عاجل
الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

د.فؤاد الدواش يكتب : أحاديث في سفينة الحمقى "ناراغونيا الموعودة"

د.فؤاد الدواش يكتب : أحاديث في سفينة الحمقى "ناراغونيا الموعودة"
د.فؤاد الدواش يكتب : أحاديث في سفينة الحمقى "ناراغونيا الموعودة"

                                                                                                     
لقد دفعت الكثير بينما أنا بالكاد أعيش!!!




أنا "إما مفقود أو مولود"


أما الولادة فهي الزواج من شقراء جميلة، والحصول على جواز المرور " صك الغفران " من الفقر لعالم الأغنياء ،
 سأقوم بمساعدة أهلي المساكين ليعيشوا عيشة معقولة ، كما أنني سآخذ أبي وأمي للحج ..


 لقد نسيت ...وكيف يمكن لي النسيان !! أن أبي قد مات أثر فشل كبدي من إصابته بفيروس "سي"...يا خسارة لم يلحق بعقار " سوفالدي "...ولكنني سأقوم بالحج بدلا منه وسيصله الثواب بإذن الله...


كما أن أخي كبُر ويريد أن يتزوج ويبدو أنني يجب أن ازوجه وإن تيسر حالي سأقوم بالإتيان به إلى هنا ،


في تلك البلاد... الحياة النظيفة والمعاملة الآدمية ، خلينا نعيش يومين ، فجأة...حدثت هزة بالمركب وشعرت بأثر المياه ، كأن المركب سيغرق؟؟؟


لا الحمد لله ...المياه كانت قادمة من الموج وليس من أسفل المركب ....إن شاء الله هنوصل..


طيب لو ربنا كتب علىّ الموت الآن ...سأكون شهيدا؟؟ أم أنني ألقيت بنفسي إلى التهلكة؟؟؟؟


واقع الأمر إنني لو متُ في هذا المركب سأكون شهيدا لأنني أسعى للرزق وأسعى لكفاية أهلي وولدي.....


ولكنني سمعت شيخا يفتي في التلفزيون بأنني لو مت في هذا المركب لن أكون شهيدا لأنني ألقيت بيدي إلى التهلكة...ياااه...لا دنيا ولا آخرة...!!!


هكذا دار الحديث داخل عقله وقلبه ..وانجذبت روحه في اتجاهات متعددة فيما بين ..الشهادة المقدسة/ وإلقاء النفس في التهلكة......الغنى/ العودة للفقر .....الآمال/ الانكسارات ....الشقراوات/ من أكلهن الفقر والاحتياج.


حين كتب "سباستيان برانت " روايته "سفينة الحمقى" حملت معها سخرية كبيرة من الحماقة من أشخاص يظنون أنهم سيصلون إلى الأرض الموعودة ، وكان يقودهم أكثرهم حمقا ، فقد كانت الكتب مكدسة على مكتبه في السفينة ولا يكلف نفسه عناء قراءتها ويصدق أنه يفهم ويعلم ويقوم بدور قيادي لمجموعة الحمقى وصولا إلى الأرض الموعودة " ناراغونيا" ، إن حمقى "برانت" في سفينته التي تصورها  طبقا لتحليل  البنيوي الفرنسي " ميشيل فوكو" في كتابه " تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي" كانوا مجانين فعلا ، وإن المجنون في عقل ذاك العصر  مغضوب عليه من الرب وبالتالي وجب إبعاده لتطهيره ،وماء البحر هو مكان التطهير ، إن هؤلاء المجانين طبقا لتحليلات "ميشيل  فوكو" يجب أن يظلوا (داخل الخارج.."في البحر") و(خارج الداخل.."أي بعيدا عن اليابسة والناس الأسوياء") ، هكذا كان يتعامل " العقلاء " في العصر الكلاسيكي مع " اللاعقل" ، داروينية اجتماعية مطعمة بإسم الإيمان والتطهير.
إنهم (25) شابا أقرب إلى عمر الأطفال من مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية...أُعلن موتهم غرقا في البحر المتوسط وهم في سفينة تهريب غير شرعية(28 إبريل 2016) ، يركبون البحر وهم في حالة هذيان ، ضلالاتهم تتأرجح بين الغنى والفقر ، بين الحياة والموت ، الجنة والنار ، حوريات أوروبا و لا نساء الشرق....، تارة يغلفون ركوبهم البحر بالدين والاستشهاد والسعي للرزق وتارة أخرى يغلفونه بالدنيا ولذاتها وزخرفها ...


إلا أن هؤلاء (25) شابا ..راكبي سفينة الحمقى في القرن الواحد والعشرين ...لم يصنعوا حمقهم الذاتي ولا جنونهم الذي يحتاج لتطهير بالإلقاء في البحر ...لقد أغلق سادة الوطن ومُلاكه كل الأبواب في وجههم...إن الأرض الموعودة لدى هؤلاء الشباب ( ناراغونيا) لم تكن إيطاليا المهاجرين لها...إن ( ناراغونيا) التي حلموا بها هي مصر وطنهم وما ركوبهم البحر إلا للعودة إليها مرة أخرى بأوراق خضراء أو حمراء ،،ولكن سادة الوطن وملاكه والقائمين عليه  الأذكياء يعلمون أن ناراغونيا لن تكون إلا لهم ولأبنائهم  بالميراث....، فما لم يدركه راكبي سفينة الحمقى أنهم لو وصلوا لناراغونيا المؤقتة ...ستصبح ناراغونيا دائمة ...فقد كُتب على هؤلاء الحمقى أن يعيشوا في ناراغونيا المؤقتة " المهجر"...لكي يخدموا سادة وملاك "ناراغونيا " الدائمة ...والتي هي حلمهم وما يجري في دمائهم
هذا ليس تشاؤم...فالأحمق سيعمل في العام مثلا بعشرين ألفا...واقع الأمر أن العشرين ألفا سيتم وضعهم في حصالة " البنوك " ليأتي سادة ناراغونيا ويأخذون المال للاستثمار...وبفعل غلاء الأسعار والتضخم سيصبح العشرون ألفا لا قيمة لهم....لذا سيضطر الحمقى للعودة "لناراغونيا البديلة " للمهجر لمزيد من المال...ليس لأنفسهم إنما لسادة وملاك ناراغونيا المرغوبة...لا يعرف الحمقى أن قدرهم أن يظلوا في خدمة سادة ناراغونيا الحقيقية التي حلموا بها وتسكن بداخل أوردتهم.

 

* أكاديمي مصري-عضو منتدى الفكر العربي

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز