عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

ولاء الدين بدوى يكتب : الوجه الاخر لمحمد على "مذبحة القلعة"

ولاء الدين بدوى يكتب : الوجه الاخر لمحمد على "مذبحة القلعة"
ولاء الدين بدوى يكتب : الوجه الاخر لمحمد على "مذبحة القلعة"

 



كان محمد علي يريد الانفراد بسلطة مصر فكان علية التخلص من الزعامة الشعبية والجند الالبانيين الذين حاولوا قتلة عام 1805 م واكثر المشاكل التى واجهت محمد على هم المماليك الذين كانوا يرون انهم الحكام الاصلين لمصر وكانوا دائيمين التمرد والازعاج لمحمد على فلم تنفع معهم محاولات الصلح والارضاء بالاموال التى قام بها محمد على حتى انه أراد أن يسترضي مراد بك زعيم المماليك واعطاه حكم الوجة القبلى مقابل فريضة من المال وعدم مساعدة المماليك للانجليز ولكن لم يجدى هذا معهم حتى جاءت الفرصة لمحمد على وارسل السلطان العثماني لمحمد على يطلب منة تجهيز الجيوش والخروج لمحاربة الحركة الوهابية في شبة الجزيرة العربية وهى تنسب إلى محمد بن عبد الوهاب كانت في بدايتها تدعو إلى الاتجاة الدينى ثم انحرفت إلى الاتجاة السياسي، قلق محمد علي حيث اذا خرج الجيش في هذا الوقت وترك محمد على وحيدآ دون حماية فسوف يفكر المماليك في انتهاز هذه الفرصة والقضاء عليه، لذلك فكر محمد على في انتهاز هذة الفرصة والقضاء عليهم حيث فكر في ان يدعو زعماء المماليك ان يأتوا إلى القلعة بحجة انه سوف يقيم حفلا لتوديع الجيش الخارج لمحاربة الوهابيين، بزعامة ابنه طوسون باشا وذهبت الدعوة إلى المماليك في كل صوب من اركان مصر من مشرقها إلى مغربها ولم يشك زعماء المماليك في نية محمد على بل اتستعدوا وارتدوا الملابس الرسمية استعدادآ للحفل وهم لا يعلمون انه سوف يكون اخر يوم لهم في الحياة وقد كانت هذه الفكره هي فكرة محمد لاظوغلي باشا. وقد وقعت هذه المذبحة في يوم 1 مارس لعام 1811 م.

وفى يوم الحفل المشئوم ( 1 مارس 1811) استعد محمد علي للحفل وجاء زعماء المماليك بكامل زينتهم يركبون على احصنتهم وبعد ان انتهى الحفل الفاخر دعاهم محمد علي لكى يمشون في موكب الجيش الخارج للحرب.

واليكم المنظر لما حدث قبل بدأ المذبحة بدقائق:

لما عاد محمد علي باشا من الوجه القبلي أخذ يجهز جيشا ينفذه الى الحجاز لمحاربة الوهابيين، تلبية لنداء السلطان العثمانى، وجعل يهيئ معدات الحملة في أوائل سنة 1811م، وعقد لواء قيادتها لابنه أحمد طوسون باشا، وأعد مهرجانا فخما بالقلعة، حدد له يوم الجمعة أول مارس سنة 1811م للاحتفال بالباس ابنه خلعة القيادة، ودعا رجال الدولة وأعيانها وكبار الموظفين العسكريين والملكيين لشهود ذلك الاحتفال الفخم، وكان الترتيب ان يلبس طوسون باشا خلعة القيادة، ثم ينزل من القلعة في أبهته وموكبه مخترقا اهم شوارع المدينة ليصل الى معسكر الحملة في القبة.

وكان مثل هذا الاحتفال من المواكب المشهودة التي تحتشد لها الجماهير، وقد دعا الباشا جميع الامراء والبكوات والكشاف المماليك وأتباعهم لحضور الحفلة، فعد المماليك هذه الدعوة علامة الرضا من محمد علي باشا، وركبوا جميعا في زينتهم ، وارتدوا اجمل وأثمن ما عندهم من الملابس، وامتطوا خير ما لديهم من الجياد، وذهبوا صبيحة ذلك اليوم الى القلعة قبل الموعد المضروب لركوب طوسون باشا. وقبل ابتداء الحفلة دخل البكوات المماليك على محمد علي باشا في قاعة الاستقبال الكبرى، فتلقاهم بالبشر والحفاوة، وقدمت لهم القهوة، وشكرهم الباشا على اجابتهم دعوته، وألمع الى ما ينال ابنه من التكريم اذا ما ساروا معه في موكب، فأجابوه بالشكر، واعتذروا عن تخلف بقية أخوانهم الذين ما زالوا في الصعيد ولم يحضروا للاشتراك في الاحتفال، فقابل الباشا الاعتذار بالتجاوز والاعراب عن تسامحه وحسن مقاصده للمتخلفين، وتجاذب هو وضيوفه أطراف الحديث هنيهة ثم ما لبث ان اذ مؤذن الرحيل، فقرعت الطبول وصدحت الموسيقي، فكان ذلك اعلانا بالتأهب لتحرك الموكب. تحرك الموكب، تتقدمه طليعة من الفرسان الدلاة يقودها ضابط يدعى أوزون علي، يتبعها والي الشرطة، والأغا (محافظ المدينة) والمحتسب، ويليهم  فرقة الوجاقلية، ثم كوكبة من الجنود الأرناءود يقودهم صالح أق قوش ثم المماليك يتقدهم سليمان بك البواب، ومن بعدهم بقية الجنود الأرناءود فرسانا ومشاة، وعلى أثرهم كبار المدعوين من أرباب المناصب

فاجتازت الباب طليعة الموكب، ثم رئيس الشرطة، ثم المحافظ ومن معه، ثم الوجاقلية، ولم يكد هؤلاء يجتازون باب العزب حتى ارتج الباب وأقفل من الخارج على حين فجأة اقفالا محكما في وجه المماليك، ومن ورائهم الجنود الأرناءود، فلما رأى هؤلاء الجنود الباب قد أقفل، وكانوا عالمين بما تدل عليه هذه الاشارة، تحولوا عن الطريق في صمت وسكون، وتسلقوا الصخور التي تكتنفه وتعلوه يمينا وشمالا، واخذوا مكانهم على الصخور والاسوار والحيطان المشرفة عليه، ولم يتنبه المماليك بادئ الامر الى ان الباب قد اقفل، واستمروا يتقدمون متجهين اليه، ولكن لم تكد تبلغه صفوفهم الاولى حتى رأوه مقفلا في وجوههم اقفالا محكما، وأبصروا الأرناءود يتسلقون الصخور المشرفة عليهم، فتوقفوا قليلا عن المسير، وتضامت صفوفهم المتلاحقة بعضها أثر بعض، ولم تمض هنيهة حتى دوى طلق الرصاص من نوافذ احدى الثكنات، فكان هذا نذيرا بانفاذ المؤامرة، ذلك أنه لم تكد تلك الطلقات تدوى في الفضاء حتى انهال الرصاص دفعة واحدة على المماليك وهم محصورون في هذا الطريق الغائر في الارض، فالباب الضخم مقفل في وجوههم، والجنود الأرناءود من ورائهم ، ومن فوقهم، وعن يمينهم، وشمالهم، يتناولون برصاص بنادقهم

لم يستطع المماليك دفاعا عن أنفسهم، ولم يكن لديهم الوقت ولا القدرة على الحركة، أو الرجوع القهري، أو النزول عن جيادهم، لضيق المكان الذي حصروا فيه، ولأنهم جاءوا الاحتفال من غير بنادق ولا رصاص، ولم يكونوا يحملون سوى سيوفهم، وهيهات ان تعمل السيوف في ذلك الموقف شيئا، فانصب عليهم الرصاص ، وحصدهم حصدا، وجاءهم الموت من كل مكان.

ولما سقطت الصفوف المكشوفة من المماليك تختبط بدمائها، أمكن للباقين أن يترجلوا عن جيادهم، وأرادوا النجاة بأنفسهم من تلك الحفرة المهلكة التي كانوا مكدسين فيها، فتسلق بعضهم الصخور المحيطة بالطريق بعد أن خلعوا ما كان عليهم من الفراوي والملابس الثمينة والثياب الفضفاضة ليسهل عليهم الفرار، ولكن الرصاص كان يتلقفهم أينما صعدوا، فلا تلبث ان تتساقط جثثهم في جوف الطريق، ومن هؤلاء شاهين بك الألفي الذي تمكن في عدة من مماليكه أن يتسلق الحائط وصعد الى رحبة القلعة وانتهى الى عتبة قصر صلاح الدين، فعالجه الجنود الأرناءود برصاصة أردته صريعا، واستطاع سليمان بك البواب أن يجتاز الطريق وجسمه يقطر دما، ووصل الى سراي الحرم، واستغاث بالنساء صائحا (في عرض الحرم)، وكانت هذه الكلمة تكفي في ذلك العهد لتجعل من يقولها في مأمن من الهلاك ولكن الجنود عاجلوه بالضرب حتى قطعوا رأسه، وطرحت جثته بعيدا عن باب السراي، وتمكن بعض المماليك من الوصول الى حيث كان طوسون باشا راكبا جواده منتظرا ان تنتهي تلك المأساة. فتراموا على أقدامه طالبين الأمان، ولكنه وقف جامدا لا يبدي حراكا، وعاجلهم الجنود بالقتل، وتكدست جثث القتلى بعضها فوق بعض في ذلك المضيق، وعلى جوانبه حتى بلغ ارتفاع الجثث في بعض الأمكنة الى أمتار، واستمر القتل الى أن أفنى كل من دخلوا القلعة من المماليك، ومن لم يدركه الرصاص ممن وقع تحت جثث الآخرين أوفر في نواحي القلعة أو تخلف عن الموكب، ساقه الأرناءود حيا إلى الكتخدا بك فأجهزوا عليه ضربا بالسيوف، واستمر القتل من ضحوة النهار الى هزيع من الليل حتى إمتلأ فناء القلعة بالجثث.

وهكذا دخل القلعة في صبيحة ذلك اليوم أربعمائة وسبعون من المماليك وأتباعهم، قتلوا جميعا، ولم ينج منهم الا واحد يسمى (أمين بك)، فانه كان في مؤخرة الصفوف، فلما رأى الرصاص ينهال على زملائه طلب النجاة فصعد بجواد الى المكان المشرف على الطريق وبلغ سور القلعة، وراى الموت محيطا به، فلم يجد منجي الا أن يرمي بنفسه من اعلى السور الى خارج القلعة، وكان الخطر المحقق في تلك المحاولة، اذ يعلو السور عن الارض ستين قدما، ولكنه خاطر بنفسه مؤثرا الموت على القتل، فلكز جواده، فقفز به مترديا، ولما صار على مقربة من الارض قفز هو مترجلا، وترك الجواد يتلقى الصدمة، فتهشم الجواد لفوره، ونجا أمين بك من الموت، ومضى يعدو في طريق الصحراء، ومازال يطوي الفدافد متنكرا حتى بلغ الى جنوب سورية.

احكم محمد علي باشا تدبير المؤامرة، فلم يقف على سرها الا اربعة من خاصة رجاله، وهم حسن باشا قائد الجنود الأرناءود، والكتخدا بك محمد لاظ أوغلي، وصالح قوش احد ضباط الجند، وابراهيم اغا حارس الباب، وصالح قوش كما مر بك كان يقود كوكبة الجنود الأرناءود في الموكب، وهو الذي أمر باقفال باب العزب واعطى اشارة القتل الى رجاله.

وبينما كان صالح قوش يتأهب لتنفيذ المؤامرة كان محمد بك علي باشا جالسا في قاعة الاستقبال، ومعه أمناؤه الثلاثة، وقد ظل في مكانه هادئا الى أن بدأ الموكب يتحرك، واقتربت اللحظة الرهيبة، فساوره القلق والاضطراب، وساد القلعة صمت عميق، الى أن سمع اطلاق أول رصاصة، وكانت ايذانا ببدء المذبحة، فوقف محمد علي وامتقع لونه، وعلا وجه الاصفرار، وتنازعته الانفعالات المختلفة، واخذ يسمع دوي الرصاص وصيحات الذعر والاستغاثة وهو صامت لا ينبس بكلمة، الى ان حصد الموت معظم المماليك، واخذ صوت الرصاص يتضائل، وكان ذلك اعلانا بانتهاء المؤامرة، وعندئذ دخل عليه المسيو ماندريشي طبيبه الايطالي وقال له: "لقد قضى الأمر واليوم يوم سعيد لسموكم"، فلم يجب محمد علي بشئ، وطلب قدحا من الماء فشربه جرعة طويلة، وخرج الكتخدا بك وأخذ يجهز على الباقين من المماليك.

لم يكن أحد من سكان القاهرة يتنبأ قبل أن تقع المذبحة بما خبأه القدر بين أسوار القلعة، فكانت الجماهير يعلوها الابتهاج محتشدة في الشوارع المعدة لسير الموكب تنتظر مروره، ولقد مرت طليعة الموكب بين جموع المتفرجين، واخذ الناس يترقبون بلهف مرور الصفوف التي تليها، ثم انقطع تلاحق الصفوف، فعجب الناس وطفقوا يتساءلون عن السببن وذهبت أفكارهم في تفسير ذلك مذاهب شتى، وفيما هم ينتظرون قدوم الصفوف المتأخرة سمع المحتشدون في ميدان الرميلة الذي بأسفل القلعة صوت الرصاص يدوي في الفضاء بعد أن اقفل باب العزب، فسرى الذعر الى الناس اذ وصل خبر المذبحة الى الجماهير القريبة من القلعة وصاح صائح: "قتل شاهين بك" وسرعان ما ذاع الخبر بسرعة البرقة الى مختلف الانحاء، فتفرقت الجماهير واقفلت الدكاكين والاسواق، وهرع الناس الى منازلهم، وخلت الشوارع والطرقات من المارة، واعقب هذا الذعر نزول جماعات من جنود الأرناءود الى المدينة يقصدون بيوت المماليك في انحاء القاهرة، فاقتحموها واخذوا يفتكون بكل من يلقونه فيها من أتباعهم، وينهبون ما تصل اليه أيديهم، ويغتصبون من النساء ما يحملن من الجواهر والحلي والنقود، واقترفوا في ذلك اليوم واليوم الذي تلاه من الفظائع ما تقشعر منه الابدان، ولم يكتفوا بالفتك بمن يلقونه من المماليك ونهب بيوتهم واغتصاب نسائهم، بل تجاوزوا بالقتل والنهب الى البيوت المجاورة، وبلغ عدد المنازل التي نهبوها خمسمائة منزل، واصبح اليوم التالي (السبت) والسلب والنهب والقتل مستمر في المدينة، واضطر محمد علي باشا الى النزول من القلعة في صحوة ذلك اليوم وحوله رؤساء جنده وحاشيته لوضع حد للنهب والاعتداء، فمر بالاحياء المهمة التي كانت هدفا لعدوان الأرناءود، وامر بقطع رءوس من استمروا في النهب والاعتداءوكذلك فعل معه ابنه طوسون،.

قال الجبرتي: "ولولا نزول الباشا وابنه في صبح ذلك اليوم لنهب العسكر بقية المدينة وحصل منهم غاية الضرر"".

ونبه على الأرناءود بأن يقتصروا على القبض على المماليك الذين بقوا أحياء لتخلفهم عن الذهاب الى القلعة في اليوم المشهود، وارسالهم الى القلعة، فكان الكتخدا بك يأمر بقطع رءوسهم، ولم ينج منهم الا من هرب من المدينة مختفيا وهاجر الى الوجه القبلي، وذلك صدر محمد علي أمره الى كشاف المديريات باعتقال كل من يلقونه من المماليك وقتلهم.

بلغ عدد من قتلوا من المماليك في القلعة وفي انحاء القاهرة والمديريات في تلك الايام الرهيبة نحو 1000 من امراء وكشاف واجناد ومماليك وقد ذكر الجبرتي اسماء من لهم شهرة ممن قتلوا بالقلعة وبلغه خبرهم.

ويقول المسيو جومار وهو الذي جعله محمد علي باشا مديرا لاول بعثة مدرسية مصرية في فرنسا

"لو أمكن محو تلك الصحيفة الدموية من تاريخ مصر لما صار محمد علي هدفا لاحكام التاريخ القاسية".

ومن جهة أخرى فان الفتك بالمماليك على هذه الصورة الرهيبة قد كان له اثر عميق في حالة الشعب النفسية، لان مذبحة القلعة ادخلت الرعب في قلوب الناس وكان من نتائجها ان استولت الرهبة على القلوب، فلم يعد ممكنا الى زمن طويل ان تعود الشجاعة والطمأنينة الى نفوس الناس، والشجاعة خلق عظيم تحرص عليه الامم الطامحة الى العلا، وهي قوام الاخلاق والفضائل القومية، فاذا فقد الشعب الشجاعة وحلت الرهبة مكانها كان ذلك نذيرا بانحلال الحياة القومية وفسادها، فالرهبة التي استولت على النفوس بعد مذبحة القلعة كان لها أثرها في اضعاف قوة الشعب الخلقية والمعنوية، وتلك خسارة قومية كبرى، فانما الامم اخلاق وفضائل، اضف الى ذلك ان هذه الحادثة وقعت في الوقت الذي كانت فيه النفوس قد تطلعت الى مراقبة ولاة الامور ودبت فيها روح الحياة والديمقراطية، وتعددت مظاهر هذه الروح بما رأيت من اجتماعات الشعب واحتجاجاته على المظالم، وفنحسب ان مذبحة القلعة قد قضت على هذه الروح الى زمن طويل، واحلت في مكانها روح الرهبة من الحكام، ولعل هذه الروح الجديدة قد جعلت محمد علي باشا اكثر اطمئنانا على انفراده بالحكم، فلم يبد من الشعب في خلال السبع والثلاثين سنة التي قضاها في الحكم بعد تلك الحادثة روح ومعارضة او محاسبة او انتقاد، وغني عن البيان انه مع ما اسداه محمد علي من الخير للبلاد في خلال حكمه فانه لم يعوض على الشعب ما فقده من تلك الناحية الخلقية، ناحية الشجاعة الادبية والروح الديمقراطية، تلك الناحية التي هي من اركان عظمة الامم ومن دعائم حياتها القومية.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز