عاجل
الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

غادة حامد تكتب : الشوكة و السكينة وولاد الناس ‎

غادة حامد تكتب : الشوكة و السكينة وولاد الناس ‎
غادة حامد تكتب : الشوكة و السكينة وولاد الناس ‎

لم افهم يوما لماذا يربط الناس الرقي و الشياكة بالفلوس؟ لماذا يربطون السلوكيات بالمادة؟ يعني مثلا لو رأوا شخصا يأكل بالشوكة و السكينة يبقي علي طول (ابن ناس ذوات) او غني ، في حين ان ٩٠ في المية من بيوتنا فيها اطقم معالق كاملة او حتي معالق و شوك و سكاكين فرداني ! يعني هذه الادوات موجودة في أغلب البيوت ، و لم اسمع في حياتي ان الشوكة و السكينة مثلا سعرهم اغلي من سعر المعلقة ، او ان هناك بيتا لا يوجد فيه شوك و سكاكين لارتفاع سعرهم !

طيب دعنا نتناول مثلا اخرا ؛ لماذا يتدنى مستوى الذوق كلما قلت المادة ، أحيانا، ما العلاقة؟ لماذا تري الفتاة او الشاب الذين يرتدون ملابسا من الوان متناسقة يوسمون بأنهم  (ولاد  ناس) في حين يرتدي الاخرون ، الاقل مكانة في المجتمع ، طبقات  و ألوان من الملابس لا علاقة لها ببعض !

ان هناك خطأ كبير في ربط السلوك بالمادة و تصنيف الناس    بناءا علي ذلك، و هذا الخطأ سببه فساد الذوق العام عند الناس ،فقد فقد الكثيرون الاحساس بالجمال و الذوق و النظافة. و الذي لا علاقة لهم  بالفقر او الغنى.

هل هناك علاقة بأن تكون غنيا و ان تتحمم كل يوم مثلا؟ هل الفقير لا يمتلك صابونا؟

اذا نظرنا الي المجتمعات الاخري من حولنا ، ستجد ان الفقر مثلا في دول عديدة لم يمنع الفقير من ان يحرص علي غسيل اسنانه ولو مرة في اليوم ، وليس حتي الاستحمام !

انظر الي الفقير في دول عديدة تجده حريص علي ان يضع بعض احواض الزرع او الورود الملونة علي شباك منزله الذي قد لا تزيد مساحته عن ٥٠ م . في بعض البلدان  لا تستطيع ان تفرق بين الطبقة التي ينتمي لها الشاب او الفتاة اطلاقا من ملابسهم و لا من سلوكياتهم .

لماذا يرتبط نوعية الاكل في أذهاننا بالفقر و الغني ؟ نعتقد    انه كل ما زدنا من السمنة و الزبدة في الاكل  سيصبح اشهي و كلما اغرقنا الحلويات بالسكر ستصبح الذ و كلما اضفنا اللحوم سنبدو أغني . لكننا لا نفكر ابدا كيف سنصبح اكثر صحة واخف حركة لو سلكنا السلوك المعاكس تمامافي الاكل . و طريقة الاكل في رأيي تحتاج لمقال لوحده لاننا للاسف تربينا علي عادات غذائية أغلبها خطأ بل و مضر ، و اثرت بالتالي علي صحتنا و علي مظهرنا ، لدرجة أصبح الكلام عن أي شئ معاكس لهذه المعتقدات الغذائية ، في محل الكفر، و اصبحت كلمة أكل صحي لدينا تساوي كلامة أكل عيانين ، او اكل مستشفيات. جعلونا ندمن السكر والسمن و اللحوم و القشطة والزبدة و منتجات الالبان و نقاوم بشدة من يحذرنا من اخطارهم .

لماذا نتخيل ان من يتناول الوجبات دون لحوم هم الفقراء و نصمهم بذلك، و ان اكل اللحوم ، بل وجميع ما سبق هو اكل ولاد الناس فقط ؟ لان سعرها مرتفع ؟ كلنا نشترك في هذه المعتقدات لا استثني احدا ولا نفسي ! تربينا عليها و يصعب علينا التخلص منها.

في بلاد اخري مثلا امريكا؛ الامريكان شعب يفضل راحته علي اناقته ، شعب عملي للغاية ، و يستوي في ذلك الفقراء و الاغنياء ، فقد تجد مدير شركة كبيرة يذهب لشركته بتي شيرت عادي جدا و حذاء اهم ما فيه انه مريح ( وقد لا يرتدي حذاءا اصلا ، قد يرتدي شبشب البيت) فهناك ايضا لن تستطيع ان تفرق بين الغني و الفقير ! انها سلوكيات عامة توافق عليها المجتمع هناك بكل طبقاته. تجد هذا المدير هو من يقوم بنفسه من علي مكتبه و يدخل مطبخ الشركة ليعد قهوته ، انطلاقا من مبدأ المساواة وان كل فرد يجب ان يخدم نفسه ، و لا يجب ان نعين افرادا ليخدمونا!

لماذا نخجل ان نبيع قطع الاثاث او الملابس المستعملة التي لا نحتاجها ، بمبالغ زهيدة ، لمن يحتاجها من غير القادرين المتعففين ؟ انك تفيدهم و تحفظ كرامتهم  وقد تجد لديهم ايضا ما يفيدك لو اشتريته منهم . فلا يعيبك ان تشتري شئ مستعمل و رخيص ما دمت تحتاجه و بحاله تساوي السعر المعروضه به!

لماذا نربط كلمات مثل شكرا و تسلم ايدك و لو سمحت و من فضلك بأبناء طبقات معينة ، هوا كمان الكلام بفلوس؟

الخلاصة ان مجتمعنا يحتاج الي جهود جبارة لاصلاح الذوق العام و تنقية العادات التي انتهي تاريخ صلاحيتها و التي لا تحتاج  للمال او لتصنيفات طبقية ابدا  و لا ترتبط بهما الا في خيالنا .

وأن سبب تأخرنا في هذا العالم هو هذه  العادات البالية التي نحافظ عليها ربما اكثر من محافظتنا علي مصلحتنا وصحتنا و صحة ابناؤنا،  و ليس الازمة الاقتصادية او قلة الاموال لدي الحكومات ، او الحكام الفسدة ، الذين اتمني ان نؤجل الكلام عنهم حتي نصلح من انفسنا و من سلوكياتنا و عاداتنا اولا ، فالشعوب تقاس درجة تحضرها برقي سلوكياتها لا بعدل حكامها و كثرة اموالها.

فاذا اردتم ان تتغير احوالكم، وتتقدموا ،  فغيروا سلكوياتكم الاول و ارتقوا بفكركم و ذوقكم،  فالله لا يغير حال قوم الا عندما يبدأون هم بتغيير انفسهم.



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز