عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

د. فاطمة حسن تكتب: اخــــلاص النيــــــــــــة

د. فاطمة حسن تكتب: اخــــلاص النيــــــــــــة
د. فاطمة حسن تكتب: اخــــلاص النيــــــــــــة

اخلاصُ النية ، عبارة اعتاد الكثيرون استخدامها في تقديم أعمالهم وأقوالهم ، كلٌ وفق غايته ، وفي إطار توجهه ، ومن منطلق منحاه الفكري . فرجل الدين يستهل قوله بإخلاص النية ليقدم عبادته لربه ، ورجل السياسة يتخذ من اخلاص النية شعارا لخدمة وطنه ، ورجل الاعمال يُعلي مبدأ اخلاص النية ليقدم سجلاته وحساباته لآمري تجارته . ولكن هل حقاً يخلص رجل الدين نيته لله ، وهل يخلصها رجل السياسة لوطنه ، أو حتي التاجر هل يخلص نيته في تجارته . لم تكن هذه العبارة لتستخدم الا للتعبير عن الولاء لمن تـُخلص له النية ، والتفاني في خدمته وإعلاء شأنه ، ولم يكن لاستخدامها الا خير دليل علي نبل الغاية ، وصلاح الوسيلة لبلوغها .
واليوم تجردت هذه العبارة من كل ما تحمله من معاني سامية ارتبطت باستخدامها ، لتصبح مجرد ستار يتخفى ورائه وباء هذا العصر ، ليحول دون نبل غاية كل قول وفعل ، ويؤكد طلاح كل وسيلة قد يستند اليها هذا القول او ذاك الفعل ، فلم تعد غايات إعلاء الدين أو الوطن أو الصالح العام هي المقصد من اخلاص النية ، وانما حلت محلها غايات اعلاء المصالح الشخصية ، والأهواء الذاتية ، والمكاسب المادية . فلم تكن يوماً السيطرة أو الهيمنة غاية اخلاص النية لله ، ولم تكن النازية او الفاشية غاية اخلاص النية للوطن ، ولم تكن المكاسب المادية غاية اخلاص النية للغير .
لقد مر المجتمع المصري منذ أن سادته مظاهر تجارة المصالح ؛ مر بأكثر فترات ضعفه وتدهوره علي الاطلاق ، إذ تحولت المصلحة المتبادلة إلي المبدأ الرئيسي في التعامل ، وغابت كافة المفاهيم التي تتعارض وذلك المبدأ ، والذي أفرز قيما لم تكن لتظهر بمجتمعنا المصري ، فأصبحنا نري الموظف المرتشي ، والمسئول الفاسد ، والتاجر المراب ، وغيرهم ممن اصبحت المصلحة المتبادلة مبدأهم الأوحد في الحياة . وقد نلمس ذلك من مجرد الاستماع الي ما اصبح يتردد داخل مجتمعنا المصري من عبارات شعبية بسيطة تدل علي شرط المصلحة مثل : " معتش حد صالح كله بتاع مصالح " ، و "ابجني تجدني" ، و " كله خد وهات وعم عشم مات " وغيرها ... 
عاش مجتمعنا المصري فترة طويلة في ظل ذلك المبدأ المزعوم يعاني ما أفرزه من قيم ومظاهر لم يكن ليعرفها من قبل ، حتي تطور ذاك المبدأ بشكل فرضته طبيعة الغريزة الانسانية ، ليتحول إلي مبدأ "صراع المصالح" ، فقد تتفق المصالح ، وقد تتعارض ، وقد تتوحد القوي من أجل المصالح المتبادلة ، وقد تتفرق من أجل المصالح المتعارضة ، وهذا ما لمسناه بالفعل في مجتمعنا المصري ، فتارة تتوحد قوي سياسية لم يكن لها ذلك من أجل الهيمنة والسيطرة ، وتارة تتفرق تلك القوي ذاتها عندما تتعارض مصالحها ، وتارة نري رجل السياسة المتدين يتحد ورجل الدين السياسي ، وتارة أخري نراهما متصارعين متناحرين . 
والسؤال المطروح الأن ماذا لو أخلص كل منا نيته بحق ، ماذا لو اخلص رجل الدين نيته لله ، ولو اخلص رجل السياسة نيته للوطن ، ولو اخلص رجل الأعمال نيته لتجارته ، ماذا لو اخلص الموظف نيته لعمله ، ماذا لو اختفي مبدأ تجارة المصالح من مجتمعنا  المصري ، قد تكون هذه الاسئلة مستحيلة الاجابة ، وقد يكون التطرق اليها عبث لا جدوي  منه ، الا انني لازلت احلم ، فهل لكم ان تشاركوني الحلم ؟



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز