عاجل
الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

حــسـن زايـد يكتب : أشـكال الــفـسـاد

حــسـن زايـد يكتب : أشـكال الــفـسـاد
حــسـن زايـد يكتب : أشـكال الــفـسـاد

تتعدد صور وأشكال ومظاهر الفساد ، بحيث يصعب حصره علي نحو دقيق وكامل . فهو يختلف باختلاف الزمان والمكان ، كما يختلف باختلاف الأفراد ، أو الجماعات ، أو المصالح ، أو الهيئات ، أو المؤسسات العامة ، أو المؤسسات الخاصة ، أو المؤسسات الأهلية . أو منظمات المجتمع المدني ، أو الأحزاب السياسية . ويكون القصد من وراء ممارسته تحقيق مكاسب مادية ، أو مكاسب اجتماعية ، أومكاسب سياسية ، أو مكاسب غرائزية " كالمأكل ، والمشرب ، والملبس ، والجنس " . أومكاسب روحية كقصد التقرب إلي الله " ومثالها رشوة الحج الخاصة بوزارة الزراعة " .



وقد تتم ممارسة الفساد علي نحو فردي ، وقد يكون بالتنسيق والترتيب بين مجموعة من الأفراد . وأخطر أنواعه هو الفساد المنظم ؛ لأنه يطال بنيان المجتمع ذاته ، ويتهدد وجوده . وإذا تفحصت ودققت النظر في خريطة الفساد في أي مجتمع ، ستجد أنه ينقسم تشريحياً إلي قسمين رئيسيين هما : الفساد الأفقي ، والفساد الرأسي . الفساد الأفقي ، ويقصد به شريحة عرضية ، تشمل مجموعة من الموظفين العموميين الصغار، الذين يمارسون الفساد ، بقبول الرشوة ؛ لإنجاز المعاملات مهما كانت صغيرة . والفساد الرأسي ، يقصد به شريحة طولية ، تشمل مجموعة من كبار الموظفين العموميين ، الذين يمارسون الفساد الكبير . وأشر أنواع الفساد ، هو فساد الكبار ، لأنهم يمثلون رأس المجتمع ، التي إذا فسدت فسد كل شيء . ولأن استخدام المنصب العام بكل صلاحياته ، يكون أشد وطأة ، حين يستغل من شخصيات متنفذة ، كلمتهم لا ترد ، وتمثل قرارات نافذة ، مثل الوزراء ، ووكلائهم ،ومديرو العموم . وغالباً ما ينطوي تصرفهم الفاسد ، علي قيامهم ، بتسهيل الحصول علي امتيازات ، للراشي دون وجه حق ، مقابل عمولات ، أو أي مقابل آخر . ولأن السائد في بيئات العمل الفاسدة ، غياب النزاهة والشفافية ، بتغييب الإجراءات القانونية المطلوبة ، كالإعلان ، وضمان تكافؤ الفرص ، وفتح المجال للمنافسة الحقيقية ، وذلك في طرح العطاءات الحكومية . هذا بخلاف أن هؤلاء الكبار، من الموظفين العموميين المتنفذين ، أياديهم مفرطة ، في بعثرة وتبذير المال العام وذلك من خلال منح التراخيص ، أو إجراء الإعفاءات الضريبية ، أو إجراء الإعفاءات الجمركية . ولا يكون ذلك إلا تبذيراً للمال العام ، وينطبق علي من يمارسه ، القول : " أعطي من لا يملك ، لمن لا يستحق " . ولا يتم ذلك لوجه الله ، لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً ، وإنما يأتي بهذا التصرف ، استرضاءًا لبعض الناس في المجتمع ، أو تحقيقاً لمصالح متبادلة ، منظورة أوغير منظورة . بما يؤثر في النهاية بالسلب علي موارد الخزانة العامة للدولة  . بل ويمتد استغلال المنصب العام عند فئة كبار الموظفين ، إلي حد تحقيق مصالح سياسية لبعض فئات المجتمع ، دون البعض الآخر .  مثل تزوير الإنتخابات لشخص دون شخص ، أو لحزب دون حزب ، أو لجماعة دون جماعة  . وقد يتم شراء أصوات الناخبين بما يعرف بالمال السياسي ، ففضلا عن إفساده للحياة السياسية ، فهو قد سعي إلي إفساد نفوس الناخبين ، وأحدث في منظومة قيمهم شرخاً يصعب اندماله . يتساوي ذلك في نتائجه مع التمويل غير المشروع للحملات الإنتخابية ، وشراء ولاء الأفراد والجماعات . ومن صور الفساد الزاعقة إلي حد صارخ ، وفاقع ، المحسوبية ، والمحاباة ، والواسطة ، في التعيينات الحكومية ، بل وامتد الداء العضال إلي القطاع الخاص . حيث يقوم بعض المسئولين بتعيين أشخاص في الوظائف العامة علي أساس علاقة القرابة ، فنجد ابن أو قريب الدكتور دكتور ، وابن القاضي قاضي ، وابن الصحفي صحفي ، وابن المحامي محامي ، وابن أستاذ الجامعة استاذ جامعة ، وابن القاضي قاضي ، وابن الإعلامي إعلامي .. الخ . والأمر لا يتعلق لا بالكفاءة ، ولا بالقدرة ، ولا بالفاعلية ، ولا بالجينات الوراثية .

المؤهل الوحيد في هذه الظواهر الفاقعة هو القرابة . وذلك بخلاف مؤثرات أخري ، قد تتساوي في تحقيق ذات المستوي من الفساد من مثل : الولاء السياسي ، والطبقة الإجتماعية ، والمستوي المادي ، ومن صور الفساد الناتجة عنها ، قيام بعض المسئولين بتوزيع مساعدات عينية ، أو مبالغ مالية ، من المال العام  ، علي فئات مجتمعية بعينها ، أو مناطق جغرافية بذاتها ، دون غيرهما من الفئات أو المناطق الأخري . تلك أهم صور وأشكال ومظاهر الفساد الرأسي .

أما أغلب صور ومظاهر وأشكال الفساد الأفقي ، فقد يقتصر علي الرشوة ، والمجاملة التي تحقق له إشباعاً نفسياً ، أو عدم اتقان العمل ، أو الإهمال فيه ، أو عدم المحافظة علي وقته ، سواء بالتشاغل بأعمال أخري ، لا علاقة لها بالعمل المأجور المحدد في بطاقات الوصف الوظيفي ، أو ترك ومغادرة محل العمل قبل المواعيد المقررة ، دون مسوغ قانوني مقبول ... الخ . ولا ننسي دائماً أن الفساد يمارسه طرفان ، راشي ، ومرتشي ، وقد يكون هناك رائش . وهذا الفساد بنوعيه ، ينخر كالسوس في أعمدة المجتمع ، وأساساته التي يرتكز عليها . ولا نهضة لمجتمع بغير إصلاح ما به من فساد ، وقتل جرثومته المتفشية ، كالبؤر السرطانية في الجسد الإنساني . فهل إلي هذا النوع من الإصلاح من سبيل ؟ !
 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز