عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

حــســــن زايـــــــد يكتب : تــــرامــــب والإســــــلام

حــســــن زايـــــــد يكتب : تــــرامــــب والإســــــلام
حــســــن زايـــــــد يكتب : تــــرامــــب والإســــــلام

كما كان فوزه مفاجئاً ، فإن آراءه التي أعلنها في خطاب تنصيبه ، تعد هي الأخري مفاجئة . والمفاجأة في عدم تغير لغة خطابه ـ الذي يحدث عادة ـ ما بين خطابات الدعاية الإنتخابية ، وخطاب التنصيب بالأمس  فحسب ، وإنما كذلك في جرأة الأراء ، وإن شئت فقل في تطرفها ، عن الخطاب الأمريكي المعتاد . وقد حمل خطابه العديد من المفاجآت . ومن بينها مفاجأة وصمه الإسلام بالإرهاب . وكان قد أعلن في فترة الدعاية ، عن طرده للمسلمين من أمريكا . فإذا رسمنا خطاً بين الموقفين ، فسنجده خطاً مستقيماً ، وبذا فإن القول الأول لم يكن من باب المصادفة ، أو الدعاية الإنتخابية ، وإنما موقفاً استراتيجياً ثابتاً . ولذا فإن هذا القول ، قد أثار العديد من القضايا ، خاصة إذا ما علمنا ، أن ميلانيا ترامب ـ زوجة ترامب ـ كانت تحمل الكتاب المقدس ، الذي كانت والدة ترامب ، قد أهدته له ، عندما كان صبيًا ، فضلاً عن استشهاد ترامب نفسه ، بآيات من الكتاب المقدس ، وذلك بعد حديثه عن إرهاب الإسلام ، وهذا أمر له دلالته التي لا تخفي ، حيث قال : " من المبهج والجميل أن يعيش شعب الله معًا في اتحاد " . وهذا الكلام له أبعاده الثقافية ، وظلاله الدينية ، في مواجهة المسلمين ، سواء الضاربة في أعماق التاريخ ، أو الظاهرة  في الوقت الراهن ، أو البعد الإستراتيجي المستقبلي . فمن الناحية التاريخية ، فلا ريب أن هذا الموقف ، يستدعي إلي الذاكرة تلك القرصنة الغربية للعالم العربي والإسلامي ، سواء في الحروب الصليبية ، أو تاريخ النهب الإستعماري " الإستخرابي " . وقد ترك ذلك في النفوس إرثاً ثقيلاً  من الكراهية للآخر ، باعتباره لصاً مستعلياً ، متدثراً بسرابيل الصليب . أما في الوقت الراهن ، فإن العالم الاسلامي ، بالإضافة إلي ما يحمله في طيات نفسه ، من ذكريات إرث المرارة ، عبر صفحات التاريخ ، إذ بالغرب بقيادة أمريكا ، قد قام بضرب النهضة العربية الناصرية في 1956 م ، وفي 1967 م ، وقام  باحتضان الجماعات المتطرفة ، وتربيتها ، وتسمينها . وصنع من شتاتها ، ما يطلق عليه : تنظيم القاعدة ، لحرب الروس بالوكالة ، وإشعال الحرب العراقية / الإيرانية ، وحرب الخليج الأولي والثانية . وتدمير لدولة أفغانستان ، وإعادة العراق إلي ما قبل عصر النهضة ، وزراعة سهماً مسموماً يدعي الكيان الصهيوني في جسد الأمة الإسلامية . وإثارة الفتن والقلاقل بين المسلمين والمسيحيين ، والسنة والشيعة . بخلاف النهب المنظم ، للثروات العربية ،  بشكل مباشر أو غير مباشر . وبالقطع أنا هنا لا أبرر للأعمال الإرهابية ، ولا ألتمس لمقترفيها الأعذار ، وإنما أشير إلي منحي انعدام الثقة ، الذي حفره الغرب المسيحي ، بقيادة أمريكا ، في إدراك ، ووجدان العالم الإسلامي ، مما يدفع ـ في الوقت الراهن ـ  إلي التوجس ،والخيفة ، المُبَرَّريْن ، من الدعاوي والأفكار ، الآتية من الشمال . ومن هنا يمكننا القول ، بأنه يلزم تأصيل ، وتدقيق المفاهيم ، والمصطلحات ، قبل أي تحرك علي الأرض . فقول ترامب : " نعزز التحالفات القديمة ونشكل تحالفات جديدة- ونوحد العالم المتحضر ضد إرهاب الإسلام المتطرّف الذي سنزيله بشكل كامل من على وجه الأرض " إن صحت الترجمة ، وكانت دقيقة في التعبيرعن المقصود ، هو قول فضاض ، لأنه يقصد إلي الدين ذاته ، وليس إلي بعض تابعيه . وهذا مذهب لا يصح ؛ لأن الإسلام في ذاته ليس ديناً إرهابياً ، ولا فيه ما يدعو إلي التطرف ، وإن انحرف بعض أتباعه ـ بفعل عوامل ومفاهيم خارجة عنه ـ عن صحيح أحكامه ومفاهيمه . وسحب هذا علي ذاك يعد خلطاً ، سيؤدي إلي نتائج ـ كارثية ـ خاطئة . فالقول بإرهاب الإسلام المتطرف ، يعني أن هناك جانباً من الإسلام متطرف ، والإستمساك بهذا الجانب المتطرف ، يجنح بصاحبه إلي الإرهاب ، والدعوة إلي محاربة هذا الجانب  المتطرف ، باعتباره إرهاباً وتطرفاً ، يفضي في النهاية ، إلي محاربة الدين ذاته . فإن كان هذا هو المقصود من وراء تصريحاته ، فهي حرب صليبية جديدة ، ترتدي أردية محاربة الإرهاب . أما إن كان المقصود ، محاربة الفكر الإرهابي ، الذي يتمترس بالدين ، ويتخذ منه مطية ، بغية الوصول إلي مآرب غير دينية/ ولا مشروعة ، أو دينية ملتبسة ، فهذا ما نحاربه باعتبارنا مسلمين ، قبل أن يحاربه غيرنا . وقد كان من الأوفق ـ لو كانت النية استئصال شأفة الإرهاب ـ استخدام المصطلح علي إطلاقه ، ليشمل كل فكر أو تصور أو نشاط  يفضي إلي الإرهاب أياً كان مصدره . وفي هذه الحالة ، سينضوي النشاط الصهيوني الإرهابي ، تحت لواءه ، وكذا النشاط التمويلي ، الذي تمارسه أمريكا ، وغيرها ، للمنظمات الإرهابية . أما تخصيص وقصر الإرهاب علي الإسلام ـ مع الخضوع للإرث الديني لديانة أخري ـ فإنه يمخر بنا إلي عباب حرب دينية ، لا قِبَل لأحد بتبعاتها . كما يعزز من الخلط في فهم ما أطلقه ترامب ، ما قاله حول توحد العالم المتحضر ، ضد إرهاب الإسلام المتطرف ؛ لأنه لم يحدد ماهية العالم المتحضر ، الذي يقصده ، وتركه للمفهوم الشائع . والمفهوم الشائع للعالم المتحضر يقتصر علي الغرب المسيحي ، أما العالم غير المتحضر ، فهو يشمل : العالم الإسلامي ، ودول العالم الثالث ، ويُفهم من ذلك أن الحرب علي الإرهاب ، هي حرب علي الإسلام ، من خلال الحرب علي ممثليه في العالم  ، وبذا تصبح الدول الإسلامية ساحات حرب مفتوحة . فهل يتكرر نموذج بوش الابن ، علي يد ترامب ، في محاربته الكونية  للإرهاب / الإسلام ؟ . ربما يذهب البعض إلي القول بأن ذلك يمثل غلواً في الفهم عن الرجل ، وأن ما دفع بهذه الكلمة علي لسانه هو ارتجال كلمته ، ويؤكد عدم القصد وانعقاد النية لدي الرجل ، فيما ذهبت إليه ، هو إذاعة آيات من القرآن الكريم ، في كاتدرائية واشنطن ، أثناء استكمال مراسم التنصيب ، في وجود الرجل . وربما أميل مع  ما يميل إليه هذا الفريق ، علي سبيل التمني ، وألا ينطبق علينا مثل :" ليس كل ما يتمناه المرء يدركه " .



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز