عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

طلال أبو غزاله والصعود إلى القمة.. شهادات من الرموز وتألق لـ"مقلد" في تقديم قدوة

طلال أبو غزاله والصعود إلى القمة.. شهادات من الرموز وتألق لـ"مقلد" في تقديم قدوة
طلال أبو غزاله والصعود إلى القمة.. شهادات من الرموز وتألق لـ"مقلد" في تقديم قدوة

كتب - عبد الجواد محمود
كتاب طلال أبو غزاله الصعود إلى القمة للكاتب الصحفى ماهر مقلد مدير تحرير الأهرام والذى صدر قبل أيام عن مركز الأهرام للنشر نال شهادات كبيرة من الرموز فى مصر والوطن العربى كونه يؤرخ لسيرة حياة شخصية عربية حققت نجاحات مدوية على مستوى العالم  هى شخصية طلال أبوغزاله االطفل الفلسطينى الذى هاجر مع أسرته قسرا فى عام 1948 وكان عمره 10 سنوات وكافح ختى أصبح واحد من كبار الشخصيات فى العالم فى مجال المحاسبة والملكية الفكرية والخدمات المهنية وشغل منصب رئيس لجنة المعايير المحاسبية فى الأمم المتحدة  وهى اللجنة التى صاغت النظام المحاسبى العالمى .
 
والكتاب يحوى أربعة فصول ومن بين هذه الفصول فصل يتحدث عن رحلة العمل فيقول الكاتب ماهر مقلد فى هذا الفصل على لسان أبوغزاله "
 
بعد تخرّجي من الجامعة، كنت لا أريد أن أبقى يوماً واحداً دون عمل وبدأت في التواصل مع الشركات والمؤسّسات بهدف الحصول على فرصة عمل.
 
كنت أتقدّم بطلبات لشغل وظيفة في العديد من الشركات في لبنان ودول الخليج العربي، وكانت الاعتذارات تتوالى، لم أشعر في أيّة لحظة بالإحباط أو الفتور وواصلت، بل كنت واثقاً من أنّ الفرصة ستأتي في الوقت المناسب. 
 
أحتفظُ  في منزلي بحقيبة كبيرة تحتوي على جميع الرّدود التي وصلتني من أصحاب العمل، والشركات التي كانت تعتذر عن عدم قبولي في الوظيفة التي تقدّمت إليها.
 
كانت أسباب رفض الشركات التي تصلني: ليس لدينا مكان شاغر في المؤسّسة، كما كانت بسبب عدم وجود سنوات خبرة سابقة لديّ تتناسب مع الوظيفة التي تقدّمت لها.
 
بعد توإلى الاعتذارات بدأت أهتزّ نوعاً ما، هذا طبيعيّ، لكننّي لم أشعر بالإحباط  كان لديّ إصرار كبير على مواصلة البحث وطرق الأبواب.
 
ومن هذه التجربة التي مرَرْتُ بها قرّرْتُ أن تكون الأولويّة في سياسة التشغيل في مجموعة طلال أبوغزاله للخرّيج الحديث الّذي لا يحمل شهادات خبرة، وكلّما سمعت من مسؤول بالمجموعة التحفّظ على عدم تعيين حديثيّ التخرّج بسبب عدم الخبرة، أطرح عليه السؤال: وهل عندما تسلّمْتَ العمل في المجموعة كنتَ تمتلكُ الخبرة؟
 
من الطبيعيّ ألّا تكون مع الخرّيج الحديث شهادات للخبرة ومهمة المؤسّسات والشركات العمل على تدريبه وتجهيزه.
 
أوّل فرصة عمل لي بعد التخرّج جاءت في الكويت.
 
هذا البلد الذي أعشقه، فأنا كويتيّ وكلّ الخير الذي أنا فيه بعد الله سبحانه وتعالى من الكويت.
 
كانت فرصة العمل في شركة "سابا وشركاه" بالكويت، وهي من الشركات الكبيرة والمشهورة التي كانت تعمل في مجال المحاسبة والتدقيق، ولم يعُد لها وجود الآن لاندماجها مع شركة "ديلويت" الأمريكيّة.
بدأت في الكويت وعشت فيها ثلاثين سنة كاملة وبضمير أقول: بعد الله ووالدي وأمّي إذا  كان لأحد فضل عليّ فهو الكويت.
 
دولة الكويت التي انطلقت مجموعتنا منها حالة خاصّة معي وارتباط عميق وولاء مطلق للأرض والشعب والأسرة الحاكمة، الفرص التي أعطتها لي لم تُقدّم لمواطن كويتيّ حتّى من أبناء العائلة الحاكمة ولا من  مجتمع رجال الأعمال.
هذا البلد أكرمني، ونعمتُ بالحياة مع أهله الكرام وأقول هذه الشهادة لا من باب المجاملات أو مجرّد الشكر ولكن لإرضاء الضمير وقول الحق.
 
كان الانتقال من بيروت إلى الكويت حيث درجة الحرارة المرتفعة و  واختلاف الطقس مع ارتفاع في نسبة الرطوبة والرياح المحمّلة بالأتربة، امرأ صعباً في ظلّ عدم  مقدرتي على شراء جهاز تكييف، وكنت أقضي كلّ الوقت في المكتب، وفي كثير من الأحيان كان مدير الشركة يغلق عليّ  الباب من الخارج لأظلّ طوال الليل على المقعد في العمل المتواصل.
 
تعلّمت أنّ العمل يحتاج إلى تطوير، وطبيعتي لا تعرف القبول بالحدود الدنيا في العمل أو الحياة، كنت طوال الوقت أفكّر في كيفيّة تطوير الشركة فتح مجالات عمل جديدة وأبوابٍ أخرى لم  يتمّ دخولها من قبل. في بعض الأحيان يكون الطموح والرغبة في المزيد من النجاح سبباً في مشاكل غير متوقّعة وحدث هذا معي في شركة سابا حيث لم يكن مرحّباً بالكثير من هذه الأفكار، ولا مرحّباً بمساعدتي في إنجازها. كنت أمام بديل واحد لا غير: وهو أن أستمرَّ في الشركة دون تحقيق الأفكار التي تولّدت لديّ من خبرة العمل، وأرى فيها فوائد مهنيّة وماليّة كبيرة، أو أن أعتذر عن عدم الاستمرار في الشركة.
 
وكان القرار وهو عدم الاستمرار بعد أن وصلت الخلافات المهنيّة إلى حدّ بعيدٍ،  وتركت العمل في شركة سابا وشركاه.
 
بعد ترك الشركة كان عليّ أن أفكّر في الخطوة المقبلة، وألّا أبدّد الوقت في الحديث عن الأسباب والخلافات، وفكّرْتُ في  تأسيس شركة خاصّة بي، واكتملَت المفاجأة حين تمسّك عدد من الزملاء العاملين وعددهم عشرة موظّفين ممّن كانوا يعملون معي في الشركة  بالاستقالة ولحقوا بي، وبرغم أنّني طلبت منهم بكل رجاء أن يعودوا للشركة، لعدّة أسباب: أنّني لا أملك مقرّاً للعمل، ولا الأموال الّتي عن طريقها أستطيع دفع رواتب شهريّة لهم لكنّهم أصرّوا على أن يبقوا معي دون مقابل حتّى يتوافر لديّ ما أدفعه لهم.
 
بدأت التجربة من داخل سيّارتي، وبعدها استخدمتُ غرفة في مكتب المرحوم "عبد العزيز الشخشير"، الشخصيّة العربيّة الرائدة الّتي تحمل الآن اسمه جائزة تُمنَح للمبدعين وفاز بها مركز "مدى الكرمل" للأبحاث الاجتماعيّة التطبيقيّة – حيفا واسمها جائزة مؤسسة التعاون للإنجاز- جائزة المرحوم عبد العزيز الشخشير "سنكون يومًا ما نريد"، لتميُّز المركز في مجال إنتاج المعرفة الفكريّة حول التاريخ والواقع السياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ للفلسطينيّين في مناطق الـ 48.
****
بدأت من داخل مكتبه وحتى أتمكّن من استئجار مكتب، وكانت موظّفة التليفون ماري حايك كريمة جدّاً بعد أن تبرّعت بمصاغها وحِليها بالكامل لإنشاء مكتب  فقد راهنت على الأمل.
تلك كانت البداية الصّعبة، وهو طريق طويل من الكفاح والجهد.
 
كانت أول عملية حصلت عليها من غرفة التّجارة الكويتيّة بدعم من الأستاذ عبد العزيز الصقر رحمه الله  وكان في  الوقت نفسه رئيساً لمجلس الأمّة كان خلوقاً كريماً.
هذا الرجل لا أستطيع مهما عبّرت بالكلمات أن أوفيه حقّه.
 
نموذج للإنسان الطيّب الّذي يقدّم كلّ ما بوسعه من أجل الغير، كان شخصيّة شديدة التواضع وفي الوقت نفسه له هيبته وشخصيّته، ويتصرّف بشكل تلقائيّ في معالجة المسائل الصّعبة كما لو كانت قراراته وضعتها لجان استشاريّة عكفت على دراسة المشكلة.
 
وأروي هنا للتاريخ واقعة حدثت معي تكشف عن معدن هذا الرجل وكم كان كريماً في أخلاقه ففي إحدى الأمسيات كنتُ أزوره في ديوانه الّذي كان يعقده يوم الاثنين من كلّ أسبوع، وجرت العادة أن أجلس إلى جواره من ناحية اليمين، كنت في بدايات حياتي شابّاً بسيطاً لا يملك من الدنيا الواسعة سوى اسمه وعلمه الّذي درسه في الجامعة وسنوات الخبرة في شركة سابا، كنت بدأتُ مؤسّستي الخاصّة، وفي هذا اليوم كنتُ قد قرّرتُ أن أفاتحه في أمر ما و أطلب منه المشورة والمعاونة بحكم موقعه وشخصيّته والعلاقة الّتي تربطنا.
 
قبل أن تشارف الأمسية على الانتهاء انتابتني  حالة من التّردّد وشعرت بالخجل وبعد انتهاء  الأمسية اتّخذتُ  قراري بالانصراف دون أن أفاتحه.
 
كانت لديه حاسّة عجيبة وأدرك، دون أن أنطق بكلمة واحدة، ما يدور داخلي فقال طلال: انتظر لا تمشِ وبعد أن انصرف الحاضرون سألني ماذا بك؟ فقلت له: حان الوقت أنْ أشتري بيتاً في الكويت فحتّى الآن لا أمتلك بيتاً، فقال متعجّباً حتّى الآن كيف؟ وأكملت: عندي مشكلتان، الأولى أريد قرضاً من أحد البنوك لأنّني لا أملك المال، كما أريد تسجيل البيت باسمك.
 
قال الأولى هيّنة، أما الثانية فصعبة.. فأنا لا أملك باسمي شيئاً وكل الأملاك باسم عبد الله الصقر وإخوانه.
 
ثم دار حوار وسرعان ما وافق على أن يكون البيت باسمه وطلب أن أزوره في الصباح.
 
ذهبتُ إليه في صباح اليوم التالي، وسألني كم تحتاج من البنك؟ حدّدت له المبلغ فقال سوف أتحدّث مع  رئيس البنك الوطني، وأذهب إلى مكتبه وكلّ الأمور ستكون على ما يرام.
 
خرجت من المكتب بعد واجب الشكر والامتنان، وفي الطّريق وأنا في اتجاه  مكتبي اتّصل مدير البنك الكويتي وهو "السيد إبراهيم دبدوب " وقال: عندي تفويض من البنك بالمبلغ الّذي تريده قلت له 200 ألف دينار قال لي فقط ممكن تحصل على مبلغ  مليون  دينار، قلت: شكر كبير ولكنّني لا أريد سوى هذا المبلغ، قال عندي كفالة من الأستاذ عبد العزيز صقر بموجبها تحصل على المبلغ الّذي تريده.
 
وأكمل بعد ساعة سيكون عندك مندوب ومعه الأوراق والشيك بالمبلغ المطلوب.
 
وعندما بدأنا في إجراءات تسجيل البيت قبل أن يبدأ الموظف في الإجراءات استدعى عبد العزيز صقر مدير مكتبه وطلب منه أن يجهّز وثيقة تثبت أنّ هذا البيت هو ملك طلال أبوغزاله بالكامل، شعرت  من هذا التصرّف بالخجل فقال هذا حقك.
 
وقال في الوثيقة الّتي كتبها: إنّ هذا البيت هو حقّ طلال أبوغزاله وسدّد قيمته وله الحق المطلق في بيعه  والتصرّف فيه دون الرجوع إليّ.
وتمّ تسجيل البيت باسمه.
كان البيت يقع في المنطقة الّتي بها قصر الحكم وهو مقابل قصر الأمير جابر الصباح، وكان على ربوة عالية ويطلّ على القصر بشكل يجعل مَن في البيت يمكن أن يشاهد أو يرى بعض التفاصيل داخل القصر وعندما كانت تزوره بعض الشخصيّات الرسميّة كنت أتلقّى تعليمات بضرورة  الحرص في استقبال الزوّار في هذا التوقيت بحيث أدقق في الضيوف لدواعي الأمن.
 
المعاملة الّتي حظيت بها في الكويت تجعلني طوال حياتي أعتزّ بهذا البلد وأتذكّر في كلّ لحظة الدّعم المعنويّ والدّعم المادّي، وتعلّمت من أهل الكويت وأخلاقهم.
 
"لقد أكرمتني هذه الدولة، ومنحتني فرصاً ودعماً لم يُعطَ لابنها الكويتيّ".
 
وفي الحقيقة أنا أدين بالفضل للكويت وكما يقال" لحم كتافي من خيرها " منها انطلقتُ لدول مجلس التعاون ثمّ لكلّ العالم، ومن أفضال الكويت عليّ أيضاً مساعدتها لي لفتح مكتب في القاهرة، وفي مصر كان ممنوعاً فتح أي مكتب باسم أجنبي وبعد أن تمّ رفض الطلب اتّصل بي السفير المصري وقال لي: إنهم موافقون على فتح المكتب، وعلمت بعدها أنّ شركة العقارات التي كان يديرها أحمد الدعيج رحمه الله، تعاقدت لتقديم مساكن لذويّ الدّخل المحدود في مصر بمبلغ 400 مليون دينار، واشترطت أن يكون مدقّق الحسابات مكتب طلال أبوغزاله وشرط أن يكون لي مكتب هناك وفعلاً فتحت المكتب وكان الاستثناء الأوّل والأخير ربّما في مصر، وأصبح لدينا نشاطات ومشاريع كبيرة جدّاً في مصر، وفي السعودية أيضاً تمّ رفض المكتب حتّى ذهبت ضمن وفد كويتيّ وتمّت مقابلة  الأمير سلمان وكان وقتها أمير الرياض وأمر بفتح المكتب.
 
وخلال وجودي في الكويت طيلة ثلاثين عاماً قضيت أحلى سنوات عمري تعلّمت واشتغلت وبنيت أكبر مؤسّسة في العالم وهي مجموعة طلال أبوغزاله في الملكيّة الفكريّة الأضخم في الدنيا، والفضل يعود للكويت والإنسان يجب أن يُعطى الحق لصاحبه.
 
 
 
 
 
تاجي ..الاسم العالميّ
 
مجموعة طلال أبوغزاله واختصارها - تاجي – TAG-org علامة لا تخطئها العين في كل عواصم العالم  فهي تضمّ اثنتا عشرة شركة، تعمل المجموعة من خلال مكاتبها المنتشرة في العالم و عددها خمس وثمانون مكتباً ومئة وثمانون مكتب تمثيل حول العالم.
مكاتب المجموعة في العواصم مثل عمان والقاهرة هي مبان مستقلة وعلى مساحات كبيرة وتضمّ العديد من  الطوابق المتكرّرة ولها وجهات عملاقة لا تخطئها العين.
تعدّ أكبر مجموعة عالميّة لشركات الخدمات المهنيّة التي تعمل في حقول المحاسبة، التّدقيق الخارجي، التدقيق الداخلي، حوكمة الشركات، الضرائب، الاستشارات التعليميّة، الدراسات الاقتصاديّة والاستراتيجيّة، خدمات الاستشارات الإداريّة، التدريب المهنيّ والفنّي، نقل التقنيّة وإدارة المشاريع، إدارة العقارات، خدمات المستثمرين واستشارات الأعمال، الموارد البشرية وخدمات التوظيف، الحكومة الإلكترونيّة، التجارة الإلكترونية، التعليم الإلكتروني وتدقيق أمن تقنيّة المعلومات، تطوير وتصميم المواقع، التّرجمة الفورية والترجمة المهنيّة، تعريب المواقع، ،التخطيط الاستراتيجيّ لتقنية المعلومات والاتصالات، الخدمات الاستشاريّة لتخطيط موارد المشاريع، التدريب على مهارات تقنيّة المعلومات والإنترنت وامتحاناتها، وكالة أنباء الملكيّة الفكريّة، تقييم أعمال وموجودات الملكيّة الفكريّة وخدمات الأعمال التجاريّة، تسجيل وحماية الملكيّة الفكريّة، تجديدات الملكيّة الفكريّة، حماية وإدارة حقوق الملكيّة، الخدمات القانونيّة "استشارات ومحاماة" والاكتتابات العامة.
تأسّست مجموعة طلال أبوغزاله رسميّاً عام 1972، لكن قبل ذلك بسنوات كانت الفكرة وبدء العمل.
 
يقول طلال أبوغزاله عن قصته في تأسيس تاجي: كنت كلاجئ فلسطينيّ  أفكّر كيف أخدم قضيّتي، هذه الرغبة الّتي تحوّلت إلى واقع ملموس على الأرض؟  كنتُ أريد أن أثبت مَن نحن أبناء فلسطين والعرب، وأسير في الطريق الطويل نحو مؤسسة فلسطينيّة عالميّة.
 
هذا التحدّي الّذي  كان يملأ كلّ  كياني  كيف أحققه؟
 
الخطوة الأولى حسب  تخطيطي  كانت في أن أتفوّق علميّاً، ثمّ أتقن بكلّ ما تعني الكلمة مهنتي وعملي، حتّى أضع قدمي فوق البساط الذي يمشي عليه الكبار في مجال تجارة الخدمات.
 
قبل أيّ شيء النجاح، من الصّعب جدّاً أنْ يتحقّق بجهد شخص، سواء كان رئيساً أو مالكاً للشركة أو مسؤولاً عنها وإنّما النجاح يكون بمساهمة كلّ فريق العمل وأهميّة شعور العاملين بالشركة أو المؤسّسة بالانتماء الكبير للمكان والشركة.
عوامل النجاح من خلال تجربتي الطويلة مع مجموعة طلال أبوغزاله من أهمّ العناصر فيها روح الفريق، وارتباط العاملين بالشركة والحرص عليها
 
أفتخر دوماً بأسرة المجموعة في كلّ المكاتب والعواصم وأرى في طبيعة العلاقة البعد الإنسانيّ والثّقة في الانتماء للمكان، ودوماً كان أبناء المجموعة مدعاة للفخر، تربطني بهم أواصر الزمالة والودّ بعيداً عن العلاقة الّتي تحكم الصلة بين رئيس العمل والعاملين، وأحرص قدر المستطاع على التنقل بين المكاتب في العواصم المختلفة وقضاء معظم الوقت داخل مقرّات المجموعة، والتواصل المباشر معهم والتّعرّف على كلّ ما يمكن أن يسهّل من مهمّة العمل لمصلحة المجموعة و فريق العمل وهي علاقة صحيّة لا بديل عنها، لأنّ التواصل المباشر يختصر المسافات
 
وتحضرني حكمة هنري روس رجل الأعمال الأمريكي، الّذي كان يملك شركة جنرال موتورز وفيها يقول "عندما أقوم ببناء فريق فإنّي أبحث دائماً عن أناس يحبّون الفوز، وإذا لم أعثر على أيّ منهم فإنّني أبحث عن أناس يكرهون الهزيمة".
في الكويت كانت فترة التّكوين، وفي زمن قياسيّ كان قد وصل عدد مكاتب الشركة إلى ثلاثين مكتباً في العالم، وحتّى جاءت الانطلاقة الكبرى نحو العالم، وكانت من الأردن بعد الانتقال إلى هناك عقب الغزو العراقي للكويت في عام 1990 حيث بدأت التوسّعات الكبيرة ووصلت مكاتب المجموعة  إلى خمسة وثمانين مكتباً.
 
رحلة طويلة من الصبر والعمل، الخطوة الأولى كانت الأصعب وهذا وضع طبيعيّ، فمشوار الألف ميل، يبدأ بخطوة.
 
بدأت المجموعة بمكتب لتدقيق الحسابات باسم شركة طلال أبوغزاله وشركاه الدوليّة "تاجي" وسرعان ما تحوّل إلى صرح عالميّ يضمّ مؤسّسات متنوّعة في شتّى المجالات المرتبطة بالمحاسبة والتدقيق والملكيّة الفكريّة والاستشارات وفنون الترجمة..
 
تأسيس مؤسسة طلال أبوغزاله في الكويت له قصّة جميلة. كنتُ في مؤتمر عام 1965 في سان فرانسيسكو، وخلال المؤتمر كان الحديث عن   الملكيّة الفكريّة في هذا الوقت لم يكن أحد في الوطن العربي مهتمّاً بهذا الموضوع أو يفكر فيه، من خلال المؤتمر أدركتُ الأهميّة البالغة للملكيّة الفكريّة.
 
أُسّست المجموعة من الكويت، وانطلقت منها، وأسست شركة لتدقيق الحسابات الدوليّة وشركة أخرى للملكيّة الفكريّة وشركة أخرى للاستشارات، وعندما أردت تأسيس الشركة  سافرت  إلى الولايات المتّحدة الأمريكيّة، باعتبارها أهمّ دولة على مستوى العالم في هذا المجال، وتوجّهت إلى واشنطن، وأنعمَ الله عليّ بأن كان سفير الكويت في أمريكا الشيخ سالم صباح السالم رحمة الله عليه، وزرته وكانت تربطني به و بأسرة آل صباح صداقة أعتزّ بها حتى اليوم وكنت تربّيت في بيتهم وفي كنف الشيخ صباح السالم. قال لي الشيخ سالم الصباح رحمه الله: ماذا تعمل في واشنطن؟ فقلت له أريد أن أؤسّس شركة للملكيّة الفكريّة. فردّ قائلاً: كيف؟ فقلت: معي قائمة بأسماء الشركات الّتي أرغب في زيارتها وأعرض خدماتي عليها، وأستطيع أن أقوم بحماية العلامات التجاريّة في الكويت والدول العربية. فطلب منّي قائمة الشركات وأعطاها لسكرتيره لدعوتهم للعشاء في اليوم التالي. وهذا الموقف لا يمكن أن تتخيّله، هذا نموذج للشعب الكويتيّ الكريم الذي تعلّمت منه الخلق قبل أن أتعلّم منه الخبرة والعلم، ولبّت الشركات الأمريكية دعوة العشاء، لأنّها من السفارة الكويتيّة، وأنا شخصيّاً لو كنت أريد أن آخذ مواعيد ممكن أن أستغرق عاماً كاملاً في ذلك، وقال للشركات الأمريكيّة: إنّ "طلال أبوغزاله ابننا وهذه المؤسسة مؤسستنا، وأنا أشهد أنّكم تستطيعون أن تثقوا به" وكان هذا الكلام يكفيني وتعاملت مع الشركات بفضل دعوة العشاء من الشيخ سالم صباح السالم رحمة الله عليه ليدعمني. 
 
أعطاني الدعم المعنوي يومها شعرت بالإحراج قال: نعمل لخدمة الكويت كونك مؤسسة كويتيّة.. لو أكتب مجلّدات لن أوفيه حقّه.
عندما أسّسْتُ الشركة حدثت معي بعض المواقف التي ساعدتني في بناء العمل. وكان لي منافسون من شركات أجنبيّة لم يُرِحها أن تكون هناك شركة عربيّة وكويتيّة تنافسها، فشنّوا عليّ حرباً شرسة واتّهموني بشتّى الاتهامات، منها عميل للمخابرات الأمريكيّة، أو عميل للعدو، أو عميل لمنظمة التحرير الفلسطينيّة، وكلّها متناقضة، والهدف منها تشويه الصورة والسمعة والانتقام مني بسبب النجاح الّذي حققته، وذهبت إلى الأستاذ عبد العزيز الصقر وقلت له: أنا أواجه مشكلة ومحتار ماذا أفعل؟ أنا أسّست الشركة وتعرّضت لحملة كبيرة ضدي. فردّ قائلاً: "هل أنت متضايق لأنّ النّاس لا تحبّك؟" قلت له: طبعاً متضايق. فقال: كم نسبة النّاس الذين لا يحبّونك؟ فقلت له: ليس لديّ نسبة معينة. فقال "إذا أردتَ ألّا يهاجمك الناس اجلس في بيتك، فما دمت أنت تعمل وتنجح لابدّ أن يكون لك أعداء، ولكن المهم أن تسير في الاتّجاه الصحيح ولا تخطئ فكلّما كَثُر أعداؤك لا تهتمّ ما دمت تسير على الخطّ المستقيم، وهذا الهجوم يفيدك، وادعِ لربّك أن يزيدوا في هجومهم ما دمت على الطريق الصحيح، لأنّ هذا في مصلحتك". وخرجت من مكتبه وأنا مرتاح نفسيّاً من الحديث والنصائح ومن الحكم التي تعلّمتها أن هجوم عدوّك ينفع لأنّه يجعلك متيقّظاً دائماً، أمّا هجوم صديقك فلا ينفع لأنّه سيغفر لك ويمنعك أن تفشل وتخطئ وتسيء.
وهنا قد يكون مفيداً في مثل هذه المواقف أن يكون هناك حديث مع المقرّبين والبحث معهم عن جذور المشكلة لأنّ ذلك يساعدك كثيراً على حلّ تلك المشكلة.
في قطر أيضاً واجهتُ مشكلة من نوع آخر بعد أن تمّ استحداث قانون جديد هناك ينصّ على أنّ المؤسسات العالميّة لها وضع خاص في المعاملة والمؤسّسات غير العالميّة  يتمّ تطبيق نظام مختلف عليها.
وكانت المشكلة هي: هل نحن مجموعة طلال أبوغزاله  مؤسّسة عالميّة؟ نتمتّع بالمزايا الممنوحة للشّركات العالميّة حيثُ تقدّم أحد المنافسين إلى الحكومة القطريّة وقال: إنّ مؤسّستنا ليست مؤسّسة عالميّة، هو قال ذلك بدافع الغيرة، وكان يتوجّب علينا أن نثبت أنّنا مؤسّسة عالميّة بالمعايير الدوليّة المُتَعارف عليها.
كان عدد فروع المجموعة وقتها واحد وسبعين فرعاً، كما نعتزّ بشهادة منتدى الشّركات العابرة للقارّات في المحاسبة الّتي تؤكّد فيها أنّ المجموعة واحدة من العشرين الكبار في العالم وعضو بها، تحت أيّ معيار نحن مؤسسة عالمية وأثبتنا ذلك، وتمّ تصنيفنا كمؤسّسة عالميّة في قطر.
***
يُرجِعُ أبوغزاله جزءاً من نجاحه إلى هيكل المجموعة غير الاعتياديّ إذ يقول، خلافاً للعديد من شركات المحاسبة والقانون الكبيرة في الغرب، إنّها ليست شراكة تقليديّة، إنّها مملوكة على شكل من أشكال الثقة يتمتّع فيها الشركاء بحصّة من الأرباح دون امتلاك أية حصّة في أسهمها، ممّا يسهّل استبدال كبار المديرين عند الضرورة، إضافة إلى التمكّن من التّخطيط بمرونة.
 
وهذا ساعد على التوسّع في البلدان العربيّة وغيرها من البلدان الّتي تفرض قيوداً على ملكيّة المستثمرين الأجانب. ونظراً لأنّ المجموعة لا تملك نيّة المساهمة التقليديّة، فإنّها كانت قادرة على التّعامل مع مثل هذه القيود والشروط بسهولة نسبيّاً.
المجموعة تطبّق ثقافة عمل صارمة وهذا أمر نادر الحدوث في كثير من بلدان المنطقة. فهي تضمّ أكثر من ثلاثة آلاف موظّف يجب عليهم ارتداء الملابس الدّاكنة وربطات العنق والقمصان البيضاء أو الرمادي أو الأزرق الفاتح ولا يسمح بارتداء الملابس الّتي تخالف ذلك. كما أنها تفرض تطبيق أسلوب ونمط المؤسّسة عند كتابة المذكّرات بحيث تستطيع من الوهلة الأولى أن تكتشف أنّ هذا الخطاب أو المطبوع هو للمجموعة.
 
في المؤسسة  لدينا التزام وتعاهُد بعدم التطرّق للأوضاع السياسيّة، ممنوع الكلام في السياسة وهذا الأمر يتمّ النص عليه في شروط عقود التّوظيف ولا يجوز للموظف أن يكون له رأي سياسيّ داخل المجموعة.
 
نؤمن بأنّنا مؤسّسة مهنيّة تحترم الدّول الّتي تعمل بها وتلتزم بمعايير العمل ولها رسالة خدميّة مهنيّة.
 
أؤمن دائماً بأنّ أيّ نجاح يجب أن يكون من خلال بناء المؤسّسات، ولا أصرف وقتاً بإدارة المؤسّسات، أقول للشاب أريدك أن تعمل لي ماكينة تصنع العمل ولا تعمل شغلاً، كلّ شيء من طريقة اللبس وألوانه والكتابة والحرف المستعمل حتى الخلق، هناك تعليمات لكلّ شيء في سياساتنا الإداريّة، وهناك مائة مدير تنفيذيّ بمثابة شركاء موزّعين في العالم كلّ واحد لديه مهام، هو حرّ فيها ولا يرجع لي، ولديه توكيل عام وتوقيع منفرد في البنوك، لكن في نفس الوقت هناك أنظمة رقابيّة على الجميع وهناك دوائر للرقابة الماليّة والإنتاجيّة والجودة كلّها تراقب بتفويض مطلق.
 
كلّ لقاءاتنا الكترونيّة فلا يمكن أن أدير شبكة تمتدّ من أفغانستان إلى مونتريال إلى الصين إلى أيّ بلد في الدنيا بالاجتماع الشخصيّ، حتّى زميلي في المكتب أراسله الكترونيّاً، وعندنا سياسة أنّ كلّ شيء لابدّ أن يكون مكتوباً وقد تعلّمت هذا وعادة أنا أتعلّم من كلّ شخص أقابله. 
 
كنت في الابتدائي وكان عندنا ناظر اسمه زكي النقّاش فكان كلّ يوم يقف ويقول لنا ما كُتِب قرّ وما حُفِظ فرّ، ولذلك دائماً أكتب أيّ شيء وأحياناً وأنا نائم ليلاً أكتب بالورقة والقلم كلّ ما أريد أن أتذكّره.
 
الحياة تحكمها المعايير والنظرة بعمق للأشياء فعلى سبيل المثال، فقد سألني ابني ماذا يجب أن  يدرس أبناؤه؟! فقلت دع أحفادي يتعلّمون اللغة الصينية، لماذا؟ لما تمثّله الصين الآن من مكانة وأهميّة وبدأت بنفسي تعلّم اللغة الصينية.
 
كما بادرت بإنشاء مراكز لتعليم اللّغة العربيّة في الصين. كان لا بدّ من اجتذاب الصينيّين إلى الثقافة العربيّة، وثقافة الصيني هي ثقافة واعية. هم حذرون جدّاً ولا يأخذون قراراً بطريقة متسرّعة.  وتجربتي معهم استمرّت عشر سنوات على الأقل وهم يفحصون دعوتنا لأن يكون في الأردن معهد كونفوشيوس، لتعليم اللغة الصينية حتّى قرروا في نهاية الأمر أن تكون مؤسّسة طلال أبوغزاله أوّل مؤسّسة خاصّة في الدنيا تقيم شراكة مع معهد كونفوشيوس وهي مؤسسة حكوميّة فليس هنالك أيّ نموذج مماثل لنا كقطاع خاص يتعاون مع كونفوشيوس في شراكة وتنسيق لتعليم اللغة الصينيّة. ولأن الثقة زادت فقد تمكّنت مؤسسة طلال أبوغزاله في كونفوشيوس من التعاون في مجال التأشيرات إلى الصين.
 
كما أنّ "أبوغزاله للملكيّة الفكريّة "هي أوّل من فتح مكتباً في الصين في موضوع الملكيّة الفكريّة في شنغهاي وبكين. هذا يعود إلى دراستي للتاريخ ومعاينته منذ أربعين عاماً حتى أصل أخيراً لعقد شراكة مع الصين. ومع ذلك كان الصينيون يحبّون أن يطلقوا على أنفسهم اسم دولة نامية.. ولا أدري، فإن كانت هذه الدّولة نامية، فماذا نقول عن دولنا نحن؟ حيث شنغهاي التي تقابل نيويورك، والمنتجات الصينيّة التي تغزو العالم.



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز