عاجل
الجمعة 27 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي

رابح محمود يكتب: وإذا المُفتَرَسَةُ سُئِلت

رابح محمود يكتب: وإذا المُفتَرَسَةُ سُئِلت
رابح محمود يكتب: وإذا المُفتَرَسَةُ سُئِلت

الألم يمزق الحشى.. يضرب القلب المكلوم بقسوة.. ويضفى على الكون غيما من حَزَن.. ويعتصر الفؤاد الحزين ويضنيه.. ويطرح فى الكون ألف سؤال وسؤال.



أسئلة تصطدم بجدار الإيمان.. فيحتويها ويربت عليها ويهدأ من روعها.. فلا تجنح ولا تحيد ولا تند.. وتظل تأنس بالمشيئة العليا.

والقصة المؤلمة تبدأ من حيث انطلاقه.. لم ينطلق من عرينه فليس فى هذه البلاد عرائن.. وإنما انطلق من قفصه ومن حجرته وأسواره.

انطلق من أين؟ لا يَدرى، إلى أين ؟ لا يَدرى، انطلق كأن النداهة طلبته فلبى، لا يعلم أن نهاية عمره وحياته اليوم هو وفريسته المسكينة.

وانطلقت المسكينة فى نشوة ومرح تملأ الدنيا ضحكا وحبورا، تقفز أمام أبيها، فيضحك، وينظر إليها وهى تبتسم، فتشرق فى قلبه شمس السعادة والسرور.

طلبت منه أن تذهب معه إلى الأرض التى يزرعونها، أجاب طلبها وهو سعيد بسعادتها، لم يكن يعلم أن فى انتظاره وانتظارها هول ليس بعده هول، لم يكن يعلم أن الحزن يركض فى انتظارهما، كركض الوحش فى البرية، لم يكن يعلم أن الحُزن يكشر عن أنيابه لافتراسهما، لم يكن يعلم، وخير له أنه لا يعلم.

ودعتها أمها وقلبها يكاد يذهب معها، تكاد أن تثنيها عن الذهاب مع أبيها، لكنها لا تريد أن تكدر صفو سعادتها، تتركها وهى تعلم أنها ستعود بعد قليل مع أبيها فرحة سعيدة، لكنها ......... لم تعد.

كان النمر الذى انطلق من صحرائه يعتلى الشجرة التى يجلسون فى ظلها، يستريحون قليلا ليواصلوا العمل، فى هذه الجنة الخضراء، المطلة على مشارف الصحراء، النمر من علٍ ينظر إلى البنت ذات التسع سنوات، فيقفز إليها، يحملها بين أنيابه مسرعا، يرى الأب هذا المنظر البشع فيهرول وراء النمر، يصرخ يملأ صراخه الكون، يصل صراخه إلى السماء، يدوى فى أرجاء الفضاء، يجتمع الفلاحون حوله، ويهرولون وراء هذا المخلوق الغريب عليهم، من أين أتاهم وليس فى البلاد غابات ولا أحراش، من أين أتاهم وجُل ما يتحاشون كلب عقور، وما زاد عن ذلك فهو محض خيال.

أطلقوا عليه غضبهم ونيرانهم، فتركها من بين أنيابه ليلقى حتفه وتلقى حتفها.

لماذا اخترت هذه البنت أيها النمر، وهى بعد لم تذنب، لماذا اخترتها وهى ما زالت براءة الأطفال تداعب وجهها، ما الذى فعلته؟ لماذا أصبتها بهذا الفزع؟ قل لى بالله عليك لماذا افترستها، قل لى بالله عليك بأى ذنب اُفتُرِست؟!.

ما زالت صرخات الأب تدوى فى السماء وتتردد فى الفضاء.. وما زال فزع هذه المسكينة وخوفها ورعبها يملأ القلب.. من الذى يستطيع أن يخلصنى من هذا الحُزن؟ من الذى يستطيع أن يزيل من خيالى هذا المنظر البشع الذى رحمنى الله ولم تره عينى؟ .

والرحمة الإلهية تقص علينا قصتها القديمة الخالدة، تذكرنا بالقَدَر الذى تخلص من الغلام ليرحم أبواه، ويقطع دابر الشقاء له ولهما، واختار لهم حزنا يزول ثم فرحة عارمة، بدلا من حزن دائم.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز