عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

ناهد زيان تكتب: سارقو الفرح!!

ناهد زيان تكتب: سارقو الفرح!!
ناهد زيان تكتب: سارقو الفرح!!

ثمة عداوة وكراهية راسخة للبهجة وللحب وللجمال في نفوس بعض المخلوقات التي لا أستسيغ تسميتها بشرا بأي حال، أولئك الذين لا يرضيهم أن يشعر البعض بالفرحة وإن كان عاش محروما منها مشتاقا إليها لكنها النفوس السوداء الجشعة والقلوب المتحجرة.
تداولت المواقع الصحفية المختلفة في اليومين الماضيين خبرا عن سيدة من الإسكندرية جاوزت الستين لكنها لم تتزوج، ولم ترزق فرحة ارتداء ثوب الزفاف الأبيض، ولم تزف في موكب عرس ولو كان بسيطا، بل عاشت حياتها تخدم والديها المريضين حتى أفنت عليهما زهرة شبابها وأحلى سنوات العمر دون ضجر أو تأفف ودون أنانية لتفكر في نفسها أو ترتب لحياتها الخاصة.
تداولت تلك المواقع ما فعلته تلك السيدة وهو أنها قامت بتأجير قاعة أفراح وجهزت كل ما يلزمها لتكون عروسا ولتسرق من الزمن لحظة بهجة وفرح مزيف، فقصدت صالة لتجهيز العرائس واشترت فستانا أبيض وارتدته وخرجت من محل الكوافير لتسير في الشارع قاصدة قاعة الفرح التي حجزتها فضايقها بعض المارة بالتهكم وشاركها بعضهم فرحتها حين عرفوا أنها عروس دون عريس بل إن أحدهم تعاطف معها فقام بدور العريس وذهب معها هو وبعض الناس لقاعة الأفراح وهناك قاموا جميعا بالغنا والرقص وكأنهم في فرح حقيقي.
ولهذا الحد لا بأس ولا ضير أصاب أحد ممن شارك ومن لم يشارك مع سيدتنا التي حاولت إسعاد نفسها، كان من الممكن أن ينتهي الأمر عند ذلك فتذهب تلك السيدة لمنزلها حيث تستأنف حياة الوحدة والوحشة والسكون لكن أحد لم يرض وأبلوا عنها الشرطة التي وللحق تركت كل تلك الكوارث التي تعاني منها البلاد وتفرغت لأمر تلك السيدة التي لم تجرم سوى في كونها مارست حقها في الحلم والبهجة فألقت القبض عليها ثم ساقتها لمستشفى نفسيّ لتعامل على أنها مجنونة!!.
وفي اعتقادي أن الأمر تم قياسه بمنظور مادي بحت فأهلها الذين تذكروها الآن رأوا أنها قد بعثرت مبلغا من المال كانوا هم أولى به فيما لا طائل منه ولا فائدة. فما هو ذلك الإحساس الذي هرولت وراءه تلك المسكينة لتنفق عليه مبلغا ليس باليسير في نظرهم؟؟ الأمر لا يستحق حسب مقاييسهم!!.
ومن المؤكد أن ما فعلته تلك السيدة لو حدث في مكان غير مصر وسط شعب غير هذا الشعب الذي طحنته الأزمات والظروف لحد أنها طحنت ودمرت مشاعر الرحمة لديه لكنا أعجبنا بتصرف كهذا وتداولناه على صفحات جرائدنا ومواقعنا الإلكترونية معلقين عليه بالإعجاب والتقدير ومتخذين منه مثالا على أولئك الذين يتحدون الواقع المؤلم الضاغط ويبحثون عن لحظة بهجة وسعادة فقط مجرد لحظة.  
والحق إننا نعيش في مجتمع يجرم كل من يحاول الخروج عن دائرة اليأس والركود، كل من يطمح أن يبتهج أو أن يكون مختلفا عن القطيع!!. نعم يعامل بعضنا البعض على أننا محض قطيع لابد وأن يسير في اتجاه واحد صوب هدف واحد؛ هدف ربما أغلبهم لا يعرفه فقط هو يسير كيفما رُسم له!!.
ذكرتني تلك الحادثة بأمثلة مشابهة رأيتها وعايشت بعضها عن قرب شديد، أذكر أن فتاة كانت تعاني من السرطان فقررت مواجهته بالفرح والأمل فارتدت ثوب زفاف ونظمت عرسا جميلا وشاركها والدها هذا الحدث فقام بدور العريس وحين تم نشر حكايتها وصورها بفستان الفرح مع والدها اتهمها بعض ضيقي الأفق وسارقو الفرح بزنا المحارم!! نعم وجهوا لها ولوالدها المحب المقدر لحالتها تلك التهمة الشنيعة!!!
سارقو الفرح كثيرون وفي كل مكان للأسف، فبعض الناس لا يرضيه أن تلاحق طموحك العلمي معتقدا أن ذلك مضيعة للمال فيما لا فائدة منه!! غير أنه لا يكتفي بعدم رضاه بل يحاول صنع رأي عام مضاد لطموحك ومحارب له. ليس هذا فقط فبعضهم يعيب عليك نشاطاتك كلها أفكارك واختياراتك مهما كانت خاصة، بل إن مصطلح خاص هذا غريب عليهم ومستورد ومرفوض. باختصار شديد صرنا نعتنق التنظير والوصاية على بعضنا البعض بشكل لا يطاق ولا يحتمل ولا مفر من أن نفيق ونراجع أنفسنا، أو أن يعيش كل منا في جزيرته الخاصة التي يصنعها بنفسه ومقاييسه بعيدا عن الآخر.



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز