عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

تامر أفندي يكتب: حواديت عيال كبرت «8»

تامر أفندي يكتب: حواديت عيال كبرت «8»
تامر أفندي يكتب: حواديت عيال كبرت «8»

شجرة التوت



«كنا وقفنا عند انتشال «عروستي» من البركة.. واستمحيكم عذرا أنني سأدلف هنا إلى حدوتة أخرى.. على أن نعود إلى سيرتنا الأسبوع المقبل.. أم اليوم فمع حدوتة العمر كله.. سر وجودي.. «أمي».. لأقول لها على الملأ أني أحبها.. فأعز ما أملكه «الحرف».. لذا أصنع منه باقة ورد وأنثرها على قدمي أمي.. أقبلهما وأقبل الثرى تحتهما.. أتبرك بها.. وأتضرع إلى الله برضاها.. أفرح إن أومئت في إشارة رضا.. ونفسي تتعذب إن هي غضبت».

«2»

«أمي» أكبر من كل الكلم.. مهما جمعته ونمقته هي اللفظ الأجمل من بين حروفه.. لن أوفيها حقها ولو كانت كل البحور مدادا.. ولو كانت السموات والأراضين صفحات.. لكني أحاول وأحاول.. أن تتنشي يوما فخرا بأني ولدها.. كما انتشيت عمرا.. ورفعت قامتي حتى عين الشمس لأنها أمي.. جلست في مجالس الرجل.. مفتخرا.. وأنا أقول نعم هي أمي.. تلك الراهبة في محراب بيتها التي تتحدث عنها النساء.. هي أمي.. رفيقة سجادة الصلاة تلك هي أمي.. السيدة التي يناديها كل الأولاد والبنات بـ«ماما».. هي أمي.. الأرض الطيبة التي منحتني أما وأختا وشقيقا هي أمي.. أنا في نعمة يارب لا تضاهيها نعم.. احفظ لي هذا الرافد من نهر تحت عرشك.. أمي..

«3»

في كل لحظة في عمري حدوتة لأمي.. إلا أنني سأذكر واحدة فقط.. أداعبها بها وأذكرها.. لتضحك.. كانت ظروفنا المالية تدهورت من سئ إلى أسوأ.. وأصاب أبي الهم والغم من فرط مالقاه من نكران للجميل بين أقرانه.. فاعتزل الجميع.. عزف عن الدنيا.. ترك كل شيء.. وجلس في حجرته لسنوات.. وطيلة هذه السنوات كانت أمي تعامله كملك.. لم تتغير حتى لهجتها معه رغم ما تعانيه.. كانت كقبضة من رحمة الله.. تبلسم جراحه وجراحنا.. ولا أدري من أين كانت تأت بكل هذه القوة والأمل.

 

ضاق بنا الحال أكثر وأكثر وكان كل ما تبقى لنا من الدنيا «ميكروباص»، كان أبي قد رفض العمل عليه، وكان لديه حق مهما نسوق من مبررات، فكيف لمثله وقد كان ما كان أن يقبل بتقلبات الزمن، حينها كنت ألوم عليه بداخلي، لكني الآن فطنت وعرفت أن هذا الرجل لم ينحن إلى الله، لم يهاب فقرا ولا شخصا.. كان لديه يقين عجيب بنصر الله له.. والأهم أنه ما مسك بإصبعيه لقمة من حرام ووضعه في فيه أحد فينا.. حينما تنحى أبي عن مشهد الحياة مؤقتا.. كان على علم بأن عمود الدار تقوى على حملها.. بأن هذه المرأة تستطيع أن تتحمل العالم على كفيها دون أن تئن أو تضجر أو تشكو.

«4»

عملت سائقا على «الميكروباص» لأكثر من 6 سنوات، حتى انتهيت من دراستي الجامعية، وكان الحال بدأ يتحسن بعدما تخرجت شقيقتي الكبيرة التي بمثابة أم ثانية لي ولأشقائها ولأبنائهم «الأبلة نجلاء» ولو لم أكمل الاسم لعرفتها الأجيال.. وعرفها الداني والقاصي.. ينبوع الحب والوفاء والأخلاق، درة التاج على الرأس، وحان ميعاد دخولي التجنيد، فتوزعت لمنطقة قريبة من السويس، وكنت أضع في اعتقادي أنه لن يزورني أحد، مر الأسبوع الأول واستسلمت للأمر.. ثم في الأسبوع الثاني كان المكان يعج بالأسر.. وأنا أسير بين زملائي وأسرهم أتلفت يمينا ويسارا، وإذا بميكروفون الوحدة ينادي على اسمي، لأجمع عند باب الزيارة.. قطعت المسافة ركضا وأنا أطرح كل الاحتمالات في رأسي وأرميها أرضا.. من؟.. من..؟ من..؟ وأخيرا الإجابة.

 «5»

هي.. هي ومن دونها.. هي.. هي.. كشجرة توت ممتد غصنها نبتت فجأة أمام عيني في تلك الصحراء القاحلة.. كنسمة باردة نزلت من السماء أخذت لفحت الشمس الحارقة وتركت لي رذاذ ماء على وجهي.. فتحت ذراعيها على امتداد الأرض من المحيط للمحيط، وكأن ما بين يديها باب من أبواب الجنة.. هذا «الحضن» وهذه الربتة.. سر من أسرار الله.. هذا الكف من كف المولى.. امتصت حزني ولا أدري كيف يتحمل قلبها كل ذلك.. أي كائن هذا!.. كيف تأخذ أحزاننا وأوجاعنا.. وآهاتنا جميعا وتقلبها في قلبها وروحها ثم تخرجها لنا ابتسامة.

احتسيت أحلي «كوبين من الشاي»، أنا وأمي، ثم قبل أن تنصرف.

 

 «6»

في احتفال عيد الأم الذي نظمته أنا وأقراني في قريتنا بكت طفلة يتيمة.. وهي تشدو بــ«ست الحبايب».. بكى الحضور.. وأعرف كم هو غائر جرح تلك الطفلة.. حمدت الله على نعمة الأم.. وأمي.. وأمي.. وأمي.. إلى آخر العمر.. رأسي عند قدمك.. أتنسم ثرى خطوك.. فأقبلي مني عذري أن أنا قصرت يوما.. كل عام وأنتي حبيبتي يا أمي.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز