عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

ملاحظات على طبيعة الفيلم السياسي المصري

ملاحظات على طبيعة الفيلم السياسي المصري
ملاحظات على طبيعة الفيلم السياسي المصري

كتبت : ياسمين سعيد



في سياق تناول السينما للفيلم السياسي وطبيعة توجهاته وأساليبه يمكن أن نورد عدة ملاحظات..

أولا:- أن الفيلم السياسي المصري لا يمتلك شجاعة نقد الحاضر ودائما ما يرتكز هجومه على نقد(الماضي) بصفته ماضي منقضي سيء استبدل بحاضر مشرف يتيح الحريات التي سمحت لنا الأن أن ننقد كل شيء وعلى سبيل المثال أفلام (القاهرة 30)، و(بداية ونهاية) لصلاح أبو سيف أو(رد قلبي) لعز الدين ذو الفقار و(شروق وغروب) لكمال الشيخ وكلها أفلام سياسية تم انتاجها بعد قيام ثورة يوليو 1952 وحتى بداية السبعينات أي الفترة التي هيمنت  فيها "زعامة عبد الناصر" على كل شيء في مصر وأصبح للسينما الحق في نقد النظام البائد الاقطاعي الظالم والرأسمالي المستغل دون الاقتراب من نقد الحاضر بأي شكل من الأشكال ..

 

ثانيا:- أن الأفلام التي يمكن القول أنها سياسية بحق والتي وجهت نقدا للنظام الحاضر قد لاقت مصيرا سيئا وعلى سبيل المثال فيلم (السوق السوداء) للمخرج أحمد كامل التلمساني في عام 1945 وقد وجه في فيلمه نقدا مريرا للرأسمالية المصرية الطفيلية التي استغلت ظروف الحرب العالمية الثانية (1939-1945) لتمتص دم الفقراء إبان الأزمة الاقتصادية الطاحنة عن طريق احتكارها للسلع الغذائية الضرورية كالدقيق وعن طريق متاجرتها بالسلع والمواد التموينية مع قوات الاحتلال البريطاني الذي اتخذها نصيرا وعونا له.

ويمكننا أن نعتبر فيلم (العزيمة) للمخرج كمال سليم عام 1939 واحدا من أهم الأفلام الواقعية السياسية الرائدة في هذا المجال حيث وجه نقدا قاسيا للنظام المصري الحاكم الذي يمثل توليفة من البشوات الاقطاعيين الرأسماليين الجدد الذين تجلت السلبيات في عهدهم وتمثلت في البطالة التي تفشت بين الشباب ورغم الاتجاه التصالحي في الفيلم والذي اقتضته المحاذير الرقابية الصارمة متمثلا في حل أزمة بطل الفيلم "حسين صدقي" عن طريق الباشا الاقطاعي "زكي رستم"الذي يمد يد العون للبطل محمد أفندي ويقوم بتعيينه في وظيفة مرموقة تجعله يسترد حبيبته "فاطمة رشدي" التي كادت تضيع منه لولا عون الباشا الشهم الطيب!

أما الفيلم الثالث فكان فيلم (لاشين) إخراج فريتز كرامب من إنتاج ستوديو مصر عام 1938 والذي تم إيقاف عرضه على الجمهور بعد يومين فقط لولا تدخل طلعت حرب باشا الذي قام بجهد هائل لإقناع محمد محمود باشا رئيس الوزراء وقتها  بعرض الفيلم بعد أن تدخل مقص الرقيب وشوه الفيلم تماما وغير نهايته ليضيع معناه الذي كان يؤكد على حتمية وضرورة قيام الثورة في مصر.

ثالثا:- الأفلام التي قامت بنقد النظام البائد سواء كان هذا النظام هو نظام الملكية أم نظام عبد الناصر أو نظام السادات الموالي للأمريكان كل هذه الأفلام انطفأت شرارتها في أعقاب زوال هذا النظام أو ذاك وكان انطلاقها بالطبع بإشارة من السلطة الحاكمة القابضة  على مقاليد الحكم.

ويمكن اعتبار فيلم (رد قلبي) لعز الدين ذو الفقار وهو من ضباط الجيش هو إشارة البدء والانطلاقة لنقد النظام الملكي وإعلاء نظام ضباط يوليو 1952 لكن الملاحظة الهامة هنا هي عقلية "المنتج القديم" المسيطر على صناعة السينما في مصر ظلت متحكمة حتى بعد الثورة – فالفيلم يتبنى ايدلوجيا "التصالح الطبقي" حيث ينجح البطل العصامي علي (شكري سرحان) ابن الجنايني وهو ضابط جيش بالطبع مثل مؤلف القصة يوسف السباعي – ينجح في الزواج من الأميرة انجي (مريم فخر الدين) ابنة الباشا الاقطاعي وهي قصة سندريلا بالطبع في ثوب مصري لكن أخطر ما في الفيلم هو الإرهاص لما تم فيما بعد زواج بين السلطة متمثلة في الضباط ذو الأصول الطبقية المتواضعة وبين الثروة التي يمتلكها البشوات والأمراء والرأسماليين أصحاب النظام القديم.. وهو شيء حتمي فالسلطة تسعى للثروة والثروة تسعى للسلطة لتأمين مصالحها.

وبعد فيلم رد قلبي جاءت أفلام صلاح أبوسيف (بداية ونهاية)و(الفتوة) والتي ضربت فكرة التصالح الطبقي في مقتل ، وأدلى أيضا بركات بدلوه بدءا بفيلم "الكرنك" لعلي بدرخان 1975 والذي أحدث دويا هائلا تتالت بعدها وبإشارة من نظام السادات آنذاك أفلام(طائر الليل الحزين) ليحيى العالمي وفيلم (وراء الشمس) لمحمد راضي وفيلم (إحنا بتوع الاتوبيس) لحسين كمال وبمجييء السادات وامتداد نظامه في عهد مبارك تحولت السينما السياسية إلى مايسمى بنقد النظام السياسي بشكل مباشر أيضا في أفلام المخرج الراحل عاطف الطيب (سواق الأتوبيس) و(أبناء وقتلة) و(البريء) أصدق دليل على ذلك..

أيضا أفلام خيري بشارة "العوامة 70) و(كابوريا)و(الطوق والأسورة) و(اشارة مرور)، وأيضا أفلام محمد خان منها (سوبر ماركت) و(عودة مواطن) و(أحلام هند وكاميليا)...

كذلك شريف عرفه وأفلامه (اللعب مع الكبار) و(الإرهاب والكباب) و(المنسي) وأخر هؤلاء المخرجين الرواد هم إبراهيم البطوط وفيلميه (عين شمس) و(الشتا اللي فات)..

إن السينما السياسية هي الاختيار الصعب للمخرجين أصحاب  الفكر..أصحاب الرؤية التقدمية التي تسعى للتغيير..تسعى إلى المستقبل الزاهر لهذا الوطن.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز