عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

مارينا فارس تكتب: انتزاع

مارينا فارس تكتب: انتزاع
مارينا فارس تكتب: انتزاع

أنها اللحظات الاخيرة التي أجلس فيها خلفك, الأخيرة التي أجلس لا أفعل شيء سوى الأصغاء لأنفاسك و تأملك. كنت أنظر إليك من خلال الفراغ بين مقاعد القطار الضخمة وأنا أعلم أنك بعد قليل سوف تتبخر إلى عالمك, أراك تنظر من النافذة وتتوه عيناك في الطريق وتتابع الحقول وأعمدة الأنارة. أنا أصغي باخلاص إلى صمتك فلا أجد إلا أجمل الألحان. وأسأل نفسي للمرة العاشرة بعد الالف: يا تري فيما تفكر يا سيدي, من المؤكد أني ليس لي نصيب من أفكارك. 



كان قد حل ظلام وهبط مساء كالذي امتلأ به قلبي .ظلام أكد الخبر, الحقيقة التي حاولت تجاهلها. جعلني أفقت من دوامات قوس قزح. هل ترك القدر الأبراج الاسمنتية القبيحة تعلو فتأكل من مساحة زرقة السماء وذلك الطفل يصطاد عصفور لا حيلة له وتفرغ لهد أحلامي, أنا فقط أريد أن الاقيك صباحاً في مقهي نائي يغسل المطر نوافذه الزجاجية, و يعطر البحر مقاعده الخشبية, نرتشف القهوة معاً في طقوس ملكية, نتجادل حول أخبار صحف الصباح التي نعرف مسبقاً أن نصفها كذب, أحدثك عن خططي المستقبلية وعن بريق عينيك في حيادية تامة, أخبرك بتلك الصاعقة التي تطل منهم, التي تكفي لأنارة كل الليالي المظلمة عندما يأخذ القمر أجازة ليقابل حبيبته.

توسلت للطريق ألا ينتهي واستحلفت عينيك ألا ترحل. لكن بطئت سرعة القطار ولاحت من بعيد أضواء المحطة وبدأ الرصيف في الظهور,بدى كملاك الموت الذي سيسلبني روحي و نهض كل الركاب ليجمعوا حقائبهم ومتعلقاتهم. أما أنا فكنت الملم بقاياي من حولك فتلك نظراتي تشبثت بعينيك, وكفي تركني و اختبئ في راحتك. لو تعلم شعوري بالانتزاع وأنا أقف خلفك لأنزل من القطار, شعرت  كشعور طفل قد خلعت سنته الصغيرة لتوه. حين وصلت للباب نزلت السلم الصغير شعرت أن قلبي يغوص داخلي. وحين وطأت قدمي الارض كانت قد سقطت قصتي الصغيرة و تاهت في زحام أكوام حقائب الرحيل والأناس المسرعين في كل اتجاه كالمجانين.

اندمجنا في سيل المسافرين الذين تدافعوا من باب القطار وانتشروا في المحطة كرشة عطر تشتت شذاه. وقطعت أنا الرصيف وأنا اتساءل تري ما اسمك واي لون يسكن عينيك؟
 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز