أحمد حمدي يكتب : لم يتغير شئ
تسللت ليلاً لإحدى مقاهي وسط البلد التي كنت قد اعتدت أن اتردد عليها وأنا تلميذ في المرحلة الثانوية. ولكنه كان قد اختلف تماما. تغيرت ألوانه وأضواؤه. ونظرت إلى المقاعد قد تلونت وتشكلت وصغرت. ونظرت الي الجرسونات كلهم من الشبان. اقترب مني أحدهم. تبحث عن شيء؟
سألته إن كانت هذه التغيرات قد ادخلت علي المطعم من وقت طويل. فأجاب: بأن شيئا لم يتغير. ولكن من الممكن أن تسأل جرسونا أقدم. وجاء الجرسون وأكد أن الذي أراه هو الذي رآه هو من عشرين عاما. فالمطعم كما كان طولا وعرضا. لا أضيف إليه شيء ولا حذف منه..
جعلوني اشعر كأنني من كوكب آخر. وأنني لم أر هذا المطعم من قبل. سألت: هل الجرسون كامل أبو كرش موجود فضحكوا:وجاء كامل. وعرفني. قائلا: اهلا وسهلا. لم نرك من أجيال. اين صديقك فلان.. أين أنتما الأن.. هل عرفت المكان.. أنت كنت تجلس. أكثر الوقت هنا..
لقد أجاب عن أسئلة في دماغي فقال: لم يتغير شيء. ولكننا تغيرنا. كبرنا.. والذي كنا نراه كثيرا هو اليوم صغير.. لقد كان يملك هذا المطعم ستة اخوة.. ماتوا. وأحفادهم هم الذين تراهم امامك. لم يغيروا شيئا في المطعم الذي ورثوه...
لم يتغير شيء.
وإنما نحن لم نعد هؤلاء الذين كانوا يجلسون علي أي مقعد حديدي ويأكلون أي طعام في أي وقت. ولا يحسبون كم من الساعات ذهبت وكم بقي من أي يوم.. ولم تكن هناك لا أيام ولا كانت ليالي.. فالزمن موصول نهاره في ليله صباحه في مساءه.. وكانت المسافة بين بيتي القديم بحي شبرا الى منطقة وسط البلد ( فركة كعب).. كيف كان من الممكن أن اذهب كل يوم مرة و مرتين في أسبوع واحد الى هذا المقهى .. كيف كان من الممكن.. كيف يكون من الممكن أن يصبح كل هذا الوقت الطويل و الاعتياد الكبير مجرد ذكرى!
ولا أعرف الآن لماذا كان يقول لي أحد أصحاب المطعم: هل ما زلت مهتما بالسينما و الشعر و الناس؟!
ما الذي رآه في سلوكياتي يجعله يبحث عن هذه الصفات بي هل السبب أنه لم يعد يجد ما اعتاد عليه مني ، لقد كنت على محقاً
يبدو أنني أنا الذي تغيرت.