عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

مارينا فارس تكتب : أطياف الكبار

مارينا فارس تكتب : أطياف الكبار
مارينا فارس تكتب : أطياف الكبار

وصلني خبر تكليفي بالسفر في مهمة عمل إلي تلك البقعة الباردة التي تقع في نهاية الخريطة وكأنه دعوة لفرض هدنة قصيرة في رأسي المسكين. بالطبع اتمّت الأجراءات في أسرع وقت حتي وجدت نفسي أغوص في مقعد مريح في الطائرة. اه ما اجمل السفر! تترك عالمك كله وترحل الي مكان اخر. تزرع بخطاك شوارع لم تزورها من قبل وتطرق ابوابا لا تعرفك, وكأنك تولد من جديد لكن الفرق الوحيد أنك تحمل معك كومة من الذكريات والاسئلة الحائرة الي عالمك الجديد. فتصير ايام سفرك كجملة اعتراضية في قصيدة ايامك. فمنذ متي وكان بأمكاننا إيقاف رؤوسنا عن العمل حين نريد؟!. ثمة أشياء لا يجدي معها الصمت نفعاً, فلا تتمكن من إغلاق دولاب ذكرياتك عليها وتركها تصطخب لأنها حتماً ستخضب عينيك ببريقها, وتشتعل بين أصابع يديك بأهتزازت البوح, ولاتدع لك الفرصة لتلقيها في رف بعيد فتغطيها أتربة الأنتظار فهي دائماً تحظى بزخم الفرح, ثمة أشياء لا تنطبق عليها شفتي الصمت فلا تسكت, تتبعك كعطر دون ملل وثمة أشياء تعلو فوق قامة الدهشة, فمن شدة صراحتها وتشبثها بمرتفعات الصدق يصير التصريح بها في رداء اللغة أهانة لها. وثمة أشياء شفافة, لاتبدو إلا لتختفي, لا تلمس الواقع إلا وتحترق. جميعنا لدينا أشياء كتلك, أما نملكها أو تمتلكنا, إما نركض خلفها أو تركض خلفنا. 
الطائرة بدأت في التحليق والأرتفاع شيئاً فشيئاً, وهي ترتفع كانت روحي ترتفع معها, السحب في نافذة الطائرة جانبي تقترب وتصير كأنها في متناول يدي, أتذكرالأن حين كنت طفلة صغيرة كنت أتمنى لو أخطو علي السحب وأصنع منه أرجوحة. كنت أخاله كحلوي غزل البنات الهشة, تلك المفضلة لدي كانت تذوب في فمي وتمنحني شعور فريد بالتحليق. تغوص الطائرة في السحب كما أغوص أنا الأن في أفكاري التي لا تعرف الصمت. لم يقطع صوت أفكاري الداخلية إلا صوت جاري الصغير في المقعد أمامي, لكنه صغير إلى ذلك الحد الذي يجعل كل لغته وأبجديته إما ضحك أو بكاء, طفل لم يتجاوز عامه الأول ينظر مذعور إلى كل شيء حوله, ترى ما الذي يجعله يصرخ إلى هذا الحد؟! كنت قد قرأت منذ أعوام مقالة تتحدث عن عالم الصغار, في محاولة تفسيرها قال الكاتب أن الأطفال تزورهم أطياف تشبه جنيات الحكايات, جميلة ترتدي الوان قوس قزح, تأتيهم دوماً لتداعب صحوهم وغفوتهم وتحدثهم بلغة لا يفهمها سواهم, تتسبب في ضحكهم دون مبرر وايضاً في بكائهم حين ترحل فجأة, يقول الكاتب أن تلك الأطياف تنقطع عن زيارتهم حين يكبرون قليلاً, حين نشرع في تعلم اللغة ترحل عننا تلك الأطياف لانها لا تريد لأمرها أن ينكشف. ولأننا نشرع في بناء عالم في عقولنا, قوامه أفكارنا, أحلامنا, خططنا, معاركنا وخيباتنا الصغيرة. يصنع كل منا عالمه الخاص الخالي ويلونه كما يريد ويسيجه بالأسرار,و يتوه علم النفس في تفسيرها, ولا يدع هذا العالم الخاص مساحة لحديث الاطياف الشفافة. والأن أعيد التفكير في تلك المقالة التي استقبلتها منذ أعوام باندهاش عارم, ترى هل تختفي حقاً تلك الأطياف حين نكبر أم أنها تتحول لأفكار تتعارك في عقولنا التي يجهدها تتابع الأعوام. ترى جاري الصغير يبكي لأن الأطياف رحلت عنه أم أنه قد أفذعته الأطياف التي تتصارع في رأسي الأن؟!
آه حتي السفر لم ينقظني من رسم علامات الأستفهام وطرح الأسئلة حتي وأنا أحلق بين السحب! أم أن الأنسان قد خلق للحيرة, يمضي كل أطوار حياته علي ضفاف نهر أسئلة لا تنضب ولا تجد أجابات.



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز