عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

تامر أفندى يكتب: حواديت عيال كبرت «16»

تامر أفندى يكتب: حواديت عيال كبرت «16»
تامر أفندى يكتب: حواديت عيال كبرت «16»

أينا أشد ذنبا.. أنا أم حبيب العادلي؟



«أكتب إليكم هذه الحدوتة وأنا أشرب «السكلانس»، الذي نصحني به «القهوجي» لزيادة تركيزي، وهذا «السكلانس» مزيج من القهوة والشاي، وحينما اندهشت من الأمر، رد علي «القهوجي» قائلا: «إنت مستغرب ليه، إحنا بقينا شعب الكوميكسات.. فول على طعمية، ملوخية على أرز،  عيش على حرية، مرشح الضرورة، أيظنه لما تشوفه قوله.. هل رأى الحب سيجارة؟، همر وقمر وتوكتوك، كله في الكلتش يا أستاذ، والكلام عندنا سهل أي حاجة دوس على الزرار وارفع الشعار».

«2»
بدون قصد أوصلني «القهوجي» لخيط حدوتي التي كنت أخبرتكم أنني سأكتبها عن سيدنا «محمد أبو حسين» شيخ كتاب الجامع الكبير، وطيلة أسبوع ومن كثرة مواقف الرجل أبحث عن مدخل لأغمس قلمي «البوص» في «دوايته» لا أجد، فمهما كتبت عن علمه لن أوفيه حقه، لكن اليوم سأكتفي بـ«شرطة الكتاب»، هكذا كان المصطلح في بدايته دون أن يأخذ التدرج الذي شاهدناه في عقود طويلة، فلم يكن الشرطة في خدمة الحفظة، ولا الشرطة والحفظة في خدمة الكتاب، بل كان منذ أسس ابن الشيخ هذا الجهاز اسمه «شرطة الكتاب»، كان قبل إنشاء هذا الجهاز ينمي فينا الشيخ شئ اسمه الضمير، كان يخاطبه فينا وإن كنا صغارا لا ندركه، إلا أننا كنا نعرف أنه جهاز إنذار رباني بداخلنا لو أصابه عطب فسد مشروع الإنسان بأكمله، كان سيدنا محمد في معظم حديثه عن التزويغ وعدم الحفظ وعدم الاهتمام يخاطب هذا الضمير، يضرب بـ«الزخمة» تارة، ويرغبنا بـ«الكرملة» تارة، كنا نحبه ونخشاه ونستأنس به، نرى فيه أبا ومعلما، نقلده وهو يقرأ.. وهو يميط الأذى عن الطريق، نجلس في دوائر أمام المسجد نحفظ ونتسامر، يومنا كله في «الكتاب»، حتى تم استحداث هذا الجهاز الأمني، وتم فيه تكليف «العيال الكبيرة» رقباء علينا، يمرون على الدوائر، يسألوننا ويبلغون ابن الشيخ بما نفعله.

«3»

 كان سيدنا محمد يرفض الفكرة لكنه لم يعترض أخذا بمبدأ إعطاء الفرصة لـ«التنمية المستدامة»، رويدا رويدا، أصبحنا نفكر في أساليب الاحتيال على أفراد هذا الجهاز، بالتظاهر بالحفظ، وأحيانا التملق لأحدهم بإحضار «باشا زيادة» و«كانت عبارة عن قطعة خبز عليها جبن»، وذلك نظير أن يخبر الرقيب ابن الشيخ أنه سمع لنا «الماضي»، وبالتمادي في الأمر نسينا ما حفظناه، وبتنا نخبر سيدنا محمد أننا قرأناه على ابنه أو أحد الرقباء، وتارة نخبر ابن الشيخ أننا قرأناه على سيدنا محمد.
 

«4»

ذات مرة وأنا خارج من المسجد حيث كان يجلس سيدنا محمد، استوقفني ابنه وقال لي: «تعالى سمع الماضي»، قلت له: «سمعته على سيدنا»، رد في غضب: «هسمعهولك تاني»، تلفت يمينا ويسارا ثم قذفت اللوح والمصحف في حجره، وجريت.. فإذا به يصرخ في «شرطة الكتاب»: «هاتوه»، وجدت سربا من الأرجل تطير ورائي وهم يملأون القرى صياحا: «تامر هرب من الكتاب»، لاقى الأمر لدى أهل القرية مردودا، أكثر من مردود هروب «حبيب العادلي» هذه الأيام، خرج النساء والرجال يقفون على قارعة كل طريق يمضغون الحدث في امتعاض: «الواد تامر ابن عادل هرب من الكتاب والعيال بتجري وراه»، من شارع لشارع ومن غيط لغيط، وهم لا يكلون ولا يملون من الركض خلفي، ساعة وراء أخرى وهم مصرون، وأمام دارنا يقف اثنان منهما يمنعاني من أصل إلى جدتي، لأنهم يعرفون أنها كانت الحماية لي بعد الله، حاولت التفاوض معهم وإغرائهم بإحضار «الباشا» دون جدوى، وقفت من بعيد أحدثهم بصوت مرتفع وأحكي لهم ما كتبته أعلى عن الضمير، وأنني أحب أن أفعل ما أفعله بحب غير مجبور، لكنه قد تم اختيارهم بدقة بحيث لا يقبلون الحلول السلمية في مثل هذه الموافق، تراشقنا بالحجارة وتبادلنا السباب، وتناسينا أننا مشروع حفظة للقرآن.
 

«5»


دنا الليل وبدأت الرؤيا في التلاشي، فتسللت خلسة في «الأراضي الزراعية»، وأنا أبحث عن مكان يأويني بعد أن جعلوني مجرما في نظر أهل القرية، لم يسأل أحد عن التفاصيل، الجميع اكتفى بالعنوان «تامر هرب من الكتاب»، وأنا أتسلل سمعت أصوات من داخل الديار، أم تحذر ابنها:«شوفت اللي عمله الملعون ابن عادل رمى اللوح وهرب أوعى تعمل كده لأبوك يموتك»، وأخرى:«استغفر الله ايه اللي حصل في الدنيا ياولاد»، وثالثة: «أدي آخرة دلع سته له»، ورابعة: «يا أم حسن هم لسه ما مسكوش الواد!»، «لا لسه يا أم علي بس مش هيسيبوه ده الشيخ مستحلفله»، بشق الأنفس وصلت إلى عشة خالتي نعيمة، وهناك التقطت أنفاسي، ومن شدة الجوع كانت خالتي نعيمة بللت عيش في إناء للفراخ، فاقتسمت معهم طعامهم، وحقيقة لم يضجروا، وكانوا أكثر لطفا معي من الرقباء، من شدة التعب نمت حتى صمتت القرية كلها، إلا من صوت أطيط نعال «شرطة الكتاب»، مازالوا يبحثون عني رغم أن الشيخ نام.


«6»

فتحت خالتي «نعيمة العشة» فرأتني.. فشهقت.. أسرع ناحيتها أحد أفراد الشرطة فأغلقت باب العشة وقالت له: «فيه إيه يا واد.. عايز إيه ما تروح تنام»، قال لها: «أنا من شرطة الكتاب بندور على تامر عشان هرب»، ردت: «وسيبت البلد بحالها وجاي تدور في العشة يا فالح؟»، انصرف وعاودت فتح الباب فقلت لها بصوت لا يكاد أن يسمع: «عايز ستي»، أومئت برأسها وانصرفت.. «والأسبوع القادم نكمل ☻☻».

 

«7»
ما سردته وما عنيته فقط لأنني هربت من الكتاب وكل إدانتي أنني لم أحفظ الماضي، فمالي لا أرى جلبة مثيلة لمن سرق الماضي!.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز