عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

تامر أفندي يكتب: حواديت عيال كبرت «11»

تامر أفندي يكتب: حواديت عيال كبرت «11»
تامر أفندي يكتب: حواديت عيال كبرت «11»

                              «1»



 

مسك بكلتا يداي في حديد شباك الضريح، وأخذت أتجول بعيني داخله، حتى وقع نظري على «عمنا الشيخ»، وهو يجلس متكئا بظهره على الضريح ومن أمامه المعلم عواجة ينظم الناس، الذين يتدافعون لتقبيل يد «الشيخ»، إحدى النساء تتقدم بطفلها، تميل على أذن المعلم «عواجة»، فيشير لعمنا الشيخ بسبابته على عين الطفل، ثم يمسك برأسه ويقدمها له، فيبصق الشيخ فيها، تبتهج الأم وتأخذ طفلها وتنصرف، ثم تتقدم أخرى وفي قدمها جرح، يقبض الشيخ على حفنة من تراب بجوار الضريح يضعها في جرحها، فتنتشي وتنصرف، رجل ثالث يخبر المعلم «عواجة» أنا ابنه يتكلم بصعوبة حتى يكاد لا يفتح فمه، يستدير المعلم «عواجة»، ويحضر «إبرة» يعطيها لعمنا الشيخ، فيبلها بريقه ويمسك الطفل ويغرس الإبرة في خده الأيمن، يصرخ الطفل.. يكبر «عواجة» والحضور.

 

                             «2»

تعبت من «الشعلقة» على شباك الضريح، فصحت: «خلصوا بقى إيه النمرة الجديدة»، لم يكن استهزاء مني، بل كان راسخا في اعتقادي أن هذه الأمور ليست حقيقية ولكنها تحدث من قبيل التسلية، كتلك التي كنا نشاهدها في الموالد، كرصاصتين صوبا نحوي كانت عيناي المعلم «عواجة»، التصقت يداي بحديد «شباك الضريح»، وارتعدت فرائسي، لم أدري سوى والمعلم «عواجة» يمسكني من «قفايا» ويقذفني في الجو لأسقط على الأرض سقط مدوية، أزحف إلى الخلف وهو يتقدم علي، أنظر حولي علا أحد ينقذني، فإذا بي أرى على مقربة مني رجل كبير من أقاربنا، صوتي لا يسعفني.. أشير إليه في استنجاد.. ينظر إلى ولا ينبس ببنت شفاه.

كانت «علقة ساخنة» هذا أقل ما يمكن أن توصف به، فرغم صغر يد «عواجة»، إلا أنها كانت مثل الكرباج، لكن ورغم ذلك لم يشغلن ألم الضرب المبرح، ولا سطوة «عواجة» خادم الضريح، لكن شغلني تخاذل، الرجل الكبير، حتى أنني كلما صادفته كنت أنظر إليه باستحقار، وربما تجاوزت ذلك بالتفل أمامه، دون ردة فعل منه، استمر هذا الحال لأسابيع وربما لشهور، وذات يوم وأنا أصلي العصر في «المسجد» كان الرجل يجلس فإذ به يشير إلي، فتجاهلت إشارته وندائه، فنهض وأتى هو إلى وجلس بجواري.

                                «3»

كان اسمه «ناصر»، قال لي: أو تعرفني؟ قلت له: كنت.. تعجب!، فواصلت: «كنت أعرف أنك رجل قوي لك هيبة، تفصل بين الناس، لا تخاف ولا تصمت عن قول الحق، هذا الكلام كنا نسمعه، كان الكبار يرددوه لنا، لكني رأيت عكس ذلك حينما اعتدى عليا «عواجة»، وتعجبت أهذا الذي كنا نسمعه عنه يترك طفلا يضرب أمام عينه ويصمت؟.. تبسم الحاج «جميل» بسمة ألم، وتنهد وقال: «ما تحكي عنه كان في زمن قوة أمام قوة وليس قوة أمام بلطجة.. كان العقل حاضرا ولا أعرف أين ذهب، أوضحها لك يا ولدي.. كان هناك ما يسمى بيت العائلة، كنا نجلس فيه سويا، «عزوة» يد واحدة.. قرار واحد.. هذا البيت ممتد إلى «الحتة» التي نعيش فيها، فإذا ما حدثت مشكلة لفرد ما في أحد البيوت، كأنها حدثت لنا جميعا، بدأ الجمع يتفكك وبدأت الصراعات تظهر.. صرنا فرادى.. فحكمتنا بلطجة «عواجة» وطقوس «شيخ الضريح»، وبعد أن كنا كما تقول بتنا كما ترى.. ينازعني أخي في «قيراطين» والعجب أن من أبنائي من يتطوعوا لإعطائهم له، وشقيقتي «سمراء» لا يكفيها حقها وتود استقطاع حجرتين من داري، أشعر أنني في «دوامة»، ولكم تمنيت أن انتهي منها ولو بالموت، أو أن اكتشف سر ضعفنا وتمزقنا، والحمد لله واتتني الفكرة و«عواجة» يضربك، وأنت ترفض وتنظر إلي.

 

لذا يا بني لا تنشغل بي ولا بالدفاع عني وعن ماضينا.. بل اصنع لك حاضر.. اختاره أنت بأواصر العلم والفكر لا بأواصر القرابة.. تقارب مع بني جيلك واصنعوا لكم حائط صد لا تبددوا «عافيتكم» في الزود عن أطلال خلفناها لكم، اعتبرونا جملة عارضة في صفحة الحياة، أنا سكت يا ولدي.. لأنه ليس هناك ما أقوله لك.. فما جدوى أن تتكلم وسط كل هذا الدوي، صوتك وحدك لن يسمعه أحد.

                                «4»

تذكرت حديث عم«ناصر»، حينما سمعت أن «عواجة» عاد مجددا وضرب «سوريا»، وأه يا سوريا.. فصمت.. فالصمت أفضل من ولولة «الرجال» كـ«النساء»، فكل من نصرنا لم يكن منا ومن كان منا قتلناه.. لم يعجبنا من كل التراث سوى ما قاله «جحا» عن داره ثم «إليته» بل إننا تجاوزناه فاخترعنا لاستباحة المؤخرات وهتك الأعراض تبريرات وتبريرات.. فهل تتوب غانية من بصقة على أردافها.

                              «5»

المحزن أن منا لم يتمسك بفضيلة الصمت ليواري الضعف، بل تبجح وهلل لضرب «عواجة» لي ولـ«سوريا»، ومن قبل لضرب العراق وفلسطين، أصبح يشجع الكر والفر على أشقائه بعدما «تحفلط» ونسي الحلب والدر.

                                «6»

ورغم كل ذلك.. نحن لا نموت.. بذرتنا لا تموت.. هناك أجيال قادمة عن ظهر قلب تحفظ قضيتها تؤمن بعروبتها.. تعرف عدوها.. سنابل القمح تتفتح رغم مبيداتكم المسرطنة.. رغم أسلحتكم الكيماوية، رغم كل شئ أرضنا تنجب الخير.. فلا يغرنكم من يصافحكم اليوم.. فألف ألف ألف يرفضون.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز