عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

د. يسرا محمد سلامة يكتب: فيها حاجة حلوة

د. يسرا محمد سلامة يكتب: فيها حاجة حلوة
د. يسرا محمد سلامة يكتب: فيها حاجة حلوة

التفوق في معناه العام ليس بالضرورة أنْ يكون دراسيًا، فكم من امرئٍ لم يكن في يومٍ ما متفوقًا في دراسته، ثم أصبح فيما بعد نابغًا في تخصصه، أفاد بلده على الصعيدين المحلي والدولي، ولمع اسمه بشكل بارز في الأوساط المختلفة، المهم أنه قام بتعلم ما يُفيده في مُستقبله العملي الذي يُحبه فأثمر ذلك شخصية رائعة تحاكى بها الجميع.



عندما يتخرج الطالب من الجامعة يفكر في اتجاهين لمستقبله، إما الدخول مباشرة في مُعترك الحياة العملية والبحث عن وظيفة تتناسب مع مؤهله، أو لا تتناسب لا يُهم طالما ستكون مصدر رزق جيد له يُعينه على تكوين مستقبله، وإما التريث قليلاً والبدء في تكملة دراساته العليا؛ ليقوم بتحسين وضعه الوظيفي أو لحبه الشديد في العلم، وسعيه للنهل منه للمدى الذي يريده، ولا أُخفي سرًا حين أقول أنَّ الهدف من الدراسات العليا في معظمه يتجه نحو السبب الأول، ألا وهو تحسين الوضع الوظيفي؛ لأنَّ الشباب همهم الأول والوحيد تقريبًا الحصول على وظيفة محترمة تصلح كواجهة اجتماعية.

والنوع الثاني الذي يجتهد حُبًا في العلم لا من أجل مصلحة أخرى هو من يُعاني في مصرنا العزيزة، فإذا لم تكن من المتفوقين وأصبحت أول دفعتك  - أو لم تكن وأصبحت كذلك أول دفعتك - ولم يتم تعيينك في كادر التدريس الجامعي، عليك بانتهاج سياسة الصبر والنفس الطويل في آنٍ واحد؛ لكي تُحقق مُرادك، وقد ترى زميلك الذي تَعين قد أخذ الدكتوراه – بأي طريقة – وأنت لازلت قابعًا في رسالة الماجستير، لم تتمكن من الانتهاء منها، كل ذلك بسبب الروتين القاتل الذي يضرب جنبات الجامعات المصرية بكلياتها المتنوعة سواء النظرية منها أم العملية، فهناك مثلاً دورات عليك اجتيازها قبل أنْ تُناقش الماستر، ودورات أخرى لا تختلف كثيرًا عن سابقتها قبل مُناقشتك للدكتوراه – يُعفى منها في بعض الجامعات عضو هيئة التدريس – وهذه الدورات لا علاقة لها بتخصصك لا من قريبٍ ولا من بعيد، وهناك تمهيدي الماجستير أو الدكتوراه، والذي يتم فيه تدريس مواد قد لا يرغب الطالب في دراستها لإنها ستكون بعيدة عن مجال تخصصه، لكنه يجد نفسه مُجبرًا على دراستها لمدة تمتد في بعض الجامعات لعامٍ كامل – وهو ما يسمى بالنظام القديم – أو قد تكون لترمين دراسيين – وهو ما يُسمى بالساعات المُعتمدة - وعليه بذل مجهود كبير فيها حتى ينجح "فقط"؛ ليتأهل لمرحلة الماجستير والدكتوراه، وهنا أود أنْ أوضح أني غير معترضة بالمرة على فكرة التمهيدي هذه – على العكس – التمهيدي يُصقل الطالب المقبل على رسالته العلمية في تخصص ما، اعتراضي على دراسته لمناهج لن تُفيده حتمًا فيما هو مُقبل عليه، ونتيجة لذلك يتشتت ولا يُركز على المادة التي ستنفعه في دراسته الأهم لرسالته العلمية، والتي من المفترض أنها ستسد فجوة معينة في التخصص الأكاديمي، ويتم الاستفادة منها عندما يتم تبادلها مع الجامعات المختلفة المصرية منها أم العربية، والإفريقية.

ونأتي لعامل الوقت، فجميع من يُطلق عليه باحث في مصر يعلم جيدًا أنه إذا أردت الحصول على رسالتك فعليك الانتظار لمدة لا تقل عن ثلاثة أعوام حتى يتسنى لك نيل درجتك العلمية، وهذه المعوقات تتمثل في معظمها في توفير المادة العلمية محل البحث وتجميعها، فعضو هيئة التدريس يُخول له الدخول إلى كثيرٍ من المصادر الاليكترونية في جامعات ومواقع علمية أجنبية، التي تستعصى بالطبع على الطالب العادي، كما أنَّ بعض الجهات الرسمية مثل دار الوثائق القومية تحتاج إلى عدة أشهر؛ لكي يتمكن الباحث من دخولها بعد موافقة الجهات الأمنية على ذلك، وهي أصعب مرحلة في البحث العلمي يمر بها الطالب "تجميع المادة" فهي تُكلفه مجهودًا بدنيًا وذهنيًا وماديًا كبيرًا، وتحتاج فعلا لإمكانيات عالية، إذا لم يتمكن الباحث منها سيَمل سريعًا من رسالته ولن يُكملها أبدًا؛ لأنه ببساطة سيقف عاجزًا عن تحقيق ما أراده وتفرغ له ولم يشغله شئ عنه.

وحتى بعد حصول الباحث على درجاته العلمية بعد مرور عشرة أعوام على أقل تقدير، لن يجد مكانًا شاغرًا في أي جامعة يصلح لتخصصه، فجميع الأماكن "مُمتلئة"، أو "مَحجوزة" – رُغم أنَّه من الممكن أنْ يكون هذا المكان المحجوز لشخص ليس بأفضل منه علميًا – ويظل هكذا يبحث هنا وهناك ليصل إلى مشارف الأربعين من عمره، فيجد نفسه مُنهك القوى لا يقدر على مواصلة ما عشقه، فيصبح حبه للعلم سببًا رئيسًا في هدم مستقبله، بعد أنْ كان وهو في مُقتبل عمره حلمه الأوحد؛ لا طمعًا في لقب ما، بل من أجل رِفعة وتقدم وطنه.

البحث العلمي في مصر بحاجة ماسة إلى وَقفة كبيرة؛ لإعادة هيكلة نُظمه وقوانينه، ويجب أنْ يتم عمل قانون خاص لمن يرغبون في مواصلة أبحاثهم العلمية في مجالات تخصصهم في الجامعات دون التقيد بالتدريس الذي أصبح حِكرًا على فئة معينة، فالبحث العلمي في حد ذاته غاية لكثيرٍ من الشباب ممن يُحبون العلم للعلم فقط، هؤلاء هم من يجب على الدولة الاهتمام بهم؛ لأنهم سيكونون وقودها من أجل إشعال فتيل مستقبل مزدهر ونهضة شاملة في قطاعات مختلفة، وهؤلاء تحديدًا هم من يتم بخس حقهم بطريقة غريبة في بلد أنجبت أحمد زويل ومصطفى السيد ومجدي يعقوب وفاروق الباز، ومن قبلهم مصطفى مشرفة، وسميرة موسى، ويحيي المشد، وغيرهم.

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز