عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

رضا محمد عبد الرحيم يكتب:الخطايا الأخلاقية الكبرى للمعبودات المصرية القديمة

رضا محمد عبد الرحيم يكتب:الخطايا الأخلاقية الكبرى للمعبودات المصرية القديمة
رضا محمد عبد الرحيم يكتب:الخطايا الأخلاقية الكبرى للمعبودات المصرية القديمة

ُيعرف علم الاجتماع الأسطورة[1] بأنها طفولة التاريخ،والحقيقة أن هذا التعريف وافقه الصواب إلى حد بعيد؛فالأسطورة تتصف بالبراءة والبساطة إلى حد السذاجة،ومع ذلك فأنها أحد مصادر كتابة التاريخ الكلاسيكية ،وندين لها بالكثير والكثير من المعرفة التاريخية عن عصور سحيقة في القدم .ليس في مصر فقط بل في سائر الأمم التليدة[2].ولا يعرف التاريخ المصري القديم أسطورة أكثر عمقا في التاريخ الإنساني وأكثر تأثيرا على حياة المصري القديم من أسطورة أوزيريس،والتي تمثل الصراع الأزلي والأبدي بين الخير والشر، ونجد أن المعبودات فيها تشبهوا ببني الإنسان ،فهم يتعاملون ويحبون ويكرهون،ومن ثم فقد خلع عنهم في ذلك الرداء الذي يجعلهم بعيدين عن متناول يد الإنسان،وألصق بهم صفات لا تتفق مع جلالها وعظمتها[3].ولعل في سرد الخطايا الأخلاقية الكبرى لتلك المعبودات(من خلال أسطورة أوزيريس،والتي حيكت حولها مجموعة كبيرة من القصص) ما يؤكد على طبيعة تلك المعبودات الأقرب للبشرية أو المؤنسنه ،كذا على أن تقديس المصري القديم  لتلك  المعبودات لم تصل لحد التنزيه .كما لايمكننا أن نعتبر كثرة المعبودات إلا دليلا على أنها مظاهر متباينة وتجليات لإله واحد(كزهرة الأوركيد متعددة الأطياف) ولكن معرفته كان يجب أن تمر بمراحل ثلاث:التعددية ثم التميز ثم الوحدانية، ونحن نتحدث عن المرحلة الأولى من تاريخ البشرية(الطفولة).



 

1)خطيئة القتل:

                                                                                               

تبدأ الأسطورة بمقتل أوزيريس على يد أخيه ست، أيا كانت طريقة القتل، فتارة تشير النصوص إلي أن ست ألقاه أرضا في أرض "جحستي وفي نصوص أخرى في "نديت  Ndyt "]. وتارة إلي إغراقه أو ذبحه في dAt  أو نديت التي ربما أشتقت من فعل(ndi) بمعنى يذبح أو يضرب ركة الغرقى لتشابه مصيرهم بمصير أوزيريس و العديد من النصوص والمصادر و ارتباط الغرق بأوزيريس كإله للمياه والفيضان، وترتبط هذه المياه أيضاً بمياه العالم الأخر ،وقد توحد أوزيريس في صورة المياه العظيمة المستديرة والتي تجعل دور المعبود كتمثيل للمحيط الأزلي.

 وربما كانت الإشارة إلى العثور عليه ملقًىً على جانبه على الضفة إشارة إلى إغراق ست له.

2- قتيلاً، عندما طرحه أخوه أرضاً و قد تم تقطيعه ثم بعثرة أوصاله عن طريق أخيه ست وعضدتها فكرة جمع الأعضاء و تحنيطها.

ولا نستطيع أن نحدد الأسباب التي دفعت ست لقتل أخيه هل حقدا وطمعا في سلطان أوزيريس أم لاكتشافه العلاقة غير الشرعية بين أوزيريس ونفتيس والتي أثمرت عن أنوبيس، وخوفاً من زوجها ست ألقت بإبنها من أوزيريس في الأحراش؟؟؟ وهناك تلقفه إيزيس ورعته].

ولقد كان يوم السادس والعشرون من شهر آخت يحظى بسمعة سيئة جدا،وكان ينصح بالامتناع عن عمل أي شيء خلاله،حيث أن حورس وست كانا يتقاتلان فيه،وقد نزلا تحت الماء في صورة فرس النهر،وكانت إيزيس أم حورس تريد أن تساعد أبنها،فأطلقت خطأ رمحها نحوه،وحينها قام حورس بقطع رأسها البشرية.

2) خطيئة الشذوذ الجنسي: 

                                                    

     في أحد فصول الأسطورة نرى قصة أول حالة للشذوذ الجنسي بين المعبودين حورس وست،فعلى الرغم من معرفة"حورس"بميول عمه "ست"الجنسية الشاذة إلا أته قبل اقتراح الأخير بالذهاب للنوم معه في منزله،وأستغل "ست"وجود "حورس" في فراشه وقام باغتصابه.وبعيدا عن التفاصيل الجنسية الكثيرة الواردة في القصة،تنتهي القصة بأن رد حورس بالمثل على ست،والمغزى من القصة هو محاولة إظهار كل منهما سيطرته على الأخر؛إذن فالشذوذ الجنسي هنا يبدو وعلى وجه الخصوص بمثابة تأكيد للسيادة على من هو أقل منزله.

 

 

3) خطيئة  قبول الرشوة:  

                                                                                  

 وفى فصل أخر من الأسطورة نفسها ،قرر المعبود الأكبر"رع حور أختي"أن ينقل محاكمة الفصل بين "حورس"و"ست"على أحقية ميراث ملك "أوزيريس" والتي وفقا للأسطورة استمرت ثمانين عاما إلى الجزيرة الداخلية ؛وذلك للنطق بالحكم،وأمر ملاح الجزيرة المعبود "نمتى" بألا يسمح بعبور أية امرأة للجزيرة،ولكن المعبودة "إيزيس" اتخذت شكل امرأة عجوز وطلبت من الملاح أن ينقلها إلى الجزيرة حيث يرعى ابنها الماشية .ولكن الملاح قد فطن لماهية المعبودة ومع ذلك قبل عرضها عليه بأن ينقلها مقابل خاتما ذهبيا كان في أصبعها،وبعيدا عن السرد القصصي المطول للدور التي قامت المعبودة به بعد عبورها،فإننا أمام معبود سال لعابه أمام الذهب،وأستغل منصبه لتحقيق مكسب شخصي،وهذا بالضبط التعريف العصري لمصطلح فساد , وقد عوقب على خطيئته هذه(العقاب يدل على مدى الرقى في هذه المرحلة) بقطع أصابع قدميه،ورد الذهب.

 

خطيئة السرقة:   

 

 ولقد ثار نزاع بين كل من المعبود "تحوت" مستشار المعبود الأكبر "رع" ومعبود صغير الشأن يدعى"بابا"والأخير كان له سمعة سيئة(بسبب تطاوله بالسباب على كبير المعبودات"رع"من قبل)وقد نعت بالفاسق،والعنيف،والفظ،وربما ارتبطت تلك الصفات بوظيفته وهى"جلاد الهالكين"،وقد أتهم"بابا"المعبود"تحوت"أمام مجمع المعبودات بأنه أي تحوت يسرق القرابين الخاصة بــــ"رع"،وعلى تبرئة تحوت من هذه التهمة إلا أن هناك قصة تؤكد زعم بابا،حيث كان تحوت معبود الليل،وقد عالج الزمن الفعلي بحيث يكون الشهر القمري أقصر من الشهر المعتاد المكون من ثلاثين يوما،وبمثل هذه الوسيلة يستطيع أن يختلس لصالحه القرابين غير المخصصة خلال فترة الزمن التي تعادل الفرق بين الاثنين،وبذا فأن بابا لم يخترع شيئا’ (ومفيش دخان من غير نار) كما نقول.

 

وفى ختام حديثي أتمنى أن يكون الهدف من هذه الرؤية قد أضاف بعدا جديدا في تفسير بعض أحداث الأسطورة،ولا ينجرف البعض إلى النظرة السطحية اللأخلاقية في الأحداث-والتي تعمدت عدم الخوض في تفاصيلها- بحيث يخرج متهما لأصحاب الأسطورة بالمجون والولع الجنسي،فأننا يجب تناول تلك الموضوعات الأسطورية  تناولا يتسم بتقدير روح العصر الذي عاشت فيه،مع تأكيدا على ما ذهب أليه جان جاك روسو

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز