عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

رضا محمد عبد الرحيم يكتب : حقوق العمال فى مصر القديمة

رضا محمد عبد الرحيم يكتب : حقوق العمال فى مصر القديمة
رضا محمد عبد الرحيم يكتب : حقوق العمال فى مصر القديمة

وقف رمسيس الثانى فى العام الثامن من حكمه ،وفى أثناء زيارته التفقدية للعمل بمحاجر الجبل الأحمر بين العمال وخطب فيهم قائلا:



إن حبكم لىً هو الذى يدفعكم إلى العمل من أجلى..إن تحيتكم لىً تشد من أزرى"،وبهذه الكلمات الرقيقة والتى أعرب فيها عن شكره وتكريمه ُللعامل المصرى القديم ،قدم لنا ميثاقا قديما لإيمان الدولة المتقدمة بدور هذا العامل،ودوره ُ فى بناء المجتمع من قبل رمسيس الثانى ،وحتى عصرنا هذا..

 

طبيعة العمل:

 

إذا كان العالم المتحضر اليوم قد ربط بين التعليم وسوق العمل ، فأجدادنا كان لهم السبق فى هذا ،إذ كانت مؤسسة الدولة المتمثلة فى الملك –كسلطة دينية مطلقة- تسعى لإعداد وتدريب كوادر بشرية قادرة على القيام بما يسند إليها من أعمال خاصة بالمجموعة الجنائزية للملك،والذى كان يحرص على الإنتهاء منها فى حياتهُ.

وكان بعض العمال يوصفون بالألقاب التى تدل على مهنتهم،فنجد من بينهم قاطع الأحجار،والحفار ،والنحات ،والنقاش،والرسام.وإلى جانب العمال الحرفيين ،نجد أنه كان يوجد فريق من العمالة المساعدة مثل المزارعيين والسقائين والصيادين ،وكانوا مسئولين عن نقل المواد الغذائية ومعدات العمل.كما تذكر النصوص أيضا حراس المقابر الملكية .

 

تنظيم العمل:

كان هناك مكتب لإدارة شئون العمال،كان يحتوى على أرشيف يقوم الكتبة بوضع التقارير فيه عن حياة العمال ،وقد عُثر على أوستراكا مؤرخة بالعام الأربعين من حكم "رمسيس الثانى" -محفوظ الآن بالمتحف البريطانى- كتب عليها رئيس العمال أسماء عمالهُ البالغ عددهم ثلاثة وأربعين ،وأمام كل اسم عدد أيام الشهر التى غابها عن العمل،كما كتب أسباب هذا الغياب بالمداد الأحمر أمام كل تأخير أو غياب. وكان من ضمن هذه الأسباب :المرض،أو الذهاب لتقديم القرابين للمعبودات.

 

المرأة العاملة:

تألف مجتمع العمال فى مصر القديمة  أيضا من زوجات وأطفال العمال،وكان بعض الأولاد الصغار يمارسون الأعمال المؤقتة مثل توصيل الرسائل،ولضلك عُرفوا بـ "أطفال المقبرة"وبالرغم من أنهم لم يُدرجوا رسميا ضمن قوة العمل.

وقد شاركت المرأة الرجل فى كافة الأعمال ،وكانت أهليتها كاملة ومطلقة ،ولم تعرف المرأة المصرية الوصاية-التى خضعت لها المرأة الرومانية- فمنذ الأسرة الثالثة كان للسيدة "سنب سنت"والدة "متن" أحد كبار موظفى الدولة،مطلق الحرية فى ملكية وأستخدام ميراثها ،وكتبت وصية لصالح أبنائها،كان نصيب أبنها متن منها خمسين أرورا.

 

مدن العمال:

كشف الدكتور" زاهي حواس " عن مقابر العمال الذين بنوا الأهرامات  عام 1990م. والذي ثبت من خلال دراسات مركز البحوث القومي انهم يحملون الجنسية المصرية وتم الكشف عن أدلة كثيرة فهؤلاء العمال المصريين كانوا يأخذون الأحجار البازلتية و الجرانيتية المتخلفة من بناء الهرم ليستخدموها في بناء مقابرهم المتواضعة،كذا  اغلب هياكلهم العظمية بها كسور في عظام الظهر نتيجة حمل الأحجار المستخدمة في بناء الهرم . إن كبار هؤلاء العمال حملوا ألقابا مصرية تدل على قيامهم بالبناء والإشراف على إقامة الهرم و من هذه الألقاب: :-
." كبير الحرفيين ،أى كبير عمال "

شيد سنوسرت الثانى مدينة كاملة لإسكان العمال،والفنانين الذين قاموا ببناء هرمهُ فى اللاهون بمحافظة الفيوم،وتنقسم المدينة إلى عدة أحياء يتكون كل منها من مجموعة من المساكن المتجاورة تخطيطها متناسق .وفى الدولة الحديثة أنشىء غرب مدينة الأقصر مدينة للعمال وهى دير المدينة- التى يرجع اسمها إلى الدير القبطى القديم- أما الأسم المصرى القديم فكان "مكان الحق" ، وتقع بالقرب من واديى الملوك والملكات ؛حيث تتركز أماكن العمل ،ويبدو أن أقدم تجمع عمالى بدير المدينة يرجع العصر "تحتمس الأول" ،الذى عُثر على اسمهُ مختوما على قوالب الطوب اللبن التى أُستخدمت فى بناء السور الذى أحاط بالقرية ،وقد أدى حريق إلى تدمير تلك القرية الأولى،واعيد بناءها قبيل عهد الملك" تحتمس الثالث"،وعندما جاء الملك "أخناتون"

استعان بعمال هذه القرية ليساعدوه فى تأسيس عاصمته الجديدة بتل العمارنة بالمنيا.

 

 أجور العمال:

كانت الأجور تُصرف فى شكل مواد غذائية مثل القمح والشعير والجعة والخبز والزيت ،وأحيانا ما كانوا يمنحون مكافآت تشجيعية من الملك فى مناسبات مختلفة مثل اللحوم،والجعة المستوردة ،وقطع من القماش أو النحاس ،كما كانوا يُمنحون ثلاثة أيام كعطلة كل شهر.

كما كان لهم الحق فى بناء مقابرهم الخاصة وتزينها برسوم حائطية،كمقبرتى "خا"و"سنجم" –غرب قرية دير المدينة- اللتين زُينت فيهما كل من حجرة الدفن والمقصورة برسوم ومناظر حيوية زاهية اشتملت على نصوص دينية ومناظر للآلهة والعالم السفلى،ومناظر أخرى تمثل المتوفى مع عائلته.

كما كانت هناك أيضا مناظر تمثل جنازة الميت نفسه ،واحتوت حجرة الدفن على توابيت المالك وزوجته،وربما أفراد آخرين من العائلة،مع كل المقتنيات التى رغبوا فى اصكحابها معهم إلى العالم اآخر،فنجد أن "سنجم" قد اصطحب معه أدوات القياس التى كان يستخدمها فى حياته.

 

إضرابات العمال:

شهدت مصر القديمة ايضا العديد من اضرابات العمال ؛دفاعا عن حقوقهم ،ففى العام التاسع والعشرين من حكم الملك "رمسيس الثالث"لم تصل المؤن فى موعدها ،فقام الكاتب"آمون نخت" بإعلان العمال بأنه قد مضى من الشهر عشرون يوما ولم تصل مؤنتنا من الطعام ،مما أدى إلى قيام العمال بإضراب عن العمل-وهو أول أضراب فى التاريخ – وهو ما وصل الينا مدونا على بردية محفوظة بمتحف تورين ،حيث ذكرت أن العمال أعتصموا خلف معبد الملك "تحتمس الثالث"القريب من موقع العمل،فحاول مسئولو إدارة جبانة طيبة الغربية إقناعهم وإدخالهم إلى المعبد لمناقشة مطالبهم،إلا أنهم رفضوا ذلك،وعادوا إلى المقبرة التى يعملون بها ،وتوالت الأعتصامات للمطالبة بمتأخرتهم من المأكل والمشرب والملبس،حتى أضطرت الإدارة مع توالى الإضرابات إلى صرف نصف مستحقاتهم للتهدئة،لكن هذا لم يف بالغرض،،فلجأ العمال إلى طريقة جديدة للتظاهر ،وهى الإعتصام ليلا،وحمل المشاعل .

وفى الشهر التاسع من نفس العام ،طالب زعيم العمال بعرض مطالب العمال وأتهامتهم لرؤسائهم بالفساد الإجتماعى والمالى على الملك "رمسيس الثالث" أو وزيرهُ. وتوالت الإضربات فى أواخر نفس العام أيضا.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز