عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

سمية عبدالمنعم تكتب: مشهدان من مدينة الموت

سمية عبدالمنعم تكتب: مشهدان من مدينة الموت
سمية عبدالمنعم تكتب: مشهدان من مدينة الموت

تعالت الصرخات واختلطت بأصوات استغاثة يائسة :

_إلحقونا..السيل.... هنغرق .

انتفضت " كريمة" على وقع الصرخات بينما كانت تعد طعام الغداء، فسقط غطاء احدى الأواني من بين يدها ،وضربت صدرها بكفها بعنف  هاتفة:
_أولادي.
قالتها و أسرعت نحو إحدى الغرف بينما كان خرير ماء يتسرب إلى أذنيها ويقترب الصوت كهدير طائرة تحلق فوق رأسها.
انتزعت أولادها الثلاثة من فوق كتبهم ، و قد تملكهم الفزع وهي تصرخ بهم :
_ بسرعة ..اطلعوا السطوح ..السيل ..السيل.
لم تكد تنهي حروف كلماتها حتى اندفع الماء كفيضان يغرق كل شبر حولها ،هرولوا صاعدين السلم والماء يطاردهم كأفعى تطارد قاتل صغيرها.  
  تحلق اربعتهن ممسكين بحافة السور يطالعون حولهم نهرا جارفا يزيح كل شيء يعترضه ،رجال ونساء كانوا يسيرون بالشارع لم يمهلهم السيل فرصة الصعود لأحد الأسطح ،أطفال كانوا يلهون أمام بيوتهم لم يستطع أحد إنقاذهم ،جثث تصارع الغرق ،وأخرى جرفها الماء بعيدا ،وآخرون تاهوا بين فكي السيل فلم يبينوا.
صرخ أولاد "كريمة" وهم يطالعون الكارثة من فوق السطح ، حاولت امهم ابعادهم عن السور فلم تستطع ،حتى صرخ احدهم وهو يشير نحو احد أعمدة الانارة :
_ بابا .. بابا ..عند العمود.
التفتت "كريمة" بلهفة مذعورة حيث يشير ابنها، ولطمت خديها عندما وجدت زوجها يحاول تسلق العمود فارا من  الغرق.
تمالكت نفسها وتشبثت باولادها ،فهتف احدهم:
_ لازم نروح ننقذه ..هيقع ويغرق.
وصرخ اخوه:
_ بابا .
بينما بكت الصغيرة هاتفة باسمه .
حاول الولدان التخلص من يد امهما والاندفاع نحو ابيهما الذي يصارع الموت ،إلا أن امهما زادت من تشبثها بهما هاتفة:
_  متروحوش ..هتغرقوا.
ازداد اصرارهما ،بينما كان مستوى الماء يعلو مقتربا من ابيهما الذي لم يستطع تسلق العمود أكثر وقد بدا عليه الإرهاق والاستسلام لقدره.
اجفلت "كريمة" وأشاحت بوجهها عنه هاتفة بولديها:
_ مش هو ...مش بابا ..دا شبهه .
تردد الطفلان قليلا وعادا يبحلقان نحوه فأسرعت هي تؤكد :
_ قلت مش بابا.
قالتها وقلبها يعتصر، وتمتمت:
_ سامحنى.
استسلم الطفلان ، ولم يكادا يفعلان حتى أطلقت الصغيرة صرخة مدوية مشيرة نحو أبيها:
_ بابا.
انخلع قلب " كريمة" وهي ترى يده الممسكة بالعمود تفلت  و..
ويسقط بين الماء ،حاول السباحة الا أن قوة اندفاع المياه كانت اكبر من تطويعها ومقاومته ، فالتهمت جسده النحيل حتى اختفى تماما.
هنا لم تتمالك نفسها وراحت تلطم وجهها وصدرها صارخة باسمه،وانهار الأطفال عندما أدركوا خديعتها ، وراح أحدهم يسأل مصدوما:
_ بابا راح فين ..راح فين.

                                  * * *
أسرع"صلاح" يعدو  نحو باب البيت وكأنه يهرب من موت يلاحقه ،وأغلق الباب خلفه بإحكام الا انه لم يكد يفعل حتى اندفع سيل من الماء هاجما على الباب  الخشبي فانتزعه من مكانه بعنف وقسوة، واستمر جارفا كل ما يقابله من أثاث ،بينما "صلاح" يعدو في فزع نحو غرفته صارخا:
_ الدواليب ..كله يطلع فوق الدواليب ..هنغرق.  
واتجه نحو دولابه متسلقا اياه صارخا في زوجته التي تجلس فوق السرير ولم تستوعب ما يحدث :
_ بسرعة اطلعي ورايا ..هتغرقي.
صرخت وهي تلحق به وهو يحاول مساعدتها على التسلق:
_ الولاد .
هتف بها:
_ سمعوني وهيطلعوا فوق الدولاب.
نظرت زوجته بهلع نحو السرير الذي اختفى تماما تحت السيل  وراحت كل أشيائها تطفو فوق الماء وشهقت عندما رأت علبة مصاغها تجرفها المياه وتطيح بها بعيدا.
وكأن زوجها تذكر امرا فصاح بفزع:
_ أمي ..فين؟
لم تجب .
 بينما اتسعت عينا العجوز فزعا عندما أبصرت الماء ينهمر إلى غرفتها وتناهى إلى سمعها صراخ ابنها وتحذيره، فانتصبت واقفة في هلع وأمسكت بإحدى ضلف الدولاب، نظرت حولها في عجز هامسة :
_ هطلع ازاى فوق الدولاب..يارب ساعدنى؟
لمحت أحد الكراسي ،جرته  في وهن نحو الدولاب..وعينها ترقب هجوم الماء الذي وصل إلى ظهرها ، تشبثت بالكرسي وحاولت الوقوف عليه ،إلا أنها لم تقو على ارتقائه، خانتها قدماها وانزلقت ، و...
وسقطت في الماء .
شهقت بضعف والماء يصارع عجزها ، حاولت ان تصرخ ..ان تهتف باسم ابنها لينقذها ..لكن الماء غمرها..و..  
واختنقت الصرخة في صدرها للأبد .



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز