، صدرت قرارات من النيابة بإزالة تعديات دهشور والإخلاء الفورى للمنطقة الأثرية المحظور البناء عليها، إلا أن الموافقة الأمنية لم تصدر حتى الآن.

لم يتحرك أحد لهدم  ولو حائطاً واحداً، وقوبل الأمر بتجاهل تام وغير مبرر من قبل وزارة الدولة للآثار، فمنذ دخلت أنا ومرشدى من بداية الطريق إلى أن وصلنا المنطقة التى بنى فيها الأهالى مدافنهم قرب معبد الوادى للمك «سنفرو» وحتى انتهينا من جولتنا بعد عدة ساعات لم يعترضنا أحد أو حتى نرى أى فرد شرطة ولا حتى غفير حراسة بنبوت.

ومع هذا الغياب الأمنى الرهيب فى مناطق مليئة بالكنوز الأثرية التى لم تكتشف بعد كسقارة ودهشور أصبحت آثارها مهددة بشكل كبير إما بالتدمير أو بالسلب والنهب، وأصبح التنقيب عنها وسرقتها يتم بجرأة شديدة، فلم يقتصر الأمر فقط على بناء مدافن لهم، بل الحفر والذى لم يعد يتم خلسة والتنقيب عن الآثار بهذه المنطقة يتم بشكل يومى وعلى بعد أمتار قليلة من الأهرامات خاصة الهرم الأسود، ومؤكد أن هذا التعدّى بالحفر والبناء يهدد «الهرم الأسود» و«المنحنى- هرم سنفرو» و«معبد الوادى». ولا يتصدى لهم أحد واللافت للنظر أنهم يقومون بذلك نهاراً!! حيث شاهدت أكثر من مجموعة كل منها كانت من ثلاثة لأربعة أفراد يقومون بعمل «مجسات» لها لمعرفة إذا كانت تحوى تحتها آثارا أم لا، واندهشت من عدد الحفر الكثيرة والقريبة جدا من بعضها، والعميقة أيضا فحجم الحفرة الواحدة يصل بعضها إلى 02 مترا عمقا، وبعض الحفر الأخرى تستطيع أن ترى فى آخرها «الطاقة» التى تؤدى إلى المقبرة الأثرية.

وقد أخبرنى شاب من أهالى منطقة دهشور وكان مصاحبا فى جولتى: أن هذه المجموعات بعد قيامها بمجسات المنطقة تقوم بالحفر ليلا بالونش مولد كهرباء ومسلحين بالأسلحة الثقيلة، وليلا يكثر سماع «ضرب النار» ونعرف وقتها أن هناك إما محاولة من بعض الأفراد للتصدى لهم أو أنهم اختلفوا فيما بينهم. وبسؤاله عن سبب اختيار الأهالى لتلك المنطقة بالتحديد لبناء مدافنهم رغم أنها منطقة أثرية وغير مسموح بالبناء عليها، أوضح أن الأهالى يمتلكون مدافن قريبة من تلك المنطقة تسمى «منشية دهشور»، ويحاولون بناء مدافن أخرى امتدادًا للسابقة وتوسيعها، رغم أن المدافن السابقة لم يكتمل الدفن بها كما يزعمون، مشيرًا إلى أن الانفلات والغياب الأمنى الذى شهدته البلاد هو الذى جعلهم يتعدون على المناطق الأثرية بشكل ملحوظ بعد ثورة 52 يناير حتى أن أهالى القرى المجاورة كأهالى قلعة المرازيق وقرية مزغونة انضموا لهم فى البناء كنوع من استغلال الموقف، وأن الحل هو فى عودة السلطات الأمنية بقوة إلى هذه المنطقة.

وبالنسبة للإجراءات القانونية التى اتبعتها الدولة مع الأهالى المتعدين على المنطقة الأثرية، أوضح: لم يتخد معهم أى إجراء قانونى ولم تأتِ أى جهة أو قوة أمنية  لهم أو إزالة أى مقبرة وكل ما تم أن جاء عدد بسيط جدا من المسئولين فى محاولة للتفاهم الودى مع الأهالى وهذا فى بداية الأمر ولم تسفر محاولاتهم عن شىء، واستمر الأهالى فى البناء مع علم السلطات!! مؤكدا أن الجيش وحده هو القادر الآن على إزالة ووقف هذا التعدى، وأن الوقت فات كثيرا على تدخل شرطة الآثار أو الداخلية فكان لابد من تدخلهم بعد 42 ساعة على الأكثر من بداية البناء، أما الآن فأى تدخل لهم لن ينتج عنه إلا حدوث اشتباكات وتبادل إطلاق النار - ومثلما عبر «الشرطة لو جت هتأخذ من الأهالى علقة» لكن الجيش هو القوة الوحيدة التى لم تفقد هيبتها حتى الآن.

واتهم أحد الأهالى «ن. و» الغفراء والمسئولين عن المنطقة بالتواطؤ مع لصوص الآثار، موضحا أن العلن والجرأة التى يحفرون بها الآن تتم بتسترهم عليهم. فقديما كانت فرقة واحدة تذهب للتنقيب مرة كل شهر أما الآن فأكثر من فرقة تتواجد يومياً للتنقيب. وعن تصريحات المسئولين بأن الأهالى هددوا بهدم الهرم فى حالة أن هدت لهم السلطات مقابرهم أن هذا كلام مضحك، فكيف يهدون هرما بهذا الحجم وأن الأمور أبدا لن تصل بهم لهذا الحد فهم فى النهاية مجرد مزارعين أقصى ما سيفعلون أن يواجهوا قوات الشرطة، بل إن المسئولين أنفسهم هم من يروجون لتلك الشائعات لتأمين أنفسهم «عشان يرموا من على دماغهم المسئولية ويداروا عجزهم».

∎ هايـــــل

«الحمد لله الوضع دلوقتى هايل هايل».. بتلك الجملة صدمنى «محمد يوسف» مدير عام منطقة آثار دهشور.. شارحاً أن الأزمة شبه انتهت من حينها وأن الأهالى توقفوا عن البناء منذ مدة طويلة ولم يتعد بناؤهم أكثر من 51 عينا!! بعد أن تم التفاهم معهم بشكل ودى واستجابوا للانتظار حتى نوفر مكانا بديلا لهم وهو ما بدأنا فى عمله من 51 يوما.. مستطردا: إن هذا التعدى على المناطق الأثرية لم يحدث فى دهشور فقط، بل حدث فى سقارة وميت رهينة وأبوصير أيضا، فمصر كلها الآن يوجد بها لصوص آثار، مؤكدا  وجود حراس شرطة وغفر بمنطقة دهشور!! لكنهم غير كافين لمواجهة هذا التعدى، خاصة بعد أن تأكد الأهالى أنه بعد صدور قرار الإزاله لن يذهب لتنفيذه أحد نافيا وجود أى تكاسل بوزارة الآثار معللا أنها جهة إدارية ومدنية غير واجب عليها التنفيذ. وبسؤاله عن الجهة الواجب عليها تنفيذ قرار الإزالة قال: قرار الإزالة يذهب إلى محافظة الجيزة فهى لديها شرطة وإن لم تستطع يذهب إلى الأمن العام ومنهم شرطة السياحة  فهم من لديهم الآليات لتنفيذ قرار الإزالة. وعن وزير الآثار وهاتفه الذى لا يرد قال «يوسف»: «الوزير مابيردش علينا احنا أصلا» ولا توجد أدوات لأى فرد فى الوزارة، والوزير إما أن يتحمل مسؤليته كاملة ويحمى آثار مصر أو يستقيل.

∎ حل ودى 

واكتملت الرؤية برد «د.محمد البيلى» رئيس قطاع الآثار بوزارة الآثار قائلا: ما يتم الآن يعتبر تعد سافر على الآثار وفيه عناد صارخ واستغلال لغياب القوانين والأمن فى الدولة، وقد حاولنا حل تلك المشكلة وديًا حتى لا تتم الإزالة بشكل عنفوانى، وقمنا باختيار مكان آخر يقع بالقرب من نفس المنطقة الحالية المتعدى عليها، وسنجرى عليه بعض الحفريات الأثرية للتأكد من خلو باطنه من أى آثار، وسنقوم بعد ذلك بتوفيرها للأهالى. وبسؤاله عن تأخير توفير منطقة أخرى وهل الأمر يأخذ كل هذا الوقت قال: لا، لكن مقومات الدولة ضعيفة جدا ونحن نعيش فى حالة فوضى شديدة، والأسوأ لم يأت بعد. خاصة ونحن لدينا وزير آثار لا قوة له وأفعاله تقول كأنه يعمل ضد الآثار، فهو غير متواجد بمكتبه بالوزارة وطول الوقت يعمل من مكتب آخر بالقلعة ويدير الوزارة بثلاثة أفراد فقط، كما أنه لم يعمل بالآثار أكثر من 6 سنوات فى بداية حياته وبعدها انقطعت علاقته بها من عام 6891 عندما عين أستاذا بكلية السياحة جامعة عين شمس، فلا يوجد لديه أى مخزون للخبرة والدليل على ذلك عندما عرض علينا المعهد الألمانى المساعدة لحل هذه الأزمة لم يتوصل معهم لشىء.

وعن رؤية «البيلى» لحل هذه الكارثة قال: نحن بالفعل عاجزون عن التصرف فالأهالى لا يصبرون حتى نوفر لهم مكانا آخر، كما أن الشرطة سواعدها ضعيفة الآن وسوف تعجز عن مواجهة آلاف الناس منهم، كما أن الفساد من الواضح أنه متفشٍ داخل الوزارة، فمديرو المنطقة المسئولون عن حراسة آثارها فى ظل ما يحدث الآن إما أنهم متواطئون مع الأهالى ولصوص الآثار أو ضعاف السيطرة وفى كلتا الحالتين لابد من إقالتهم وتعيين غيرهم ذوى قبضة قوية وقدرة على السيطرة على الأوضاع هناك. 

وما النتيجة الآن؟ شرطة الآثار أو السياحة سواعدها ضعيفة، ووزير الآثار قليل الحيلة ولا يعرف أحد مكانه، وإمكانيات الدولة ضعيفة فى توفير مكان آخر للأهالى، والكل عاجز عن التصرف وحل الأزمة.. إذن النتيجة أن الحال سيبقى كما هو عليه ولن تتم الإزالة.. بل سيكون أسوأ مما هو عليه لأن المساحة المستولى عليها من قبل الأهالى بوضع اليد سوف تزيد وبالطبع سيقومون بدفن موتاهم فيها أو على الأقل سيزعمون ذلك وهذا ما سيصعب الأمر أكثر  عند اتخاذ القرار الصحيح والدعاوى جاهزة «حرمة الموتى»، ومن ثم بحور دماء، أو الاستسلام.. وعلى كنوز دهشور السلام؟

 

 

 

 

المحررة تتابع اثار التنقيب

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز