عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

تامر أفندي يكتب: حواديت عيال كبرت «15»

تامر أفندي يكتب: حواديت عيال كبرت «15»
تامر أفندي يكتب: حواديت عيال كبرت «15»

أنا فلاح.. مصر بلادي.. فلسفتي



 

«1»

أنا لا أغالي عليكم إذ لم أقطع  طيلة الـ14 حدوتة السابقة سوى 200 مترا من منزلنا للكتاب، كل ما عرضته من راقصة وجماعات إسلامية وفلاحيين وصوفيين وحكماء بالفعل كانوا في تلك المسافة رأتهم عيني وعايشتهم، كل هذا وأنا ممسك باللوح والمصحف لم يفلتا من يدي، وكأنني دون إدراك كنت أبحث عن الوسطية، التي عرفت فيما بعد أنها كانت في حجر شيخ الكتاب سيدنا الشيخ محمد أبو حسين أفضل معلم في تاريخي على الإطلاق، والذي كان كل ما في جعبته «دواية حبر وأقلام بوص وألواح خشبية قبل أن تتطور وتصبح صفائح وأجزاء القرآن وزخمة وكرملة في سيالة جلبابه أو كما كان يطلق عليها أرواح».
 

«2»

قبل الولوج في السيرة الطيبة لهذا المعلم، يبقى أن أخبركم بنموذجين كنت أضعهما نصب عيناي في كل خطوة من حياتي، كلاهما كانا موهبين فوق العادة متمردين سابقين سباقين متطلعين، سلك كلا منهما طريقا مختلفا وإن كانت البدايات من وجهة نظري واحدة، الأول كان زجالا يشار إليه بالبنان، كان الحرف قد أتاه طوعا وبات في يده سهلا لينا، لكنه كان وحيدا أمام سطوة رجالات الدولة، ولأنه كان عنيدا دخل مضمار السياسة بجواد خياله فتعثر في السبق، فالمقامرة والمغامرة كانتا غير محسوبتين، كان هذا الزجال من الممكن أن يكون أبنوديا نتحاكى به إذا رواغ الحياة ولو قليلا، لكن ربما لظروف اجتماعية وسياسية فقد بوصلته، فالتهمت قواه المشكلات، هذا الزجال تطلع أن يكون له دورا سياسيا وخيل إليه أن موهبته وحسه وحبه لأهله مؤهلات كافية لذلك، فدخل في براثن السياسة كمرشح لمجلس الشعب وبرغم إيمان العوام له إلا أن اللعبة منذ القدم كان لها أصول، فنالت منه الخسارة ولم يخرج صوته المعارض أبعد من صدره، ربما لأنه لم يكن على الأقل متلقي جيدا لهذا الصوت، وأخذته العزة بالموهبة أن يقول لا وسط موجة عاتية من الانصياع، صدح كبلبل وسط نعيق صارخ دون أن يشكل مجتمعا يصغي ويسمع ويعي صفيره، لم يتمكن زجالنا أن يسترد خطوته الأولى، كانوا يحرقون حوله الأرض، بات مطاردا كنبي، اتهموه بالشطط.. سرقوا منه حلمه، كان يكتب عن الوطن.. عن الأمل عن الغد.. وأثير الإذاعة يجر البلاد إلى «الطشت قالي»، لم يفطن إلى البحث عن أرض أخرى وقوم آخرين ربما سيدوه عليهم وعاد بعد اكتمال حلمه، وبرغم ذلك ترك أثرا يقتفى وتجربة تتحمل الأخذ منها على قدر المستطاع.. ولا أنسى نصيحته لي في آخر أيامه: «أنت مبتلى بالحرف فصفي ذهنك له.. واصنع منه فكرة لا سيفا.. ليس عيبا أن تنسحب مؤقتا من معركة حفاظا عليه.. هو هبة من الله لك فلا تبيعه ولا تعطيه لمن لا يستحق.. تذكر جيدا أني كنت هنا قبلك ونقشت على جدار الزمن اسمي فأذكرني وترحم فتلك الوريقات هي إرثي».
 

«3»

النموذج الآخر لابن عمه الذي يصغره بأعوام، وكان يحمل نفس جينات الإبداع وتعثر البدايات، بل وخاض نفس المعارك في الحرب لأجل الوطن لكنه فطن إلى عدم جدوى الدور الفردي والفارس الأوحد، فشكل وعيا لدى مجموعة حملت حلمه في مراحل التهديد بسقوطه، تعامل في معركته السياسية بأن يكون إصلاحيا وليس متمرسا، جعل قضيته الأساسية أن يكون مواطنا وليس مسئولا، فنجح في إطالة عمر المعركة، وأجاد استخدام أدواته، فنجا من هوة السقوط، وأكسبته السنوات خبرات فبات يعرف أين يبدأ وأين ينتهي.
 

 

«4»
الزجال في قلبي ووجداني وله علي عهد أن أبقي دائما حرفه منتصب القامة، والكاتب شكل روحي وعقلي، وأنا بينهما أود أن أكون مختلفا، لي أثري الخاص، لذا أخذ منهما بالقدر الذي لا يطمس قلمي ولا شخصيتي، وإن كانت قدماي ذلت في تحمل مسئولية مركز الشباب، وتلك كانت بداية مشتركة لهما، كما كانت لي حمى البدايات التي أنتظر التخلص منها، دون الولوج مرة أخرى في خباء السياسة، يروقني جدا دور المواطن الناشر للوعي والثقافة، المخاطب للعقل والوجدان بعيدا عن استنزاف الجهد في معارك شخصية تستنزف مداد قلمي دون عائد يذكر على أجيال قادمة.. أرى نفسي معارضا لا مرودا.. أحب دور المرآة الصادقة الناطقة بحقيقة الوجوه والجباهة، العالقة بملكوت الله.. المحلقة في رحاب سمائه.

«5»

أخذتكم قليلا من حدوتة سيدنا الشيخ محمد أبو حسين، لكني أعدكم بجولة في كتابه الأسابيع المقبلة، لتنشوا من رائحة دواية الحبر، وتأكلوا من أرواح هذا المعلم، وتتعرفوا على المنبه الرباني بداخله، وتعرفوا كم زخمة كانت عقابا لرد اليمين.. فانتظروني.


أنا فلاح
مصر بلادي.. فلسفتي
لا أنا جاحظ ولا واعظ ولا مفتي
بمحراتي أشق الأرض لجل العرض يتستر
وفاسي تسوي طوب الحد لجل القد يتمخطر
وبحباب الندى النازلة على جبيني بتتسطر
نروي الحب يصبح غصن ويزهر
أنا فلاح ومصر بلادي.. فلسفتي
وليه ما أمشي وأرفع راسي في العالي
وموالي صدى جهدي وأفعالي
يحاكي الدنيا عن أصلي وسلسالي
من الأهرام لغاية سدنا العالي
خضعت الأرض لإرادتي وسلطاني
وغنى الليل بزمارتي في ودياني 
  كلمات: محمد محمد الجمل

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز